“الجامعة العربية ” قمة جدة
د. أميمة أحمد
أورينت نت
2023-05-26
هل الجامعة العربية قادرة على تنفيذ قرارها 8914 بعودة سورية المشروطة للحضن العربي؟
سؤال طرحه كثيرون من السوريين، وقد خيّبت الجامعة العربية أملهم بقرار هو الطبعة العربية للقرار الدولي 2254 الصادر بإجماع مجلس الأمن في 18 ديسمبر 2015، كان المفروض تنفيذه خلال ستة أشهر، ما يعني إنجاز الحل السياسي في يونيو/ حزيران 2016، ولكن مضت ثماني سنوات ولا زال النظام يرفضه، فهل ينفّذ النسخة العربية اليوم؟ أمر مشكوك فيه لأسباب عديدة، لعل أبرزها المادة 7 من ميثاق الجامعة العربية الذي “لا يلزم الأعضاء بتنفيذ القرارات إلا لمن يقبلها، وتُنفذ في كل دولة وفقاً لنظمها الأساسية”. وكان بشار الأسد واضحاً في خطابه بالقمة برفض التدخل في الشؤون الداخلية للدول، يعني رفض القرار، وفهمه الخطوة مقابل خطوة بالدعم الخليجي ورفع العقوبات لإعادة الإعمار، وهو ما أكده فيصل المقداد بوضوح.
ولعل اللافت حضور الرئيس الأوكراني زيلينسكي القمة العربية، حليف الغرب، هنا يصبح التساؤل مشروعاً حول حضور خصم روسيا (زيلينسكي) وحليفها ( بشار) في قمة العرب، هل هو الصراع الأمريكي الروسي اختار القمة العربية ساحة له؟ رغم قول الأمير محمد بن سلمان رئيس القمة رفض تحويل البلدان العربية لساحة صراع دولي.
أين بداية الحل؟
لم يكن قرار الجامعة العربية 8914 مخيباً للسوريين فقط، بل اندهش له غير السوريين العارفين بالأزمة السورية المعقدة، وقد تشابكت فيها مصالح إقليمية ودولية تتصارع بالساحة السورية على مدى اثني عشر عاماً والشعب السوري عانى خلالها ويلات حرب شعواء لأربعة جيوش أجنبية إيران وروسيا حلفاء النظام وتركيا وأمريكا حلفاء الجماعات المسلحة متعددة المسميات، صراع دمّر البنية التحتية في سوريا، حيث أصبحت الحياة تفتقر لأدنى مقومات الحياة، لا كهرباء ولا غاز ولا مازوت ولا ماء ولا نقل، فضلاً عن انهيار اقتصادي مريع، أدى لانهيار الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي بنحو 9000 ليرة مقابل دولار أمريكي واحد، فأصبح متوسط الرواتب للموظفين يعادل 13 دولاراً أمريكياً فقط، في وقت يحتاج فيه وسطياً 500 دولار شهرياً (ما يعادل 4.5 مليون ليرة)، ليواجه ارتفاع أسعار لا طاقة له على تحملها بدخله الضعيف.
وليس هذا فحسب بل هناك مشاكل أعقد بكثير عندما نتحدث عن 14 مليون سوري هربوا بأرواحهم من حرب عبثية شنها النظام السوري منذ بدء الثورة في آذار/ مارس 2011 ولا يزال، فأصبحت قضية اللاجئين السوريين معضلة دولية عندما تحصي الأمم المتحدة زهاء 8 ملايين يعيشون في مخيمات تنعدم فيها أدنى مقومات الحياة، لا يوجد فيها صرف صحي ولا مياه صالحة للشرب ولا مدارس لجيل وُلد بالخيام، وما زاد الوضع تعقيداً أن أصبحت ورقة اللاجئين السوريين للاتجار السياسي لدى الدول المضيفة، في تركيا حيث يعيش نحو 4 ملايين لاجئ، جعلت الأحزاب السياسية ترحيل اللاجئين السوريين على رأس برامجها الانتخابية، بينما لبنان البالغ عدد السكان فيه 5.45 مليون نسمة في يونيو/ حزيران 2022، كانت مخاوفه من اختلال التركيبة السكانية، وعبرت عنه قوى سياسية لبنانية فيما لو تم توطين اللاجئين السوريين، “وجود زهاء مليوني لاجئ سوري سني يجعل السنة أغلبية إذا استوطنوا في لبنان”، رغم أن اللاجئين السوريين ينتظرون انفراج الوضع في سوريا ليعودوا، والحكومة اللبنانية تعلم ذلك لكنها غضت الطرف عن أفعال ميليشيا حزب الله والجيش اللبناني من مداهمة المخيمات والقتل والاعتقال التعسفي والترحيل القسري والمهانة مع حملة عنصرية ضدهم، دون أن تراعي قوانين اللجوء الإنساني العالمية، ولا تكترث لرفض منظمة غوث اللاجئين لتلك الأعمال المشينة.
وإن كان الأردن لم يمارس تلك الموبقات لكنه يشكو من عبء اللاجئين على اقتصاد البلاد، حيث يعيش نحو مليوني لاجئ سوري، وطالب الأمم المتحدة برفع مخصصات اللاجئين السوريين.
وفي الداخل السوري أكثر من 200 ألف معتقل، ونحو 250 ألف مفقود، ومخيمات النازحين في الشمال السوري هرباً من المواجهات العسكرية في بلداتهم، وفي إدلب وحدها يعيش أكثر من 3.5 مليون نازح بالمخيمات، قضى الكثير منهم في زلزال 6 شباط/فبراير 2023. تخصص الأمم المتحدة لهؤلاء النازحين سلالاً غذائية ومساعدات طبية وملابس وأغطية، لكن ميليشيات الأسد تسطو عليها وتبيعها في الأسواق ولا يصلهم من الجمل إلا أذنه كما يقول المثل.
أمام هذه الكارثة الإنسانية تصدر الجامعة العربية القرار 8914، وتشكل لجنة وزارية للمتابعة تحت مسمى “خطوة مقابل خطوة”، ولم يذكر القرار آجالاً محددة لتنفيذ القرار، هل التنفيذ مفتوح الزمن؟ وهل الوضع السوري البائس يحتمل تسويف الحل؟.
شعر ضحايا النظام السوري بالمرارة أن يعود بشار متطهراً من كل الجرائم التي اقترفها على مدى اثني عشر عاماً دون محاكمة كمجرم حرب.
هل يقبل بشار التنحي؟
تنفيذ القرار 8914 وفق القرار الأممي 2254 يعني خروج بشار الأسد من السلطة، عند تشكيل حكومة واسعة الصلاحيات، تجري انتخابات رئاسية، يفوز بها رئيس جديد يستلم السلطة من بشار، فهل يقبل بشار التنحي وقد استقوى بإيران عام 2013 لإنقاذه حين كان على وشك السقوط والثورة سيطرت على 70% من سوريا، فأخفقت إيران بإخماد الثورة فاستقوى بروسيا في سبتمبر/أيلول 2015 وبقي رافضاً للحل السياسي حتى اليوم، فكيف ينفذ شروط قرار الجامعة العربية 8914؟.
علّق المتفائلون أن القرار إنذار عربي – أمريكي لبشار “تنفّذ الشروط وإلا، وقد تشكلت لجنة وزارية للمتابعة”، هل تتوعد الدول العربية بشار بتدخل جيوش عربية لإسقاط النظام بوجود فيلق القدس والميليشيات الإيرانية وحزب الله المنتشرة على كافة مناطق سيطرة النظام 65% من سوريا؟، فضلاً عن القوات الروسية في منطقة الساحل؟، هل تملك لجنة المتابعة القوة لفرض شروط القرار؟.
أي لجنة وأي تنفيذ قرار في ظل مقايضات دولية تجري على ظهر الشعب السوري؟، ولعل ردة فعل الرئيس الأمريكي بايدن الذي رفض التطبيع مع النظام السوري ما لم ينفذ قرار 2254 ولكنه قال “لنسمح لمحاولة العرب” لدليل واضح على أن قمة جدة وما سبقها لتحضير القرار 8914 كانت بموافقة أمريكية في سياق صراعها مع روسيا في الحرب الأوكرانية، ولا يكترث الجميع عرباً وعجماً بالوضع المزري للشعب السوري.
إيران الملالي تهدد الأمن القومي
لعل من نافلة القول: هل بمقدور بشار الأسد إخراج إيران من سوريا؟ وإيران صاحبة القرار السوري، وقبيل القمة زار الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي سوريا تحت عنوان “زيارة اقتصادية”، وقد استُقبل كفاتح منتصر على العرب، وتم توقيع ثماني اتفاقيات، يستحوذ فيها على الاقتصاد السوري من غاز ونفط وكهرباء ونقل واتصالات وفوسفات وميناء اللاذقية وأراض زراعية بمساحة خمسة آلاف هكتار، اختارها أن تكون في الجنوب السوري على الحدود الأردنية لبناء قاعدة عسكرية هي الأكبر خارج إيران، هذا يعني تهديداً للأمن القومي الأردني بوابة الخليج العربي، الذي أصبح تحت التهديد الإيراني، ولعل تصريح وزير الدفاع الإيراني حسن دهقان من جنوب سوريا “من هنا نرى مكة” لدليل على إستراتيجية إيران التوسعية في المنطقة عبر سوريا، فهل تتصورون أن بشار الأسد يملك القرار لإخراج إيران التي تعتبر سوريا ولاية إيرانية؟.
وللسوريين كل الحق بالتساؤل أن الجامعة العربية التي لم تكترث لمحنة السوريين على مدى 12 عاماً أن تنبري فجأة لحل سياسي في سوريا؟.
لله الأمر من قبل ومن بعد. ويبقى السؤال: ما هي المقايضات الأمريكية الروسية على ظهير قرار 8914 ؟ إن غداً لناظره قريب.