ياسر النمر
مارس 30, 2022
في٣٠ آذار/مارس عام٢٠٠٠ رحل عنا المفكر العروبي جمال الأتاسي المولود في حمص السورية سنة ١٩٢٢ وهو الذي ينتسب إلى أسرة وطنية تهتم بقضايا الوطن، والده رجل متواضع يمتهن الزراعة، تتلمذ في أحد كتاتيب حمص وانتقل إلى مدارسها ليتفتح وعيه على حب الوطن وسط مختلف التيارات السياسية، مما دفعه للاشتراك في المظاهرات التي تنادي بالاستقلال وطرد المستعمرين من البلاد وانتقل إلى دمشق ليدرس في الجامعة، حيث توسعت المدارك وتنوعت مصادر التلقي ليختار الخط القومي في توجهه حيث تعرف على ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار حاملين علم النضال والعروبة وانتسب إلى حزب البعث العربي ليشاركهم التنوير والنضال، حيث توضح نشاطه في الحركة الطلابية التي تطورت إلى رابطة عربية للطلاب العرب من مختلف البلدان العربية حيث الانتماء الوطني والقومي العربي، موضحًا بجهده كرئيس للمنظمة الطلابية بأن القول مقرونًا بالفعل، متجهاً ليشارك في حركة رشيد عالي الكيلاني في العراق. وعاد إلى دمشق بعد أن فشلت في تحقيق أهدافها ليجدد نشاطه حيث اعتقل، وفي السجن التقى أكرم الحوراني وتبادلا الأفكار، وتوالت بينهما الأحاديث ليتعرف أكرم الحوراني من جمال الأتاسي على حزب البعث ومنهجه النضالي، وبعد خروجه من الاعتقال سافر إلى فرنسا ليستكمل تعليمه ويتعرف على ثقافة الغرب بعقل واع ومنفتح وليزداد إطلاعًا من خلال مثقفين وأدباء ذو قدرات ثقافية عالية، وعن كيفية الحوار بعقلية متجددة وخصوصًا في مسألتي الديمقراطية والاشتراكية وكيفية تحقيقهما، وبالعودة للوطن وفي مدينة حماه حيث عمل كطبيب أضحت له سمعته الطيبة وعاود اللقاء بأكرم الحوراني وتوصلا إلى ضم الحزب العربي الاشتراكي إلى البعث العربي ليصبح حزب البعث العربي الاشتراكي الذي زاد عدد منتسبيه من العمال والفلاحين والطلبة والعساكر ليشتد عوده .
ومع نصر مصر في السويس ٥٦وصعود نجم عبد الناصر تنادت القوى السياسية وجماهير سورية إلى الوحدة مع مصر الناصرية وطار وفد من سورية إلى مصر ولم يعودوا إلا وقد أخذوا وعدًا من جمال عبد الناصر بتحقيق الوحدة. وبعد اجتماعات قصيرة تم الإعلان عن الوحدة الاندماجية التي باركتها سورية بكل مكوناتها والجماهير العربية في جميع أقطارها وحلت الأحزاب في سورية بحسب الاتفاق على أن يتم العمل تحت ما يسمى بالاتحاد القومي كواجهة سياسية واجتماعية للقطرين معًا. ونشطت الرجعية مدعومة ممن هزموا في السويس وازدادت خفافيش الظلام لتنسج شباكها حول البلدين واستغلت الأخطاء والممارسات الفردية من كلا البلدين لتغزية روح الفتنة وزرع البغضاء ومستغلة ضعاف النفوس واعدة إياهم بالأماني وبدعم من الرجعية العربية وقصور من حُماة الوحدة نجح الانقلاب الانفصالي على دولة الوحدة وهبت المنطقة الشمالية لتعلن رفضها وتمردها على الانقلابيين ولم يتراجعوا إلا حين توجه عبد الناصر لهم بالتزام الهدوء ووقف التمرد حقنًا للدم العربي وللحفاظ على أبناء الوطن الواحد من الفرقة والبغضاء ويعلن الانفصال عن سورية والحزن والأسى يعتصر قلبه، ولتبقى مصر بمسمى الجمهورية العربية المتحدة على أمل العودة لاحقًا، وقتل الطفل وهو في المهد. ويبدأ عهد الانفصال وتعود الأحزاب السياسية لإعادة تشكيلها وللبعث نصيب فيها وعاود نشاطه والدكتور أحد مفكريه وأبرزهم حيث كانت سورية بين مد وجزر ومؤامرات وحركات انقلابية مختلفة نجح الانقلاب الذي قاده الناصريون والبعثيون في الثامن من آذار/مارس ليعلنوها ثورة على الانفصال وليسيطروا على هياكل الدولة وشكلت الحكومة برئاسة صلاح الدين البيطار ليكون الدكتور جمال الأتاسي وزيرًا للإعلام وعمل جاهدًا لبث الوعي الوحدوي وطالب بإعادة الحوار مع مصر عبد النصر لإقامة وحدة مدروسة ولم يلق استجابة من قادة البعث بل أحس بالعداء، مما دفعه إلى الاستقالة والتوجه إلى القوى الوحدوية والقومية وانتسب إلى تنظيم الاتحاد الاشتراكي العربي/ الناصري القومي الفكر والهوى وعمل فيه بنشاط ليكون عضوًا في المكتب السياسي في سورية عام ١٩٦٣ ليغذيه فكرًا وثقافة ويضع أسس للعمل التنظيمي فيه بالتعاون مع بقية القواعد والقيادات مجتمعين حتى وصلوا به إلى تأييد جماهيري للحزب و للفكر القومي الناصري وفي عام ١٩٦٨ تم انتخابه أمينًا عامًا للتنظيم داخل الإقليم السوري، وأعلنت استقلالية التنظيم عن أي ارتباط خارجي تنظيمي ماعدا الارتباط فكريًا بالفكر الناصري والقومي، ونشط في إبراز أهداف التنظيم وشرح الناصرية منهجًا للوصول لأهدافها القومية بتحقيق الحرية والتحرر من التبعية السياسية والاقتصادية وضمانة ذلك النضال لكافة القوى الفاعلة للوصول بها إلى قيادة تتخذ الطرق الديمقراطية أساسًا لمسيرتها نحو الحرية والمساواة لتقوى على أعدائها وتتماسك لتنتصر على كل من ينتقص من كرامتها أو مكتسباتها. ولاح في الأفق أمل أثَّر استجابة لما يناضل لأجله، واستشعر الحكم البعثي هذا المد الثوري فاعتقله مجددًا عام ١٩٦٨ إشارة إلى البقية ممن تسول له نفسه بمقولة فكرية أوفعل نضالي ولم يفرج عنه إلا بعد تدخل من عبد الناصر. ثم كانت ما سميت لاحقًا بالحركة التصحيحية في عام١٩٧٠ ودعوته من قبل الأسد وبالتعاون مع الحكومة بجو ديمقراطي وتكون قيادة الوطن لجبهة تضم كافة الأحزاب الوطنية فيه ورحب بهذا الطرح وطلب منه أن يشارك في وضع ميثاقها وفي العودة إلى قواعد الاتحاد الاشتراكي بعد أن أوضح بأنه التقى بعبد الناصر وشرح له بضرورة التوافق العربي ولم الشمل ولتجاوز جرح حزيران/ يونيو وإعادة الاعتبار للعرب ليقفوا بعزة أمام العالم والطريق إلى ذلك بالتوافق الداخلي والتوحد الخارجي في إشارة إلى قرب إعلان حرب تحرير في وقت قصير وهو يعد جيشه لذلك الأمر وكان أن أعلن ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية وباركتها الجماهير على أمل التخلص من ظلم سابق، واتحاد مصر وسورية وليبيا طريق إلى وحدة ستعلن قريبًا وحرب تحرير يخطط لها في القريب العاجل، ولكن هيهات للثعلب أن لايمكر وأعلن استصدار دستور جديد للبلاد فصله على هواه ليحكم سيطرته على الجميع بعد أن استشعر ضعف البعث جماهيريًا وقوة بقية الأحزاب وعلى رأسها حزب الاتحاد الاشتراكي العربي وجاءت المادة الثامنة التي تنص على أن يقود البلد حزب البعث العربي الاشتراكي ويقود جبهة وطنية تقدمية يترأسها حزب البعث أيضًا وهو يمثل الأغلبية فيها وبذلك تكون الجبهة قد أفرغت من مضمونها مما دعا الدكتور جمال وإخوته في النضال للوقوف معارضين للدستور ولذلك التوجه ولما لم يستجب الحكم لذلك فقد أعلنو انسحابهم من الحكومة والجبهة معًا وعاد الحزب إلى نضاله السري ولكن يد الغدر امتدت وطعنته من الظهر وأعلنت الحكومة استمرارية الجبهة وبوجود أدوات تابعة للسلطة بمسمى (حزب الاتحاد الاشتراكي) ممثلًا بضعاف النفوس بحيث اتفق معهم على الاستمرار بضمان مناصب ومكاسب يحققها لهم وكان لهم ذلك مما دفع القيادة إلى تأكيد انسحابها وإعادة التسمية الرسمية للحزب بإضافة الديمقراطي ليصبح الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي ليعرف المناضلين من الوصوليين واستمر بنضاله بقيادة الحزب والقوى الناصرية مناوئًا التسلط والحكومة وداعيًا إلى الحرية والديمقراطية دون تراجع أو خوف من ممارستهما ودعى المناضلين الأحرار والمستقلين والأحزاب السياسية إلى حوار حر تتكاتف فيه الجهود وحيث تلتقي الأفكار إلى تشكيل تجمع وطني ديمقراطي للعمل على رفع الظلم والقهر الواقع على الشعب السوري وبالطريق السلمي بعيدًا عن أي عنف يمكن أن تكون نتائجه سلبية على المواطن والوطن وعن طريق الحوار الديمقراطي من مثقفي الوطن وأحراره مع رموز الدولة ورجالها الشرفاء منهم للوصول إلى تعايش مشترك تتفق عليه الأكثرية وتؤخذ بعين الاعتبار متطلبات البقية . وتقوده نخبة مختارة ومنتخبة من التجمع ولرفع الغشاوة عن عيون المغرر بهم وبقية فئات الوطن الذين سلبت حقوقهم من قبل الحكومة سواء عن جهل في المصلحة أو عن عمد لسلبهم أسباب القوة وبهذا يكون مطلب الحرية أولًا ما نتفق عليه جميعًا لإعادة تشكيل الدولة والمجتمع الحر الموحد الذي يدعو للخلاص من عقدة النفعية والمصلحية والطائفية البغيضة التي همها الهيمنة على ثروة البلد وضمان ذلك البقاء على قمة هرم السلطة وتسخير كل القوى لحمايتها الخاصة. كل المعطيات والمستجدات على الساحة السورية دفعت بالدكتور جمال رحمه الله ليكون قدوة وحزبه للجميع إذ أعلن مرحلة النضال العلني وبذلك يفتح الطريق إلى البقية مطالبًا بالحرية أولاً وبأسلوب الحوار السلمي والديمقراطي إضافة إلى نشر الوعي بين الجماهير التي هي مفتاح الحل إن امتلكت الإرادة المقرونة بالتضامن الجدي فيما بينها وبين طليعتها الثورية التي تبنت الحل السلمي وسيلة لا رجوع عنها مجددًا، والدعوة للجميع للمشاركة سواء بالفكر أو بالممارسة وكل حسب مقدرته ضمن الأطر القانونية بفكر خلاق ومنفتح على الكل، والكل يتجدد مع المعطيات المتاحة وملاءمتها للواقع الذي يعيشه العامة وعمل رحمه الله جاهدًا سواءً بالكتابة أو بحضور المنتديات الحوارية أو الندوات المنعقدة في الداخل أو بالمحيط العربي، بفكر قومي ناصري موضحًا أنه الأقرب إلى التحقيق الوحدوي والنهوض بالعرب على توزع بلادهم بالعمل الجاد من المخلصين الثوريين الذين يحملون الراية على عاتقهم وهو في طليعتهم. حتى العزة والكرامة . لأكثر من ستين عامًا قضاها رحمه الله مناضلاً وسياسيًا صاحب فكر قومي واشتراكي ديمقراطي ومنفتح، واضح المعالم والأهداف، لم يهن ولم يستكين حتى النفس الأخير من حياته. واهبًا نفسه لشعبه وعروبته وقوميته. وتشاء الأقدار أن يفارقنا في يوم عزة وكرامة يوم الأرض الفلسطينية حين هب شعبنا في فلسطين معلنًا رفضه وبكل الغضب محتجًا على مصادرة أراض فلسطينية تعود ملكيتها الخاصة لأفراد فلسطينيين توارثوها عن أجدادهم أو اشتروها بأموالهم من إخوانهم الفلسطينيين وأيضًا مصادرة أراض ذات ملكية عامة تلبي خدمات المدن أو سياج تجميلي لحماية البلدات وهي أيضًا طابعها ملكية عامة للفلسطينيين أنفسهم وفي أكثر من مدينة وبلدة مما دعاهم التعبير عن غضبهم متضامنين رافضين المصادرة .
ونتج عن تلك المظاهرات والاحتجاجات صدام عنيف بينهم وبين سلطات الاحتلال الإسرائيلية نتج عنه سقوط شهداء وإصابات متفاوتة ومنها أعلن ٣٠ آذار /مارس يوم الغضب الفلسطيني بيوم الأرض. تحية إلى شهداء يوم الأرض في يومهم هذا وإلى شهداء الحرية في وطننا العربي وتحية حب وإكبار للمعتقلين المناضلين في سبيل الحرية والرحمة للشهداء وإلى فقيدنا الغالي الدكتور جمال الأتاسي في ذكراه .