29 يناير، 2023
نداء بوست- التحقيقات والمتابعات- كندة الأحمد
الكثير من اللقاءات والقليل من التقدم في مسار الاتفاقيات التي بقيت دون تطبيق فعلي، للقضية المتعلقة بأبرز الطرق الدولية في سورية، حيث تطفو على سطح الأحداث سلسلة من التصريحات حول خطة “روسية- تركية” لفتح طريق M4 “حلب –اللاذقية”، بعد عدة اتفاقات واجتماعات عقدها الجانبان التركي والروسي كان آخِرها اتفاق موسكو في عام 2020. لفتح طريق إستراتيجي يصل المنطقة الشمالية والشمالية الشرقية ببقية المناطق الغربية والجنوبية من سورية.
مفتاح التطبيع بين أنقرة ودمشق
يرى البعض أن أنقرة أرادت تسريع مَسار التطبيع بتطبيق خطوات ملموسة على الأرض لتكون مفتاح التقدم والتعاون مع نظام الأسد، لكن الإقدام على هذه الخطوة أثار مخاوف شعبية من تَبِعات فتح الطريق واحتمالية تقدُّم قوات النظام في حال سيطرت عليه بشكل مباشر كونه شرياناً اقتصادياً ومكسباً، وهو ما يفسر سعي النظام المستميت للسيطرة عليه، حيث يأمل، عَبْر الاستحواذ عليه، في إنعاش اقتصاده في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها مناطق سيطرته وسط عجز تامّ بمفاصل الدولة وفشل إدارته بتأمين الاحتياجات والأساسيات التي يفتقرها المواطن السوري.
طريق “M4” ضِمن اتفاق 5 آذار 2020
عمدت روسيا إلى تحويل انتصاراتها العسكرية إلى مكاسب سياسية وذلك بالعودة إلى اتفاق 5 آذار 2020 الذي نص على إنشاء ممرّ آمِن على طول الطريق الدولي بعمق 6 كيلومترات من الجنوب ومثلها من الشمال. كما نص على بَدْء تسيير دوريات مشتركة بين القوات الروسية والقوات التركية من بلدة الترنبة (غرب سراقب)، وصولاً إلى بلدة عين الحور (آخِر نقطة في إدلب من الغرب على تخوم ريف اللاذقية.
اتفاقية غير مُنفَّذة من الطرفين
لم تُنفَّذ اتفاقية “أستانا” ولم تلتزم الأطراف بتعهُّداتها السابقة في الاتفاقيات التي وقّعت عليها في موسكو مارس/ آذار 2020″. فيما يخص فتح طريق 4M وتحويل هيئة تحرير الشام في إدلب، إلى معارضة معتدلة لكن في المقابل روسيا أيضاً أضافت لمطالبها السابقة سيطرة كاملة لقوات النظام السوري بدلاً عن تسيير دوريات مشتركة بين روسيا وتركيا، خاصة أن مطالب الأسد تتمثل في “تسليم إدلب ومعبر باب الهوى لحكومة النظام ووضع طريق M4 الدولي تحت سيطرة دمشق بشكل كامل، والتعاون في القضاء على “الإرهاب” كما يصفه.
انتقل الحديث من ثنائي (تركيا-وروسيا) إلى ثلاثي (تركيا-روسيا-نظام الأسد) فيما يخص فتح الطريق الدولي الذي يُعتبر منفذاً للنظام لينعش اقتصاده المتهالك، وهذا ما أثار مخاوف السوريين عامةً في قضية ليست معدةً لمناقشتها.
ماذا لو فُتِح طريق M4؟
سيناريوهات عسكرية واقتصادية محتملة في حال تم فتح طريق M4 وهل هو تتمة لاتفاق 2020 أم أنه بوابة للتطبيع مع الأسد ستخلف وراءها معارك على كامل المناطق جنوب مدينة إدلب من سراقب حتى جسر الشغور إلى جبل الزاوية وشحشبو وأريحا وجبل الأربعين؟
يقول الباحث السياسي في مركز جسور للدراسات “رشيد حوراني” لـ “نداء بوست “: تتمثل أهمية فتح المعابر بين الطرفين سواءٌ كانت لدى المعارضة أو النظام السوري في أنها ورقة استطاعت الأطراف الفاعلة في الملفّ السوري أن تعمل على توليدها ووضعها على طاولة التفاوض مع الروس”.
وأضاف “حوراني” أن اتفاقية سوتشي أو أستانا نصت على أن يلتزم كِلا الطرفين بشروط متعلقة بتفكيك هيئة تحرير الشام وفتح المعابر الداخلية وطريق “إم 4” لكن حالت دون تنفيذها، واستطاعت أن تلتقط روسيا الأزمة الاقتصادية التي يعيش فيها النظام السوري وتعمل على إعلاء ورقة فتح المعابر وفتح طريق “حلب-اللاذقية” وقد يكون ذلك بغض نظر أمريكي أو توافُق مع الجانب التركي بحيث لا تتأثر تركيا بقانون قيصر وتُفرض عقوبات عليها”.
وبدوره أكد “حوراني” أنه في حال تم فتح المعبر قد تمثل هذه النقطة إنعاشاً اقتصادياً للنظام السوري ولو جزئياً، من خلال فتح الطريق وإدخال هذه المواد من الداخل التركي إلى المناطق المحررة ثم إلى مناطق النظام.
ونوّه “حوراني قائلاً: في الوقت ذاته تحافظ تركيا على القوى البشرية بصرف النظر عن تصنيف هيئة تحرير الشام كمنظمة إرهابية فتستطيع تركيا بهذه الحالة رفع هذه الورقة لفتح المعابر والاحتفاظ بالكتلة البشرية المعارضة للنظام، كما هو معلوم أيضاً هناك في الأوساط الدولية والإقليمية أصوات باتت تتداول فكرة أن هيئة تحرير الشام غالبيتهم من السوريين وبدأ يتم طرح سيناريوهات لتفكيكها ودمجها مع فصائل الجبهة الوطنية للتحرير.
كما أضاف “حوراني”: إن فتح المعابر ربما من الناحية العسكرية هو تقديم الدعم اللوجستي والخدمات العسكرية والتمويل ونقل وإسعاف الجرحى، بينما معبر أبو زندين هو متنفس للنظام السوري اقتصادياً فقط، لأن دخول السلع من الجانب التركي إلى مناطق النظام “تبادُل تجاري”.
تخوُّف من الاختراقات الأمنية
وبدوره أكد “حوراني” أن هناك تخوُّفاً من إدخال المساعدات الإنسانية من مناطق سيطرة النظام السوري إلى المناطق المحررة عَبْر خطوط التماسّ من خلال دخول الأرتال القادمة بسبب قدرة النظام السوري على الاختراقات الأمنية عَبْر سائقي الشاحنات والعاملين بها والقيام بعمليات تفجير وعمليات نوعية داخل المناطق المحررة، كما حدث سابقاً عندما قام النظام بتفجير مستودعات في مدينة سرمدا تم إفراغ حمولة المساعدات الأممية التي دخلت من مناطق سيطرته آنذاك وتبيَّن لاحقاً أن سائقي الشاحنات هم مَن قام بإعطاء إحداثيات لضرب المكان ولديه الخبرة الكافية في عملية تنفيذ الاختراقات “.
وبدوره يشير “حوراني” إلى أن السيناريوهات المحتملة المؤثرة من الناحية الاقتصادية تتمثل فيما يلي:
– الأول هو “فتح جزئي” والهدف منه إنعاش النظام عن طريق فتح “إم 4″ (حلب-اللاذقية) وتنشيط الحركة التجارية في المنطقة بسبب الاعتماد الكبير على البضائع التركية وافتقار مناطق سيطرة النظام للمعامل وأساسيات الإنتاج الصناعي والموارد الإنتاجية”.
– ويرى حوراني أن السيناريو الآخر هو استمرار الإغلاق التامّ للمعبر، ما لم تتحقق المطالب المتفَق عليها سابقاً كوقف عمليات القصف وتفكيك هيئة تحرير الشام ودمجها في صفوف المعارضة السورية.
دور هيئة تحرير الشام
وتعليقاً على مدى استجابة “هيئة تحرير الشام” علّق “حوراني” قائلاً: “نعم تستجيب هيئة تحرير الشام لتطبيق هذا الاتفاق بسبب قدرتها على المناورات وتستطيع بدورها أن تغير وضعها من وضع إلى آخر ويرجح ذلك لقدرتها الإدارية والمركزية والعسكرية”.
وختم “حوراني” قائلاً: “قد يكون هناك سعي لتحريك العملية السياسية، فهي فقط رسالة للنظام أنها “متنفس اقتصادي” ورأينا ذلك خلال زيارة وزير الخارجية التركي وردة الفعل الأمريكي تجاه النظام السوري وكان موقفاً جدياً حيال التقارب الأخير بين أنقرة ودمشق. مشيراً إلى أن القرار مرتبط بطاولة المفاوضات وهي الآن ورقة تفاوُض يتعلق تحقيقها بكل مطلب من مطالب الأطراف إلى الآخر سواء للجانب الروسي أو النظام وبالمقابل لتحقيق مطالب الجانب التركي”.
معبر أبو زندين
من جانب آخر يقول الناشط السياسي “همام عيسى” لـ “نداء بوست”: هناك أهمية إستراتيجية لمعبر أبو زندين فهو يربط بين مدينة الباب الخاضعة للمعارضة السورية وبين شرقي مدينة حلب الخاضعة لسيطرة النظام السوري، ويقع في الجهة الغربية لمدينة الباب بالقرب من قرية “الشماوية”، التي تخضع لسيطرة النظام كما يُعتبر المعبر الأول الذي افتُتح بين مناطق ريف حلب الشمالي والشرقي الخاضعة للإدارة التركية ومناطق النظام السوري.
معبر “ميزناز”
أما معبر “ميزناز- معارة النعسان” فيربط بين بلدة “معارة النعسان” بريف إدلب الشرقي الواقعة تحت نفوذ هيئة تحرير الشام وبلدة ميزناز غربي حلب.
وأضاف “عيسى” أن فتح المعابر سيشكّل متنفساً اقتصادياً للنظام السوري والسبب الأساسي هو المحاولة لكسر الحصار الاقتصادي الذي فرضه “قانون قيصر” ويريد النظام الاستفادة قدر الإمكان من خلال المعابر التي بدورها ستنعش الاقتصاد المنهار في سورية؛ لأن المعابر تُسهم في تحريك الاقتصاد ما بعد الحرب ما يُسهم بدوره في إدخال العملة الأجنبية إلى مناطق النظام من ريف حلب ومن مدينة إدلب”.
طريق”M4″ خطّ “إمداد “
وبدوره أكد “عيسى” خلال حديثه على أهمية طريق حلب اللاذقية قائلاً: “فتح هذا الطريق أمرٌ مهمٌّ للغاية لكل الأطراف المتواجدة في المنطقة؛ إذ يربط هذا الطريق منطقة الساحل بمدينة حلب أكبر المدن السورية، وبالمحافظات الواقعة شمال وشمال شرقي سورية.
كما يربط هذا الطريق بين طريق “دمشق – حلب إم 5” والطريق الساحلي “إم 1” الرابط بين مدن ومحافظات الساحل السوري الذي يمر بمحاذاة قاعدة “حميميم” العسكرية الروسية في ريف اللاذقية، وبالتالي فإن طريق “إم 4” يعد خطّ إمداد بين حلب واللاذقية لقوات النظام والقوات الروسية.
هيئة تحرير الشام الرابح الأكبر
كما أشار “عيسى” إلى أن هيئة تحرير الشام الرابح الأكبر من فتح المعابر؛ لأن مناطق المعارضة ستكون مجرد نقطة عبور للواردات التركية كما أن مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام قد تشهد انتعاشاً اقتصادياً بتدفُّق السلع والخدمات والعملة الصعبة عن طريق الضرائب والرسوم التي تفرضها على مرور المعابر، وسبق لهيئة تحرير الشام افتتاح معبر معارة النعسان التجاري، شمال شرق إدلب، مع النظام، في نيسان 2020, لكنها اُضطُرَّت إلى إغلاقه بعد يوم واحد من افتتاحه جراء ضغط شعبي في المنطقة.
وختم عيسى حديثه بقوله: “يتزامن الحديث عن افتتاح المعبر مع ترويج النظام لعودة النازحين إلى مدنهم وقُراهم القريبة من خط التماسّ كمدينة معرة النعمان وخان شيخون وكفر نبل وبالتالي يمهد لطيّ صفحة الحرب في المنطقة”.
وهكذا تُبدي روسيا رغبتها المستمرة بفكّ العزلة عن نظام الأسد بأقلّ الخسائر أمام تركيا، مستغلة بدورها التوقيت المناسب بعد أن عاد الحديث مؤخراً عن التقارُب التركي مع النظام السوري، فهل هي مؤشرات وتلميحات تدلّ على أنها خطوات تمهيدية لإعادة العلاقة التي انقطعت منذ أكثر من 12 عاماً، بضغوط تفرضها روسيا لتحويل المكاسب العسكرية إلى انتصارات سياسية لتفرض وجودها على الصعيد الإقليمي والدولي، بعد الحرب الأوكرانية التي استنزفت العمق العسكري الروسي، وسط عقوبات أوروبية مفروضة عليها، لم تخرج منها بالشكل الذي رسمه بوتين، لتعود مجدداً وتقوم بتحريك الملفّ السوري بما يتماشى مع مصالحها رغم موقف واشنطن الجادّ والواضح لتثبت للعالم أنها صاحبة القرار والمتحكِّم الوحيد في سورية.