بقلم : محسن حزام
كيف ولدت الفكرة
فكرة المجلس العسكري الانتقالي منذ سنوات تطبخ على نار هادئة من قوى عربية وإقليمية ليكون جاهزا لسد الفراغ أثناء المرحلة الانتقالية حتى لا تسقط الدولة “كمؤسسات” وتعم حالة الفوضى في البلاد [هذه فكرة المجالس العسكرية الانتقالية عموما] .
المجلس العسكري السوري طرحت فكرته لأول مرة 2016 من قبل منصتي موسكو والقاهرة مع الجانب الروسي في (تشكيل مجلس مشترك من المنشقين العسكريين وضباط سابقين في الجيش أثناء مرحلة حافظ الأسد وبين ضباط مازالوا في الخدمة)، ثم طوي المقترح في أدراج النسيان لأنه لم يلقى أي تجاوب من الجانب الروسي، وفي عام 2021 ، وبشكل شخصي أعاد تقديم المقترح، عضو منصة القاهرة “جمال سليمان” أثناء زيارته لموسكو بتشكيل المجلس، وعلق في حينه على الفكرة المبعوث الروسي “الكسندر لافرينتيف” بأنه يرى (فكرة المجلس تضليل متعمد يهدف إلى نسف المحادثات والعملية السياسية) .
وفي ذات السياق عام 2015 قدم السيد “ديميستورا” ميسر العملية السياسية من بداياتها، شرحا للوثيقة التنفيذية لبيان جنيف1/2015 انطوت على مفاهيم: [هيئة حكم انتقالي، مجلس عسكري مشترك، ومؤتمر وطني]، وأضاف بان: (هيئة الحكم الانتقالي هي التي تشرف على المجلس العسكري) .
بعد عشر سنوات ظهرت هذه الفكرة على السطح من جديد وأَعلن عنها من باريس العميد مناف طلاس من مكان إقامته (وهو اليوم على رأس هذا المجلس)، والجنرال طلاس، كانت قد ساعدته الاستخبارات الفرنسية في الخروج من سورية عبر تركيا إلى باريس في تموز/ 2012 , فرنسا نفسها التي استقبلت بشار الأسد بشكل رسمي ورئاسي عندما أرسله والده حافظ الأسد بأول مهمة تدريبية ورسمية، وهي التي استضافت رفعت الأسد أخو الرئيس حافظ بعد تنازعهما على السلطة، لسنين طويلة انتهت بملاحقته عبر القضاء الفرنسي لمقاضاته بالعديد من المخالفات، وهي أيضا اليوم مع الأمريكان في تطبيق العقوبات والحصار على النظام.
فماهي المصلحة المتوخاة من هذا الاجراء، واين تصب هذه الخدمات ؟؟
“قطعا ليس في مصلحة الشعب السوري انما خدمة لأغراض سياسية تهم فرنسا وحلفائها”.
مهام هذا المجلس
عندما تم الإعلان عنه والترويج لفكرته، أثير العديد من الشكوك والاستفسارات حوله من قبل قوى مدنية وسياسية، حول ما هي ضرورة هذا المجلس؟ .. في الوقت الذي لازالت فيه سورية على صفيح ساخن بين محاصصات القوى المتدخلة التي تقوم باستخدام الأراضي السورية لحل النزاعات بين الأطراف المتدخلة بالحالة السورية والتي لها قوى عسكرية تستوطن في قواعد شمال غرب وشمال شرق وفي الوسط وتشكل حالات احتلال راهنة، يتم التنازع فيما بينها (روسيا وإيران على المتوسط والمياه الدافئة – أمريكا وإيران على النقاط الحدودية في “التنف” الذي يسمح لها بالوصول إلى الجنوب السوري، وفي الجنوب على المعبر مع الأردن لتمرير إنتاج الكبتاغون من قبل حزب الله وأدوات النظام السوري) .
أمام هذا الواقع، المجلس العسكري السوري المطروح، عرف نفسه بتسميه جديدة [حركة التحرر الوطني]. ليخفف عن نفسه كم التساؤلات والانتقادات، تم ذلك عبر لقاء عقد في عفرين منطقة غصن الزيتون، قدم ممثلو الحركة مشروعهم للإعلام حددوا فيه الأهداف والغايات وصرحوا بأن: “المجلس العسكري هو الذراع التنفيذي للحركة”، وبحضور الجنرال مناف طلاس من مكان إقامته في فرنسا عبر الوسائط الإلكترونية.
اهم نقاط المشروع التي حددتها الحركة:
١/ أنها إطار نضالي وطني جامع.
٢/ ليست تنظيم سياسي وانما حركة جامعة ينضوي فيها قوى سياسية وعسكرية وشخصيات وطنية وقوى عشائرية ومنظمات مدنية.
٣/ أمام تعثر المعارضة في المسار السياسي وانسداد العملية السياسية، تدعو إلى إيجاد آليات ووسائل جديدة للمقاومة في كافة المسارات (الحقوقية والإعلامية والحراك الشعبي والعصيان المدني ). وأنها محاولة لتجاوز الصيغ التقليدية للمعارضة .
٤/ ترى أن المعركة مع النظام باتت وجودية ذات أبعاد أخلاقية وإنسانية.
تلك هي تصورات حركة التحرر الوطني (المجلس العسكري السوري)، بكل تفصيلاتها المعلنة والتي برزت عبر وسائل الإعلام، وليست المضامين الداخلية لطبيعة تكوينها.
أمام هذا التعريف لحركة التحرر الوطني، تبرز تساؤلات لابد من أصحاب الشأن من الإجابة عليها، توضيحا وممارسة عملية :
١/ هناك جيوش نظامية تحتل الأرض السورية من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، ومن مسمى حركة التحرر يأتي تحرير البلاد من القوى الخارجية بمختلف مسمياتها، وهذا واضح في برنامجهم، لكن ما هي آلية إخراج هذه القوات؟ وعلى ماذا تعتمد؟ وماهي قواها الذاتية؟ وهل هي مهمة الذراع التنفيذي؟!!.
٢/ هناك العديد من الفصائل والميليشيات العابرة للحدود (أفغانية، ايرانية، عراقية/زينبيون، لبنانية/حزب الله وأبو الفضل العباس، وما لف حولهم)، يقولون بأن المجلس سيعمل على تفكيك هذه الميليشيات ودمج المنشقين الذين لم تتلوث ايديهم بالدم السوري في الجيش الوطني الذي سيعود إلى قوامه كما كان سابقا.
فهل من السهل بعد هذه السنين العجاف وكم المنتفعين الذين يستفيدون منه في سورية، التخلي عن أماكنهم والانسحاب بهدوء عندما يطلب منهم؟ وهم طرف أساسي في تأخير الحل واستدامة الأزمة.
٣/ من سيتولى إدارة البلد بعد التحرر والتحرير؟ هل المجلس العسكري؟ ام حركة التحرر الوطني؟ وشكل النظام كيف سيكون ومن يحدد ذلك؟ .
اذا سلمنا حسن النية ولم نتعامل بنظرية المؤامرة، فإننا نرى من المشروع أنه يؤدي بالمآل إلى اختطاف العملية السياسية التي ترعاها الأمم المتحدة، -علما أنهم يؤكدون عليها في بيانهم- لان إعادة تصدر المشهد للعسكر من جديد بخطاب يحمل نفس العسكرتاريا في مواجهة النظام بطروحات [معركة ومقاومة]، نرى أن هذا يعيد سورية إلى المربع الأول الذي كان عنوانه الخراب والدمار بين فصائل مسلحة وبين جيش النظام وحلفائه، ونكون بذلك /يا ابو زيد ما غزيت/، وإذا كانت هذه المفردات تخص إخراج القوى الأجنبية والفصائل العابرة، فهذا يحتاج إلى إرادة دولية داعمة للفكرة وبتمويل خارجي، وهذا لا يحتاج إلى حرب ومقاومة انما يحتاج إلى توافقات دولية انهت مهامها في سورية وصدرت مشاريعها إلى أمكنة أخرى كما يخطط لها في معاقل الصهيونية العالمية .
ما هو الرأي السياسي في ذلك
نحن هنا يجب أن نتوقف عند مسألة في غاية الأهمية، على كل الأطراف عسكرية ام مدنية أن تأخذها بعين الاعتبار، وهي أن حل المسألة السورية لن تكون الا عبر المسار السياسي التفاوضي والمخول فيه ليس طرف عسكري أو جهة مدنية أو مكون سياسي خارج هيئة التفاوض السورية المشكلة من المعارضة السورية بمنصاتها المعروفة (الائتلاف، هيئة التنسيق الوطنية، منصة موسكو، منصة القاهرة، وجانب من المجتمع المدني وبعض العسكريين المستقلين) التي تعمل بقرار من الأمم المتحدة [وفق مخرجات مؤتمر الرياض 1و2] والتي انخرطت في العملية السياسية على خلفية بيان جنيف 2254/ 2015 في العديد من الجولات التي توقفت بإرادة روسية ايرانية بواجهة تسمى النظام السوري، وتحولت إلى مسار استانا الذي حصر مسار العملية السياسية التفاوضية في إحدى السلال التي طرحها في حينه “ديمستورا” # الإنتقال السياسي، الانتخابات، الدستور ، الإرهاب # اعتمد مسار استانا من خلال القوى الضامنة ( روسيا، إيران، تركيا ) مناقشة الدستور اولا في “لجنة دستورية” أدخلها النظام وحلفائه في نفق مظلم لم ينتج عنها أي شيء يذكر في جولاتها الستة، لكن تبقى هيئة التفاوض السورية الممسكة بالقرار الأممي 2254 الطريق الأمن للحل السياسي في سورية والذي يحاول النظام وحليفه الروسي اختطافه عبر العديد من المشاريع خدمة لمصالحه وإرضاء للنظام السوري. والالتفاف على هذا المسار هو مغامرة بالدم السوري وفتح الأمور على مسارات لا نعرف عقابيلها ونتائجها.
ايضا يجب أن نؤكد بأن المرحلة الانتقالية (الانتقال السياسي) في بيان جنيف والقرار 2254 لم يتحدث عن مجلس عسكري يقود المرحلة لكن وجوده وحركته يتم بإشراف وتوجيه الحكومة المشكلة ذات الصلاحيات التنفيذية غير طائفية أو مذهبية يجمع عليها الشعب السوري بكافة مكوناته واثنياته واعراقه.
المسألة الأخيرة، المسار السياسي هو عملية انتقال سياسي متكامل لا دور فيه للعسكريين في الإدارة والتوجيه انما دورهم في ثكناتهم من أجل المحافظة على الأمن الداخلي وحماية الثغور. لأن عملية الانتقال السياسي يجب أن تفضي بالضرورة إلى دولة مدنية ديمقراطية تحقق مطالب الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية، والبيئة الآمنة للحياة الكريمة، دولة يسود فيها القانون وحقوق الإنسان التي تحافظ على حق المواطنة للجميع دون أي تمييز، وهذا لا يستطيع أن يحققه أي مجلس عسكري -ولو احسنا النية- لأن التجارب القريبة في ليبيا والسودان حالات مشهودة أمامنا بكافة سوآتها ونتائجها المدمرة.
ما هو المطلوب من المعارضة إذاً؟
العمل على توحيد صفوف المعارضة الوطنية ورؤيتها حول أهمية الحل السياسي، وتحقيق الإجماع الوطني حول هيئة المفاوضات السورية المعارضة بصفتها الممثل المعترف به دوليا في العملية السياسية بكافة مساراتها، وأن لا تنجر قوى المعارضة إلى أي تشكيلات عسكرية تعكر المشهد، وتضيف عليه أزمات جديدة، لكون أن جزءاً منهم موجود في هذه المنصة التفاوضية، والتأكيد على أهمية القرار 2254 ومرجعية الأمم المتحدة في ذلك، والتحرر من كل الاصطفافات مع اي قوة إقليمية أو دولية، والتعاون معها بما يخدم مصلحة سورية الوطن والشعب. ذلك هو الطريق الآمن لإخراج سورية من محنتها وبأيدي السوريين أنفسهم.
١٥/٨/٢٠٢٣