كتبه: م. محمد سيف الدولة
لا تحارب .. لا تقاتل .. لا تقاوم .. لا تعاند .. لا تتحدى .. لا تستقل .. لا ترفع رأسك ..لا تناصر فلسطين .. لا تعادى (اسرائيل).
• هذه هي الشعارات المقدسة لأكبر دين سيأسى في مصر، دين له كهنته وشيوخه واتباعه ومريديه مثل أي دين آخر، دين يقوم على الخوف والمذلة والخضوع والاستسلام.
• ويزاد نشاط انصاره مع كل عدوان صهيوني جديد على فلسطين، ولذلك نجدهم اليوم يروجون في كل وسائل الاعلام بضرورة ضبط النفس والحكمة والاعتدال وعدم اتخاذ قرارات او مواقف قد نندم عليها فيما بعد.
• ويقوم هذا الدين على الدعوة والتبشير والتحذير من تكرار ما حدث في ١٩٦٧، الذي يرجعون اسبابه الى العنترية وتحدي الامريكان وعداوة (اسرائيل) ورفض الاعتراف بشرعيتها ودعم فلسطين وحركات المقاومة وتوريط مصر في قيادة الامة العربية وتبني قضاياها والدفاع عن امنها القومي، وهو دور لا تقدر عليه ولا تستطيع ان تتحمل عواقبه.
• واول من بشر بهذا الدين كان هو موشى ديان، حين قال بعد عدوان 1956 لقد حاربنا مصر لحشر الجيش المصري داخل ارضه.
• لقد كان أنصار هذا الدين في البداية أقلية صغيرة تدعوا لدينها سرا وعلى حذّر، ثم انتقلت الى الظهور، ويا للعجب، بعد حرب 1973، ثم أسفرت عن وجهها القبيح مع مبادرة السلام 1977، ثم فَجَرَت في دعوتها بعد توقيع اتفاقيات كامب ديفيد 1978، ومن وقتها وهي تزداد فجورا يوما بعد يوم.
• ولقد أصبح هذا الدين للأسف الشديد هو الدين الرسمي للدولة المصرية منذ 45 عاما.
• ورئيس مصر وحكامها يجب أن يكونوا من أنصار هذا الدين، أو كما قال الدكتور/ مصطفى الفقي بوضوح عام 2010 (بأن رئيس مصر يجب ان توافق عليه الولايات المتحدة ولا تعترض عليه اسرائيل.)
• أعلنها السادات مؤسس هذا الدين في مصر حين قال في خطبته الشهيرة بعد الحرب مباشرة بانه لا يستطيع محاربة الولايات المتحدة. ثم طور هذا الموقف بعد شهور قليلة بقوله ان 99% من اوراق اللعبة في يد الامريكان.
• وقالها مبارك صراحة في لقائه ببعض قادة المعارضة الوطنية بعد اغتيال السادات، بان الغاء كامب ديفيد يعنى محاربة امريكا وانه لا يقدر على ذلك.
• ويقولها السيسي كثيرا، ومنها ما قاله في الندوة التثقيفية للقوات المسلحة المنعقدة يوم 28 / 4 / 2018 حين قاله محذرا:
((اوعوا حد يأخذ البلد للحالة التي كانت قائمة ايام 1967 …. الوجدان اتشكل على عداوة شديدة (لإسرائيل) واستعداد للقتال للآخر (حتى آخر مدى) …. مكانش فيه حد في المنطقة وفى مصر يقبل بمبادرة السلام ال الرئيس السادات طرحها…. مكانش حد كتير مؤمن بفكرة السلام ساعتها…. احنا بنتكلم (النهارده) بعد 50 سنة عندما تشكل وجدان جديد ووعى اخر وحالة جديدة في نفوس الناس هي حالة السلام والتشبث به))
……………………………
وقد يبدو للوهلة الاولى ان لهذا الدين السياسي وجاهته التي تؤكدها موازين القوى الاقليمية والدولية وتطوراتها على الارض في الخمسين عاما الماضية.
ولكن هذه نظرة سطحية لا تمت الى الحقيقة بصلة، فالخواتيم كشفت واثبتت بما لا يدع مجالا للشك، النتائج الكارثية التي ترتبت على جريمة الصلح مع (اسرائيل) وتوقيع اتفاقيات سلام معها والكف عن قتالها والانسحاب من ساحات المواجهة معها وبالانضواء في معسكر الاعداء المشهور باسم “الحظيرة الامريكية”:
• فها هي الدولة المصرية بكل مؤسساتها تقف عاجزة اليوم عن ايقاف وصد وردع المخطط الصهيوني الجاري على قدم وساق لتهجير أهالي غزة الى سيناء، تحت كرابيج القصف والابادة والتجويع والتعطيش، وذلك بعد ان قامت المعاهدة بتجريد ثلثي سيناء من القوات والسلاح الا بإذن (اسرائيل). لتصبح سيناء منقوصة السيادة ومرتعاً لكل انواع الجرائم والاختراقات والاعتداءات وسيناريوهات السيطرة والاستيطان الاسرائيلية.
• وسقطت مصر منذ السبعينات في تبعية عميقة ومركبة؛ عسكرية وامنية واقتصادية وسياسية واقليمية.
• وتعيش الدولة المصرية منذئذ “سلاما بالإكراه” لا تجرؤ ان تغضب امريكا او تقول لا لإسرائيل، ويبذل حكامها، طول الوقت، أقصى جهودهم لإثبات حسن النوايا للإسرائيليين والامريكان.
• وتحولت (اسرائيل) الى دولة اقليمية عظمى، واعترفت بشرعيتها عشرات الدول التي كانت تقاطعها من قبل. وأخذت تعربد في المنطقة كما تشاء، تضرب وتقصف وتغتال بلا حساب أو عقاب وتبتلع وتستوطن مزيد من الارض كل يوم، وتتربص بالمقدسات وتنتهكها وتسطو عليها.
• الى ان وصلت اليوم لارتكاب جرائم ابادة غير مسبوقة لآلاف الفلسطينيين امام أعين العالم، بلا ردع او عقاب او حساب.
• وسقطت كل اوهام السلام، بعد ان أطلق الامريكان رصاصة الرحمة على حل الدولتين واعترفوا بالقدس الموحدة عاصمة للكيان الصهيوني، وبدأ اليهود يقتحمون المسجد الأقصى يوميا وينفذون مخطط تقسيمه زمنيا.
• وانخرط العرب يحاربون ويقاتلون بعضهم بعضا في سلسلة من الحروب الاهلية والاقليمية التي لا تنتهي، بعد ان كفوا وجبنوا عن مقاتلة عدوهم الحقيقي.
• وسادت الطائفية والقبلية والمذهبية بعد ان سقطت قضايا ومعارك التحرر الوطني والقومي.
• وفى الحساب الختامي يكاد 7 مليون صهيوني ان يهزموا 450 مليون عربي.
• كل ذلك ولا يزال أنصار ديانة “كامب ديفيد” واخواتها، يغالطون ويضللون الناس ويدافعون عما تم من تنازلات ويطالبون بتنازلات جديدة وكله باسم الواقعية.
…………………………………………
ولقد كان هذا الدين يقتصر في بداية ظهوره على مصر وعدد قليل من الحكام العرب، اما اليوم فلقد أصبح هو الدين الرسمي لغالبية الدول العربية هي الأخرى، وكذلك للنظام الرسمي العربي وفى القلب منه جامعة الدول العربية.
وأنصار هذا الدين هم من أكثر الطوائف والجماعات استبدادا وعنفا وتطرفا في بلادنا، فلقد أخذوا يجبرون ويكرهون باقي الناس على الخضوع لدينهم بأدوات الردع والارهاب. وهم قادرون على ذلك بحكم احتلالهم لغالبية كراسي الحكم العربية، ويسومون كل من يرفض دينهم ويكفر به كافة صنوف العذاب.
وبالفعل اصبحت ملايين الشعوب العربية الكافرة “بدين” الهزيمة والاستسلام، محاصرين ومطاردين ومقيدين ومحظورين من المشاركة أو التأثير في الحياة السياسية والاعلامية والفكرية في مصر وغالبية الدول العربية الا ما رحم ربى.
اما أهالينا في فلسطين المحتلة، فهم الوحيدون اليوم الذين يكشفون بمقاومتهم المستمرة التي لم تتوقف لحظة، وشهدائهم الذين يرتقون كل يوم، زيف وبطلان هذا الدين الكريه، ويثبتون ان العدو من ورق وان القتال ممكن وواجب وأن التحرير قادم والنصر آت بإذن الله.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
محمد سيف الدولة