٢٣/٧/٢٠٢٢
بقلم : محسن حزام
ذيول الحرب الأوكرانية ظهرت منعكساتها عالميا بشكل فاقع تبدت في المستوى الإنساني وموارد الطاقة.حالة غير مسبوقة منذ سنين في ارتفاع أسهم التضخم وغلاء الأسعار عمت معظم دول العالم وخاصة الدول المستوردة للحبوب مما احدث ارباك في السياسات الوطنية للدول وكانت الأكثر تأثرا الدول العربية .
القمح الذي يغذي أوربا في تأمين القوت اليومي ” لمادة الخبز ” واحتياجات مصانع المواد الغذائية يأتي من مصدرين أوكرانيا المصدر الرئيسي وروسيا .(روسيا واوكرانيا تسهم بربع صادرات العالم من القمح وخمس صادراته من الشعير والذرة واكثر من نصف صادرات زيت بذور دوار الشمس ) بالإضافة لامتلاك روسيا مخزون من الغاز تعتبر المورد الرئيسي لأكثر دول العالم .

احدى الوسائل التي استخدمها الروس في حربهم مع أوكرانيا للضغط على المجتمع الدولي في تعديل انحيازاته، فرض حصار خانق على صادرات الحبوب الأوكرانية وخصوصا القمح( حتى يتحكموا في توزيعه) محاولة منهم في تسيس هذا الملف ، هذا الإجراء دفع بأسعار الغذاء إلى مستويات قياسية نتيجة التضخم ، ادى الى ارتفاع سعر مادة القمح وبالتالي ارتفاع سعر الخبز العنصر الغذائي الرئيسي للأشخاص ولاسيما الذين يعيشون في المناطق الحضرية ( العديد من الدول الإفريقية تعتمد بشكل كبير على القمح الروسي والأوكراني ) مما أدى أيضا إلى تعطيل سلال التوريد لبرنامج الغذاء العالمي إلى المناطق الأكثر فقرا .
هذا الإجراء تسبب في نفاذ بعض مخازن أوربا من الحبوب، المهتمين بشأن منظومة الغذاء العالمي تحركوا جديا لإيجاد حلول إنقاذية لتفادي كارثة غذائية ممكن أن تطبق على أوربا بعد أزمة البترول وارتفاع أسعارة وتحكم روسيا بتصديرة وبشروط لدعم التكلفة الضخمة للحرب مع أوكرانيا عبر الضغط المباشر على أمريكا وأوروبا بطلب تسديد قيمة المنتجات النفطية وفي مقدمته الغاز بالاضافة للقمح بالروبل الروسي .
كان الهدف الآني من فرض الحصار على صادرات الحبوب الأوكرانية الرد على الحصار الذي اطبق على روسيا بقرار أمريكي منفرد التحقت به عدد من الدول الأوربية والحقته بدعم عسكري لمعدات متطورة للجانب الأوكراني استطاعت من خلاله أن تعرقل الاجتياح الكبير للجيش الأحمر حقق مكاسب سريعة على الأرض كانت سيطر فيها على العديد من المناطق الى ان وصل الى معركة كسر العضم في الدونباس.
الحرب العسكرية التي امتدت لشهور بالإضافة إلى الحرب الدبلوماسية غيرت خرائط الصراعات ووضعت المجتمع الدولي ونظامه العالمي على المحك في العمل على إيجاد تسويات توافقية بين أطراف الصراع تناقش فيها كل الملفات على طاولة الحوار بغية إيقاف هذة الحرب وتاثيراتها الإنسانية .
مراكز الأبحاث والدراسات الإستراتيجية والعسكرية بالإضافة الى ” منظومة الأمم المتحدة ورؤساء البنك الدولي وصندوق النقد وبرنامج الأغذية العالمي ومنظمة التجارة العالمية ” دخلت غرفة الانعاش المبكر من أجل تقديم حلول اسعافية طارئة لرفع الحظر على تصدير الحبوب وإنقاذ العالم من أزمة جوع محققة، والحفاظ على اسواق الغذاء والطاقة مفتوحة وخارج الصراعات العسكرية والسياسية في إيجاد ممرات آمنة لنقل القمح من أوكرانيا عبر البحر الأسود ، وهذا يتطلب مزيد من الحسابات المدروسة بالتنسيق مع كافة الأطراف بالإضافة لتأمين حمايات لابد منها لناقلات الحبوب من أي استهداف من قبل الروس قد ينذر بحرب محتملة مع المتضررين من هذا الحصار الجائر .
لكن كان التوجه الأكبر للخروج من هذا المأزق ذاهب باتجاه الحلول الدبلوماسية لإيقاف الحرب والتوسط بمنطق إنساني صرف من أجل الفصل بين الحسابات السياسية لكلا الطرفين وخاصة الجانب الروسي الذي يتحرك بمنطق الربح والخسارة وبين تطويق الحصار في محاولة لمنع حدوث مجاعة ممكن أن تخيم على العالم قاطبة اذا استمر الروس في هذا الحصار .( تركيا تحركت في إيجاد ممر آمن لنقل الحبوب ونجحت دبلوماسيا في ذلك).
الحرب مع أوكرانيا دخلها بوتين بحسابات آنية ومتوسطة من اجل سحب أوكرانيا إلى مساحة الحياد مع أوربا والسيطرة على مناطق بعينها غالبيتها من الجنسية الروسية وفرض سياسة الأمر الواقع على العالم كما تصرف في احتلال القرم وضمها إلى المملكة الروسية التي باتت توسع نفوذها بمنطق القوة العسكرية “الإحتلالية” علما هذا خارج منظومتها الفكرية أساسا ، والشاهد أن الإتحاد السوفيتي الذي كان داعما لتحرر البرولتاريا في ثورته البلشفية،عندما انفرط عقده في المرحلة الغورباتشوفية ” البروسترايكا” الى دول مستقلة لم تقدم روسيا على اي عمل عسكري مع الدول التي حررت نفسها من منظومة الإتحاد السوفيتي ،
لكن اليوم الوضع مختلف في التعامل مع النظام العالمي من منطوق بوتين الذي يتغنى بعظمة الإتحاد السوفيتي وإعادة إنتاجها بمفاهيم وتحالفات جديدة تحدث فرقا واضحا مع القطبية الواحدة التي تمثلها أمريكا على مستوى العالم كسيده بدون منازع ، على هذة الخلفية وضع بوتين قراره في إدارة الظهر للمبادئ والعمل بالمصالح التي تتحكم بالسياسات دون النظر الى مصالح الشعوب فكان الوجه الآخر للسياسة الأمريكية ( سوريا نموذجا ) .
قرار دخول الحرب تسبب أيضأ في انهيار علاقاته مع العديد من دول أوربا التي كانت تمثل له في السياسة الخارجية ممر عبور لمجابهة أمريكا في تحجيم دورها ومحاولة فرض معايير جديدة لقيادة العالم تستند على متغيرات هامة بدأت تظهر على خارطة المنافسة الدولية ( الصين والهند وباكستان ) هذة الدول الناشئة التي بدات تتربع على عرش الاقتصاد العالمي ودخلت بقوة إلى عالم الكبار. قالت كلمتها اخيرا أن هناك مشروع جديد يتم رسم خرائطه يتجاوز القطبية الواحدة إلى نظام عالمي متعدد الأقطاب له منظومته الجديدة بعيد عن صراع الأفكار الأيديولوجية التي كانت تحكم العالم بين نظامين رأسمالي تمثله أمريكا وأوروبا حينها
واشتراكي مثله الإتحاد السوفيتي وأوروبا الشرقية وبعض الدول الناشئة التي تحررت من عبائة الإستعمار .
التطور التاريخي الطبيعي ابرز قوى جديدة منافسة على مستوى العالم تريد تغيير المعادلات في النظام العالمي من المتوقع ان يكون لصالح البشرية جمعاء ولو لم يخرج من عبائة المصالح التي تتحكم بالسياسات ولكن يهدف إلى المشاركة في تبادل الإمكانيات تنهي توحش وتغول رأس المال العالمي “أمريكا” ويحقق الاستقرار والسلام والأمن الدوليين ينعكس نهضة ونماء على البشرية جمعاء.
أمريكا اليوم تترنح بازماتها الداخلية واقتصاد ينهار نتيجة تضخم غير مسبوق بالإضافة الى ان الرئيس بايدن الذي باتت أسهمه تتراجع في استبيان الانتخابات القادمة.
قراءة متأنية في المنظور القريب للمتغيرات التي ستتحكم بالخريطة الجيوسياسية وكذلك تموضع القوى المؤثرة على مستوى العالم بصرف النظر عن الصراعات الحالية وتشابكات المصالح ارى ان هناك بصيص أمل ظاهر في الصورة دون تحديد المساحة لهذة الرؤية تشير بأن نواظم الطبيعة البشرية لا يمكن أن تركن لمنطق الهيمنة والسيطرة طويلا ولو على جزء من حلقة التاريخ بل ستتحرر من هذا القيد الذي يكبل العالم بمزيد من حروب الوكالة وتذرر العالم وانقساماته لمصلحة تغول المال العالمي الذي تتحكم به الصهيونية العالمية التي ترسم خرائط الصراعات وآلية عمل السلطات والحكومات/ هذا واقع ملموس وليس خرف سياسي يعتمد نظرية المؤامرة/ .
العالم لاشك مقدم على متغيرات ليست ببعيدة ، وبوابتها الحرب الأوكرانية وتخبط السياسة الخارجية الأمريكية وبروز الوجه الكلونيالي لروسيا كلها عوامل مساعدة لذلك. الأيام القادمة ستكون حبلى بالأحداث وكفيلة بالتعرض لاحداثها. الغائب عن المشهد المنظومة العربية التي ليس لها أي ملمح الى الآن .