د.عبد القادر نعناع
أظهرت الأشهر القليلة الفائتة (ما بعد التحرير)، حجم الحمولة الدينية التي يتم إدارة ملفات ما بعد الصراع بها، وأصبحت العملية معقدة نتيجة تحويل السياسي إلى ديني، وتحولت العملية السياسية ضد انقلاب الفلول إلى صراع سني-علوي، وكذا العملية السياسية ضد تمرد جماعات درزية، إلى صراع سني-درزي، تم ضخ الكثير من التجييش من أصحابه، ضغطاً على الهوية السورية. وهو ما يجعلنا نتنبأ باحتمال قيام صراع سني-سني في فترات لاحقة، على القاعدة السلفية الرافضة لأكثرية المسلمين السنة (الأشاعرة) باعتبارهم فرقة ضالة يجب هدايتها أو قمعها.
لن نختلف هنا على وظيفة الدين في تهيئة الفرد (دنيوياً وأخروياً) لصلاح دائم، لكننا في أمس الحاجة إلى فصل الدين عن رجال الدين، وهم بالطبع أشباه سياسيين يحاولون إضفاء طابع القدسية على نفوذهم ومصالحهم والتحريض على خصوهم السياسيين (رجالات الدين الآخرين)، وتقديم قرابين من دماء الشعوب لحماية هذه المصالح “المقدسة”.
تشهد دول ما بعد النزاع، الكثير من الاضطرابات على مستوى الهوية، لكن سيكون دائماً أشدها وأعنفها هو الاضطراب على مستوى الهوية الدينية، وإن كانت وظيفة السلطة هنا ضبط هذا النزاع ومنع عوامل بروزه، إلا أن هذه الوظيفة غائبة حتى الآن، ما يسمح بمزيد من تغذية عوامل النزاع الدينية.
لكن المهمة الأكبر، هي مهمة علماء الدين العقلاء (وهناك فرق بينهم وبين رجالات الدين) إلى جانب النخب الفكرية، لعقد مؤتمرات عديدة ومتكررة تنزع الخلاف وتقود إلى إعادة إنتاج هوية جامعة، فالخطاب السلفي/الأرثوذكسي/المتشدد، لدى كل الطوائف إنما هو خطاب حرب أهلية، وخصوصاً في ظل انشغال السلطة بتثبيت أركانها.