6 – يناير – 2023
إيفا كولوريوتي
القدس العربي
بعد ساعات من إعلان موسكو عن اللقاء الذي جمع وزير الدفاع ومدير المخابرات العامة السوريين بنظيريهما التركيين بوساطة روسية أتى إعلان مقتضب من قبل وزارة الدفاع السورية يصف اللقاء بالإيجابي دون أي معلومات إضافية أو شرح تفاصيل هذا الاجتماع المهم على مستقبل سوريا بشكل عام، حالة التوجس هذه من قبل نظام الأسد تناقض حالة الفرح والتضخيم لأي لقاء يجمع مسؤولين سوريين مع أي مسؤول عربي أو غربي أو آسيوي.
في الجانب التركي أسهب المسؤولون الأتراك في الحديث حول هذا الاجتماع مع تأكيدات بلقاء مقبل على مستوى وزراء الخارجية تمهيداً للقاء يجمع الرئيس التركي أردوغان مع الأسد الصيف المقبل قبيل الانتخابات هناك ، ردة فعل طرفي قمة موسكو المتباين يحتاج منا كمراقبين أن نعيد رسم المشهد وتوقعات كل طرف لمستقبل هذا التقارب بناءً على مصالح كل طرف والبداية من دمشق .
الواقع الاقتصادي
تؤكد التقارير الآتية من مناطق سيطرة الأسد أن الواقع الاقتصادي يتدهور بشكل متسارع في ظل شح في الوقود وهو ما انعكس سلباً على المواصلات والتدفئة في شتاء قاس قد بدأ للتو.
أما عن مسببات هذا التدهور فيبررها إعلام الأسد بالعقوبات الاقتصادية الغربية وسيطرة حلفاء واشنطن على مصادر النفط والغاز شرقي الفرات ، إلا أن الحقيقة هي أن مناكفات الحلفاء الروس والإيرانيين هي سبب الأزمة الحالية التي تعصف باقتصاده .
طهران و التي قدمت خلال أعوام الثورة الاثني عشر الماضية كل أنواع الدعم العسكري والبشري والمادي ترى أن الوقت قد حان لحصد بعض من تلك الديون المتراكمة في ظل واقع اقتصادي وشعبي إيراني مترد، فحسب مصادر إيرانية فإن عددا من المطالب الإيرانية التي قدمت لنظام الأسد والتي تشمل ملفات الفوسفات السوري والميناء البحري وعقودا تجارية أخرى قوبلت بحائط روسي ، فالشركات الروسية قد وضعت يدها بشكل كامل على الفوسفات السوري كما سيطرت بشكل شبه كامل على ميناء اللاذقية التجاري ووقعت عقودا طويلة الأمد تشمل النفط والغاز السوري ، هذا الواقع قوبل بامتعاض إيراني ترجم حالياً بتخفيض وارداتها من المحروقات لنظام الأسد خلال الشهرين الماضيين ، بالتوازي مع ورقة مطالب جديدة نقلها المسؤولون الإيرانيون لنظام الأسد قبل زيارة إبراهيم رئيسي لدمشق إلا أن التباطؤ في الرد من قبل دمشق أدى لتغيير موعدها مع إمكانية لإلغائها، مناكفات حلفاء الأسد عكّرت أجواء دمشق وأثرت على اجتماع موسكو مع الأتراك.
أجواء تركية متوترة
ضمن أجواء تركية داخلية متوترة أتى تفجير اسطنبول الإرهابي ليجبر أنقرة للتعامل بطريقة مختلفة مع الملف السوري، فالعملية العسكرية التي أشارت لها تركيا تصادمت مع رفض أمريكي واستغلال روسي ، فخلال شهري تشرين الثاني/نوفمبر وكانون الأول/ديسمبر الماضيين قدّمت كل من واشنطن وموسكو عروضاً بديلة عن العملية العسكرية ، فكان أول الوافدين لتركيا السيد جيمس جيفري سفير واشنطن لأنقرة السابق ، وحسب مصادر غربية فإن العرض الأمريكي يقوم على فتح باب المصالحة بين المعارضة السورية من جهة وميليشيا قسد المدعومة أمريكياً من جهة أخرى ، هذه المصالحة تفتح المجال أمام تشكيل منظومة حكم مشتركة من العرب والأكراد تدير مناطق شرق وشمال وغرب سوريا من الباغوز وحتى جبل الزاوية ، إلا أن هذا العرض قوبل برفض تركي.
أما على الجانب الروسي فكان عرض موسكو هو بدخول قوات تابعة لنظام الأسد لمناطق عين العرب (كوباني) وتل رفعت ومنبج لتديرها بالتنسيق مع قوات الأسايش التابعة لقسد، لكن هذا العرض أيضاً لم يكن مناسباً لتطلعات أنقرة . تعقيدات العملية العسكرية في ظل رفض أمريكي وروسي دفع أنقرة نحو قرارات أكثر صعوبة.
سقوط مدينة حلب
مع سقوط مدينة حلب بيد نظام الأسد عام 2016 أصبحت تركيا مقتنعة أن تغيير النظام في دمشق لم يعد موجودا على الطاولة الدولية والإقليمية، ولهذا أصبح هذا الملف يتم النظر إليه ضمن نافذتين:
الأولى وهي ملف الميليشيات الكردية التابعة لحزب العمال الكردستاني.
والثانية ملف اللاجئين ، وعلى هذا الأساس كان التحرك الروسي الأخير لجمع أنقرة والأسد على طاولة واحدة باعتباره الحل الأمثل لهواجس تركيا، فمن وجهة نظر موسكو التطبيع مع الأسد سيفسح المجال أمام إدارة حزب العدالة والتنمية لتنسيق عودة اللاجئين، وهو ما سيسحب هذه الورقة من أيدي أحزاب المعارضة التركية في الانتخابات المقبلة، كما أن هذه الخطوة قد تجبر واشنطن للتعامل مع ملف سوريا على أنه منته، وبالتالي هي بدورها تنهي تواجدها العسكري في شرق سوريا، ويعود الأسد ليبسط سيطرته على كامل الحدود مع تركيا ، ضمن هذا العرض الروسي ستقدّم موسكو جائزة للجانب التركي وهو تعديل على اتفاق أضنة الموقع عام 1998 ، التعديل سيتيح لتركيا التحرك عسكرياً بعمل 35 كم في حال تهديد أمنها القومي ، من خلال التصريحات التركية الأخيرة فيبدو أن أنقرة قد أعطت الضوء الأخضر ضمن هذا المسار ، لكن هل هذا العرض هو الحل السحري لتركيا ؟
إن المرجو من هذا العرض الروسي لتركيا أكبر مما يمكن تطبيقه على أرض الواقع وبشكل عملي ، في ملف اللاجئين فالقانون الدولي وبشكل واضح يضع قرار العودة بيد اللاجئين أنفسهم فلن يغير تطبيع أنقرة مع الأسد من حقيقة عدم الثقة بين السوريين ونظام الأسد مهما حاول و سيحاول، مع حقيقة أن الأسد نفسه هو غير قادر على تحمل أعباء أكثر من ثمانية ملايين سوري بين تركيا وإدلب وريف حلب الشمالي ، فهو لن يكون قادرا على إدارة هذه المناطق أو على توفير أدنى وسائل الحياة لهم أو حتى قمعهم أمنياً، أما ملف الميليشيات الكردية فتطبيع العلاقات بين أنقرة والأسد لن يغير من حقيقة سيطرة واشنطن على هذه المنطقة وفي ظل رفض أمريكي واضح للتطبيع مع الأسد فإن المنطقة ستبقى بعيداً عن متناول الأسد وستبقى هاجساً لتركيا مع التطبيع أو من دونه .
أحزاب المعارضة التركية
الأسد لم يكن يريد هذا التقارب مع إدارة أردوغان في الوقت الحالي و بالأخص قبيل انتخابات تركية معقّدة وغير محسومة ، هذا التقارب قد يؤثر على رأي أحزاب المعارضة التركية والتي قد تعيد تقييم خطط تقاربها مع نظام الأسد إذا ما انتصرت هي في الانتخابات.
أما على الجانب الروسي فيرى الساسة هناك أن بقاء أردوغان في الحكم مهم جداً لاقتصاد روسيا ولنفوذها في المنطقة باعتبار أن المعارضة التركية محسوبة بمعظمها على واشنطن، وبالتالي تريد موسكو أن تقدّم دعماً لأردوغان من خلال سحب ورقة اللاجئين السوريين من يد تلك المعارضة ، أما مستشارو أردوغان فهم يتعاملون مع ملف التقارب مع نظام الأسد عبر خطين، الأول دبلوماسي متسارع مرتبط بالانتخابات، والثاني متباطئ عملي مرتبط بمدى استعداد الأسد وموسكو لتقديم التنازلات ، وبين هذا وذاك يخفت صوت المعارضة السورية حتى لا يكاد يسمعه أحد .
محللة سياسية يونانية مختصة في شؤون الشرق الأوسط