مع حلول الذكرى الثانية والعشرين لوفاة المفكر السياسي الدكتور جمال الأتاسي في ٣٠ / ٱذار / ٢٠٠٠ ، فإننا ننشر له ٱخر مقال سياسي تحليلي واشتشرافي للمتغيرات السياسية ، كتبه الدكتور جمال قبل وفاته بأقل من شهر واحد ، والمقال بعنوان : نحو رؤية للمتغيرات والتحديات السياسية في أبعادها الدولية والاقليمية والعربية .
الدكتور جمال الأتاسي
الجزء الثاني :
ثانيا : المتغيرات على المستوى الاقليمي ( دول الجوار ) :
وفي دول الجوار المحيطة بالوطن العربي والمؤثرة فيه حدثت تطورات هامة يجب التوقف عندها ، ففي تركيا أخذت الحركة الاسلامية الشعبية بالنمو ، وتمكنت من فرض وجودها السياسي عبر الانتصارات التي حققتها في الانتخابات النيابية المتلاحقة رغم ما تعرضت له من ملاحقات مستمرة من ضغوط وحصار من قبل المؤسسة العسكرية الحاكمة المتسترة بالعلمانية الأتاتوركية ( الغربية ) ، وتمكنت الحركة الإسلامية لأول مرة في تاريخ تركيا الحديث عن تشكيل حكومة ائتلافية بقيادتها ، ورغم سقوط تلك الحكومات تحت ضغط العسكر فإن الحركة الإسلامية لا تزال قوة أساسية يحسب حسابها في الحياة السياسية التركية ..
إن صعود هذا التيار القى بظلاله على العلاقات العربية – التركية ، حيث أبرز ضرورة الاهتمام بالبحث عن تدعيم العلاقات الاستراتيجية العربية – التركية على قاعدتي التاريخ والمصالح المشتركين ، كما دفع للرهان على إحداث تغيرات جوهرية في السياسة التركية تجاه الأمة العربية في المستقبل .
صعود التيار الإسلامي رافقه بالمقابل تعزيز توجه الطبقة العسكرية ومعها النخبة الاتاتوركية الحاكمة نحو تدعيم علاقاتها بالولايات المتحدة الأمريكية وبالكيان الصهيوني ووصلت هذه العلاقة إلى درجة إقامة حلف استراتيجي أمني وعسكري مع العدو الصهيوني يستهدف أمن سورية والعراق ، كما عملت تلك النخبة على إبراز دور تركي مؤثر في مشروع الشرق الاوسط الجديد كشريك للعدو الصهيوني . ومن أجل فرض الدور التركي في هذا النظام استغلت الطبقة التركية الحاكمة منابع المياه الدولية الموجودة في مناطق الأناضول والتي تتجه الى سورية والعراق وعملت على إقامة السدود على مجاري تلك الانهار دون الأخذ بعين الاعتبار بمصالح الدول التي تمر فيها ولا بالقرارات الدولية التي تنظم توزيع تلك المياه . ولتفرض عبر هذا السلاح المائي اشتراطاتها السياسية والأمنية .
وفي إيران ، مثل توقف الحرب العراقية – الإيرانية عام 1988 منعطفا هاما لاستعادة الآمال بتعزيز الحلف الإيراني – العربي ، في مواجهة الطاغوت الأكبر المتمثل بالولايات المتحدة الأمريكية وبالكيان الصهيوني ، وزاد من إيجابيات هذا الانعطاف توقف التصريحات المعلنة لبعض قادة الثورة الاسلامية – الايرانية في تصدير الثورة إلى الجوار العربي .
شكل هذا الانعطاف وموت قائد الثورة الإمام الخميني مدخلا لثورة إصلاحية بدأت بالظهور بعد عدة سنوات عبر بروز تيار إصلاحي عمل على الانتقال بإيران من مرحلة الثورة الى مرحلة بناء الدولة عبر التركيز على إجراء تحولات ديمقراطية ومعالجة المشاكل الحياتية اليومية وتمكن هذا التيار من إحداث إصلاحات مهمة عبر :
1- إحداث انعطافات ديمقراطية وتفعيل دور الشباب في دولة الثورة
2- الانفتاح على الدول العربية وإنهاء القطيعة مع معظم الدول العربية
3- الإقلاع النهائي على تصدير الثورة وعن ممارسة العنف الخارجي .
إلا ان الصراع بين التيارين الإصلاحي والمحافظ لم يحسم حتى اليوم بسبب طبيعة ازدواجية مركز القرار داخل مؤسسات الحكم ، كما أن بروز التيار الإصلاحي حمل معه صعود بعض القوى المتساهلة أو المرتبطة مع الغرب ومع ما كانت تسميه الثورة الإيرانية بالشيطان الأكبر . كما أن حدود ما حدث من إصلاح لم يصل الى حد احترام حقوق الأقليات القومية وخصوصا الأقلية العربية ، كما لم يوجد حلولا مقبولة لإنهاء احتلال الجزر الإماراتية .
وفي اثيوبيا واريتريا اللتان تحدان الجنوب السوداني التي تمكنت الدوائر الغربية من استغلال الأوضاع الاقتصادية المتردية لدفع هذه الدول للتدخل في الجنوب السوداني مستفيدة من حالة الفوضى والصراع الدائر هناك لتزيد من عمق الأزمة السودانية ولتتعمق أيضا أزمة القرن الإفريقي كله بما يخدم مصالح العدو الصهيوني .