بقلم رامز باكير
٢٥ أيلول ٢٠٢٤
في خطابه المنتظر أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، فاجأ الرئيس الإيراني الجديد، برشكيان، المراقبين بنبرة غامضة وعمومية غير معهودة. بدلاً من تبني خطاب حازم وداعم لحليفه الأقرب “حزب الله”، اكتفى بإدانة الحرب بتعبيرات مبهمة ومن موقف انساني، متجنبًا التصعيد الذي كان متوقعًا في ظل الأجواء المشحونة في المنطقة. هذا التغيّر في اللهجة والإحجام عن اتخاذ مواقف واضحة وحازمة يثير التساؤلات، خاصة بالنظر إلى المواقف السابقة للقيادة الإيرانية التي كانت تعتمد خطابًا قوياً وصريحًا يدعم «وحدة الساحات» ويعزز المقاومة الإقليمية.
رغم إعلان الحرب المفتوحة مع إسرائيل، أشار برشكيان إلى أن طهران لا تزال ملتزمة بجميع تعهداتها تجاه المجتمع الدولي، وخاصة الاتفاقيات المتعلقة ببرنامجها النووي. كما أعرب عن تفاؤله بإمكانية رفع العقوبات الدولية المفروضة على إيران في المستقبل القريب، وهو أمر قد يبدو خارج سياق الأحداث الأخيرة. هذه التصريحات تعكس رغبة في إعادة صياغة العلاقات الدولية لإيران، ليس فقط مع القوى الغربية، بل أيضًا مع دول الجوار العربي، حيث يُلاحظ تقارب تدريجي بين إيران والدول العربية بالتزامن مع سياسة النأي بالنفس التي يتبناها النظام السوري، الحليف الإقليمي لإيران، تجاه ما يجري في لبنان، وتطبيع تدريجي على المستوى الإقليمي والدولي.
ما الذي قد يعنيه التحوّل الإيراني داخلياً واقتصادياً؟
يمكن تفسير هذا التحوّل في السياسة الإيرانية على أنه انعكاس لمتغيرات داخلية وضغوط اقتصادية متزايدة، وفشل في ادارة الازمة والحرب فيما ان بدأت الحرب وتوسعت رقعتها وخرجت عن السيطرة.
كما من جهة أخرى، فالنظام الإيراني يعتمد على قاعدة اقتصادية متضررة من العقوبات، فاقتصاد ايران هو اقتصاد ريعي متموحور حول النفط والغاز، ويواجه تناقضات داخلية ناجمة عن تصاعد الحراك الداخلي والضغط المتزايد من الطبقات الفقيرة والمتوسطة التي تضررت من العقوبات.
يمكن النظر إلى خطاب برشكيان، المهادن وغير التصعيدي كاستجابة لمحاولة تخفيف الضغط الدولي على إيران من أجل تأمين مصالحها الاقتصادية، خاصة مع تراجع إيرادات النفط وتزايد التضخم والتهديد الدائم بنقل الصراع من الخارجي إلى الداخلي، وفي إطار التغيير التكتيكي لبلدان رأسمالية هامشية مثل إيران، التي تسعى للبقاء على قيد الحياة في ظل النظام العالمي النيوليبرالي.
ولعل هدف برشكيان يتمثل في تحقيق تسويات مع القوى الغربية لرفع العقوبات، ما يسمح بتدفق الأموال من العملات الأجنبية ويعيد إدماج إيران بشكل تدريجي في السوق العالمي، في ظل علاقات غير متكافئة.
إن تقديم تنازلات لحركات المقاومة الإقليمية كحماس وحزب الله يمكن أن يُفهم على أنه جزء من محاولة الطبقة الحاكمة الإيرانية لتأمين موارد جديدة والاستمرار في الحفاظ على هيمنتها، بدلاً من التصعيد الذي قد يجر الاقتصاد والامن الإيراني نحو كارثة.
تحوّلات في التحالفات الإقليمية
لا شك أن إحدى أبرز الملاحظات الغريبة في خطاب برشكيان هي غياب الانتقادات الحادة للولايات المتحدة، وهو ما يشير إلى تغيّر جذري في السياسة الخارجية الإيرانية. هذا النهج الدبلوماسي المتحفظ الذي لم نعهده مؤخرًا ، إلى جانب مؤشرات على احتمال مقايضة أو صفقة ما تتعلق بحماس وحزب الله، يعزز الاعتقاد بأن إيران قد تكون في طريقها إلى تقديم تنازلات في مقابل تحسين علاقاتها الإقليمية والدولية. وحتى على مستوى الخطاب الرسمي، بدا واضحًا والمؤشرات الأخيرة بدأت تشير إلى أن برشكيان لن يغامر و يضع حركة حماس وحزب الله في صدارة أولوياته كما كان في السابق.