بقلم : محسن حزام
28 / 8 / 2023
إنسحاب القوى الأمنية ومراكز حزب البعث من السويداء .( التي تحررت نهائيا من سيطرة السلطة وشبيحتها داخل المحافظة) ،حسب البيان رقم 3 الصادر عن الحراك الشعبي الذي أعلن عنه في 26/8/2023 بعد إسبوع من بداية الحراك في حوران السهل والجبل / السويداء ودرعا / الذي تضمن إغلاق كافة مكاتب حزب البعث والأفرع الأمنية ” دون أي ردة فعل مباشرة من السلطة سوى بعض الإتصالات مع منظمي الحراك ” وقررت الانسحاب بهدوء لاحتواء الموقف بعد رفض أي حوار معهم ، تجاوبا مع الضغط الشعبي المطالب بالرحيل، علماً على المقلب الآخر في درعا تعامل النظام بشكل مختلف وبدأ بقصف البلدات براجمات الصواريخ/ صلخد، الصنمين..الخ / مخلفا العديد من الأضرار والجرحى لإخماد هذة الهبة الشعبية أمتدادا للثورة السورية 2011 في استمرار المهمة لانطلاق الموجة الثانية للانتفاضة في 19/8/2023 ، ولخصوصية منطقة جبل العرب الأشم التي تحتضن طائفة الموحدين الدروز ،مهد الثورة السورية الكبرى، والذي يمثلهم شيوخ العقل لهذة الطائفة وفي مقدمتهم الرئيس الروحي لطائفة الموحدين الدروز ” حكمت الهجري ” .
إن هذا المكون له امتداد في كل من( لبنان الجبل ،والجولان المحتل ،وداخل فلسطين المحتلة وفي الأردن )، الذين يشكلون أحد أهم مكونات الشعب السوري الذي يشكل ألوان الطيف الوطني المتعدد المشارب والتي أثبت عبر التاريخ ومن زمن الثورة السورية الكبرى ” السلطان باشا الأطرش، وصالح العلي ” مواجهتهم المستعمر الفرنسي وكذلك مواقفهم المشرفه في تاريخ سورية الحديث.
إن الذي يميز الموجة الثانية للانتفاضة التي انطلقت من محافظة السويداء ” جبل العرب ” بمبادرة منظمات المجتمع المدني والعديد من التشكيلات السياسية ، أن قيم الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية متجذرة في التركيبة السكانية لأهالي السويداء ولهم الدور الأساس في هذة الهبة،الذي انضم العديد منهم إلى الجبهة الوطنية الديمقراطية- جود ، ويشاركون بشكل فعال مع القوى المدنية في توجية بوصلة الإحتجاجات بالإضافة إلى مشاركة المرأة التي لها دور هام وميداني في التحشيد وصياغة الشعارات المطلبية والسياسية المتوازنة مع تعاضد كل الفئات المجتمعية في عموم المحافظة، والذي أعطى الدعم الأقوى لكل الإجراءات التي اتخذها منظموا الإحتجاجات للاسبوع الثاني على التوالي الموقف العلني الداعم لمطالب الحراك من شيخ العقل ” حكمت الهجري ” الذي أطلق صرخته القوية المدوية من داخل هذة التجمعات داعما لهذا الحراك والمطالب المحقة في مواجهة الفساد والإفساد الذي انتشر في عموم أرجاء سورية ،معلنا “أن هذا الوضع يجب أن ينتهي بانسحاب هذة السلطة من دورها الوظيفي في إدارة البلاد” هذة السلطة التي رسخت الإستبداد في أسوأ أشكاله وممارساته نموذجا لم يشهده التاريخ الحديث على مدى عقود حتى 2023 ، وكذلك فتح الباب مشرعا للتدخل الخارجي والتحكم بمقدرات البلاد ونهب المال العام، مما يمكن القول بأنه قد آن الأوان لوضع حد لوجودها من المشهد السياسي بالكامل.
إن الإجراءات التي تم العمل بها من قبل منظمي الحراك السلمي في طرد أعضاء فرع حزب البعث ومن يرتبط بالنظام خارج مقراتهم ، وإبقاء القوى والأفرع الأمنية داخل الأبنية التي يشغلونها ، والإعلان بعد تحرير المحافظة ، وتحرك لجان شعبية بدأت بإدارة الشؤون الخدمية والصحية والتعليمية في المحافظة مع تأمين احتياجات المواطنين ،محاولة في سد الفراغ الذي كان نتيجة طبيعية من نتائج الدعوة للعصيان المدني والإضراب العام الجزئي لبعض المؤسسات / المياة ، الكهرباء،المالية / بهدف تسيير مصالح المواطنين ،مع إغلاق منافذ المدينة والسماح للحالات الاضطرارية للمغادرة .هذة الإجراءات المدنية من قوى الحراك الشعبي والتشكيلات السياسية تعتبر خطوة متقدمة واعية لطبيعة النظام وأساليبه المراوغة، وحاسمة بمواقفها المشروعة بأنه لاعودة إلا بالوصول إلى دولة المواطنة وسيادة القانون وحقوق الإنسان التي يتساوى عندها الجميع دون أي تمييز .
وفي هذا المقلب لازالت هناك توجسات لابد من التنويه بها:
١/ الحذر الشديد من المندسين الذين هدفهم خلق المشاحنات بين المنتفضين بهدف حرف الثورة عن مسارها السلمي ومطالبها المحقة في العيش الكريم وزرع الفرقة بين الصفوف في عملية اختراق تعمل أو تخطط لها القوى الأمنية يمكن أن تخمد شعلة هذة الإنتفاضة ” المستمرة من تحت الرماد” ولذلك لا بد من التعامل مع ما قد يرسمه النظام بوعي وحنكة سياسية وليس بردود الأفعال أو النزق الثوري الغير منضبط ،وهذة إحدى المهام الصعبة المطلوبه من القائمين على هذا الحراك .
٢/ يفترض بهذة الثورة أن تستفيد من الدروس المؤلمة لموجة ثورة 2011 وانحراف بوصلتها عن مسارها السلمي ، وعدم السماح بحمل السلاح والتعاطي معه مهما كانت الأسباب للحفاظ على نبل أهدافها من خلال تنظيم شعاراتها السلمية المطلبية والسياسية الغير منفصلة عن بعضها ولا عن الواقع المعاش ،لأن الانجرار اليه يعتبر طلقة قاتلة يوجهها النظام عبر أدواته والقوى الأخرى الاقليمية والدولية التي لا مصلحة لها في انتصار انتفاضة جبل العرب وأمتدادها على كامل الجغرافيا السورية .
٣/ لابد للقوى السياسية والمجتمعية وفعاليات المجتمع المدني أن تحافظ على وحدة الهدف من هذا الحراك ،والتأكيد على أهمية أن تكون كل القرارات المتخذة بخصوص الدعوات لهذة التجمعات والعمل لتأمين الخدمات العامة، ومن الأصوب أن تكون توافقية من الغالبية التي تمثل تلك التجمعات ،هذا يساعد في استمرار هذة الهبة من خلال القيادة الجماعية ،وخلاف ذلك يعتبر أيضا تدمير الخط الناظم للإستمرار والوصول إلى الهدف المنشود.
٤/ لقد أثبتت التجربة بأن استمرار الانتفاضة لا بد أن يؤدي الى انتشارها ( وأعدائها يعرفون أن لها عند انتشارها مفعول الوباء الذي لايقف عند حدوده ) وهذا يجب أن يدفع الى ضرورة التوجه إلى كل الفعاليات السورية في كافة المحافظات / النقابية والعمالية وطلبة الجامعات والصناعيين والحرفيين / للمشاركة في هذة الإحتجاجات، يداً واحدة مؤيدة لانتفاضة السهل والحبل، ومحاولة التضييق على هذا النظام سلميا بالدعوة للإضراب العام مع شعارات التغيير الوطني الديمقراطي بديلاً نظام الاستبداد والفساد .
٤/ قيادة الموجة الثانية من انتفاضة الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية من الجنوب السوري علامة فارقة في تاريخ سورية الحديث والتي تدحض وبالدليل القاطع دعوات النظام حول تنصيب نفسه حامي الأقليات ، والتي قلبت عليه المجن وأعلنتها مدوية نريد سورية واحدة محررة وبدون النظام وحوامله ومرتكزاته الأمنية الداعمة لوجودة وبقائه لهذا التاريخ، مؤكدين أنهم جزء أصيل من هذا الشعب العظيم ،من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب موحداً أرضاً وشعباً ، بما يمثلون قولا وعملا ، الدعوة لبناء عقد إجتماعي جديد يحترم خصوصية كافة المكونات على اختلاف مشاربها الاثنية والطائفية والأقوامية، في دولة مدنية ديمقراطية، تتطلع إلى عودة سورية لحضارتها ومركزها الجيوسياسي الإستراتيجي مع المحيط العربي، التي خطط النظام مع حلفائه وبشكل ممنهج لهدمها وسرقة معالمها وتراثها وتغيير بنيتها الديمغرافية بأساليب شيطانية عبر الاستهلاك للعقارات والتخلي عن النقاط البحرية والمطارات والمربعات الجغرافية الهامة والأثرية في المدن السورية. ولن يتم استرجاع ما أغتصب من الارض والمرافق الحيوية والثروات السورية الا من خلال وجود حكومة وطنية كاملة الصلاحيات التنفيذية ذات مصداقية تشاركية تكون على رأس المرحلة الإنتقالية، تنفيذا لخطة الطريق التي رسمها القرار الدولي 2254 الذي نال إجماع دولي حين صدوره ..
تحية لشعبنا في السهل والحبل، على طريق تحقيق حلم السوريين المنتظر وباياديهم المتشابكة والملتحمة حول شعار جامع ( الشعب السوري واحد ).