نبيل السهلي – كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
“القدس العربي”
الأثنين , 20 مارس , 2023
قررت حكومة الاحتلال الصهيوني قبل عدة أيام، تشكيل لجنة وزارية خاصة بهدف تهويد منطقتي النقب الجليل، وستعمل على ما يسمى “تطوير” المنطقتين، كما وصفتها الحكومة الإسرائيلية، ويترأس اللجنة يتسحاق فاسرلاف من حزب القوة اليهودية الذي يتزعمه إيتامار بن غفير.
وتمّ اتخاذ القراربناءً على الاتفاقيات الموقعة بين الحزب المذكور والليكود، وستضم اللجنة ايضاً وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، وبن غفير بنفسه، وعددا آخر، ويهدف القرار السيطرة على مزيد المساحات في الداخل الفلسطيني والقيام بعملية إحلال ديموغرافي لليهود مكان العرب أصحاب الأرض الأصليين .
السيطرة على الأرض
ثمة ركائز لاستكمال حلقات المشروع الصهيوني في فلسطين تتمثل في السيطرة على الأرض وطرد الفلسطينيين منها، والقيام بعملية إحلال ديموغرافي يهودي فيها، والارتقاء بالاقتصاد كعامل جاذب لمهاجرين جدد من يهود العالم كمادة بشرية للدولة المارقة.
وفي هذا الإطار يندرج القرار الإسرائيلي الصادر أخيراً حول تهويد الجليل والنقب ، حيث تسعى إسرائيل إلى تهويد ما تبقى من أرض في حوزة الفلسطينيين في الداخل الفلسطيني.
واللافت أنه لا يمر يوم من دون أن تطالعنا وسائل الإعلام الإسرائيلية نبأ حول إصدار قانون عنصري فاشي لفرض يهودية دولة إسرائيل جنباً الى جنب مع زياد الضغوط الممنهجة لجعل حياة الفلسطيني هامشية في كافة مناحي الحياة، وقد اعتبرت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ عام 1948 مجرد وجود الفلسطينيين في أرضهم خطراً وجودياً على دولة الاحتلال واستمرارها كدولة أبارتايد، فانتهجت حيالهم استراتيجية استهدفت الاستمرار في الإرهاب والتمييز العنصري، لإجبارهم على الرحيل وإفراغ الأرض من أهلها وأصحابها الشرعيين، وتبعاً لذلك قام الجيش الإسرائيلي وقبله العصابات الصهيونية، الشتيرن والهاغانا وغيرهما من العصابات الصهيونية بارتكاب العديد من المجازر، كمجزرة اللد والرملة وكفر قاسم وقبية والطنطورة وبلد الشيخ، لطرد العرب خارج أرضهم. وتبعا لذلك أصدرت حكومة نتنياهو قبل أيام قراراً وخطة لتهويد منطقتي الجليل والنقب عبر مسميات التطوير .
محاولةً منها لتهويد ما تبقى من أراضٍ بحوزة فلسطينيي الداخل، وضعت دولة الاحتلال مخططات لتهويد الجليل وكسر التركز العربي فيها وذلك عبر مسميات مختلفة؛ في المقدمة منها ما يسمى مشروع تطوير منطقة الجليل، إضافة إلى ظهور مخططات لكسر التركز العربي في منطقة النقب التي تشكل مساحتها نحو خمسين في المائة من مساحة فلسطين التاريخية؛ ومن تلك المخططات مخطط «برافر»، الذي يسعى لمصادرة 800 ألف دونم؛ وتجميع عرب النقب البالغ عددهم خلال العام الجاري 2023 نحو 250 ألف فلسطيني في مساحة هي أقل من 100 ألف دونم، أي على أقل من واحد في المائة من مساحة صحراء النقب.
واللافت أنه خلال العقد الأخير أصدرت إسرائيل رزمة قوانين للسيطرة على مزيد من أراضي الفلسطينيين المتبقية بحوزتهم؛ ناهيك عن إصدار قوانين من شأنها تعزيز وترسيخ فكرة يهودية الدولة المارقة ؛ ومن أخطر تلك القوانين؛ قانون الجنسية وقانون النكبة الذي يحظر على فلسطينيي الداخل إحياء ذكرى نكبة الشعب الفلسطيني؛ فضلاً عن قوانين تمنع التزاوج بينهم وبين أقرانهم من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة؛ وذلك بغرض الحد من التواصل الديموغرافي والجغرافي؛ لكن الأخطر كان إصدار قانون المواطنة والولاء الذي يفرض على فلسطينيي الداخل الاعتراف من خلال قسم بيهودية دولة الاحتلال قبل الحصول على الجنسية الإسرائيلية.
وتكمن أخطار تلك القوانين والقرارات الإسرائيلية التي تسارعت وتيرة صدورها إبان حكومات نتنياهو المتعاقبة، ومن بينها القرار الصادر لتهويد الجليل والنقب بتداعياتها المستقبلية الخطيرة على وجود فلسطينيي الداخل وأرضهم في المقدمة من ذلك.
التحدي الأهم
وقد يكون التحدي الأهم الذي سيواجهه فلسطينيو الداخل، تلك السياسات الإسرائيلية الرامية إلى تشتيتهم كأقلية في وطنها الاصلي فلسطين وصولاً إلى طردهم في نهاية المطاف؛ ولهذا يتطلب الأمر محاولة الكشف عن المستور من تلك السياسات وأخطارها؛ بالاعتماد على خطاب فلسطيني موحد من قبل الفصائل والأحزاب، سواء في الداخل الفلسطيني أو الضفة الغربية وقطاع غزة باعتبار فلسطين وطنا واحدا لشعب واحد، له قضية واحدة وعادلة وانطلاقاً من أن مجرد استمرار وجود فلسطينيي الداخل في أرضهم هو رصيد ديموغرافي ووطني له دلالة مباشرة على الهوية العربية للأرض التي أقيمت عليها إسرائيل؛ وقد يكون ذلك الرد الحقيقي على مخططات إسرائيل وسياساتها الرامية إلى ترسيخ فكرة يهودية إسرائيل، عبر تهويد المكان سواء في القدس وفي الجليل والنقب والمثلث وفي أنحاء الوطن الفلسطيني .