علي بكر الحسيني
08 أيلول/سبتمبر 2025
في السابع من أيلول/سبتمبر 2025 انطلق أسطول الصمود العالمي من موانئ برشلونة وتونس وصقلية وباليرمو، متجهاً نحو قطاع غزة، في مبادرة غير مسبوقة من حيث المشاركة والتضامن والجرأة. لم يعد الأمر مجرّد محاولة رمزية لكسر الحصار، بل تحوّل إلى حركة عالمية واسعة تحمل على متنها برلمانيين وصحفيين وحقوقيين ومتضامنين من قارات عدة، يرفعون جميعاً صوتهم ضد الجريمة المستمرة منذ أكثر من سبعة عشر عاماً.
لقد أثبت هذا الأسطول أن غزة لم تعد وحدها في مواجهة آلة البطش الصهيونية. الحصار الذي حوّل حياة أكثر من مليوني إنسان إلى مأساة يومية، وقطع عنهم الماء والكهرباء والدواء، وأغلق أمامهم كل منافذ الحياة، لم يعد قضية فلسطينية محلية، بل صار قضية إنسانية وأخلاقية عالمية، يلتقي حولها العرب والمسلمون ومعهم أحرار العالم أجمع.
إنّ ما يجري اليوم يتجاوز حدود التضامن العاطفي، ليأخذ شكل فعل مقاومة سياسي وإنساني. فوجود برلمانيين أوروبيين على متن سفن الحرية ليس مجرد مشهد عابر، بل هو صرخة سياسية مدوّية في وجه الحكومات التي ما زالت تراوغ أو تبرر جرائم الاحتلال. وهو أيضاً إعلان بأنّ الضمير العالمي بدأ يتململ من ازدواجية المعايير، ولم يعد يقبل أن يُستباح دم الأطفال والنساء في غزة دون محاسبة.
إنّ «أسطول الصمود» يحمل في جوهره رسالة واضحة: غزة ليست وحدها، ولن تكون. إنها قضية كل إنسان حرّ يرفض الظلم والإبادة. وهي اختبار أخلاقي للعالم، يفضح التواطؤ والصمت، ويكشف عجز المؤسسات الدولية التي تتعامى عن واحدة من أبشع الجرائم في التاريخ الحديث.

من هنا، فإنّ مسؤوليتنا — كعرب ومسلمين أولاً، وكمؤمنين بقيم الحرية والعدالة ثانياً — أن نحول هذا الحراك العالمي إلى قوة ضغط متصاعدة: شعبية، وبرلمانية، وحقوقية، تفرض على الاحتلال الانصياع لقرارات الشرعية الدولية، وتوقف عدوانه فوراً. فالقضية لم تعد مجرد حصار على غزة، بل هي معركة حول أي مستقبل نريده للعالم: مستقبل القهر والهيمنة، أم مستقبل الحق والحرية والكرامة الإنسانية.
إنّ الدم الفلسطيني الذي يُسفك منذ عقود لن يُهزم، بل سيبقى شاهدًا على أنّ إرادة الشعوب أقوى من جيوش الاحتلال. وعندما يتوحّد العرب والمسلمون وأحرار العالم خلف هذه القضية، فإنّ الحقّ يتحوّل إلى قوة لا تُقهَر، وسدّ تتكسّر عليه كل مشاريع العدوان والاستعمار .