رأي القدس
“القدس العربي”:
الخميس , 11 أبريل , 2024
باشرت محكمة العدل الدولية جلسات استماع علنية في الدعوى التي رفعتها نيكاراغوا ضد ألمانيا بتهمة «تسهيل ارتكاب إبادة» بحق الفلسطينيين في غزة، وذلك من خلال دعم سياسي ودبلوماسي غير مشروط قدمته ألمانيا للحرب الإسرائيلية، تمثل أيضاً في زيادة بمعدل 10 أضعاف في مبيعات الأسلحة الألمانية إلى الجيش الإسرائيلي، بلغت قيمتها 326 مليون يورو عام 2023 وحتى خلال أشهر الحرب على القطاع، فباتت في المرتبة الثانية بعد الولايات المتحدة بين الدول المصدّرة للسلاح إلى دولة الاحتلال.
الجانب الثاني في دعوى نيكاراغوا يخص قرار الحكومة الألمانية وقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) مما يمسّ حياة مئات الآلاف من الأشخاص سواء داخل قطاع غزة أو في مواقع اللجوء والمخيمات الفلسطينية أينما تواجدت. وهذا رغم علم الحكومة الألمانية بأن وقف الدعم سوف يتسبب في مزيد من المعاناة للفلسطينيين المعرضين أصلاً لحصار إسرائيلي خانق وحرب وحشية.
وخلال مرافعة مفصلة وقعت في 43 صفحة، ساجل ممثل نيكاراغوا بأن ألمانيا انتهكت اتفاقية الإبادة الجماعية لعام 1948، وذلك بعد أن قضى قضاة محكمة العدل الدولية، تعقيباً على دعوى جنوب أفريقيا أواخر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أن من المحتمل أن تكون إسرائيل انتهكت بعض الحقوق المكفولة بموجب اتفاقية منع جريمة الإبادة. ومن المنطقي بالتالي أن ألمانيا «كانت تدرك جيداً على الأقل الخطر الكبير المتمثل في ارتكاب إبادة جماعية» في قطاع غزة.
ولم يخطئ مراقبون كثر حين اعتبروا أن دعوى نيكاراغوا تكتسب صفة تاريخية، قانونية وحقوقية ورمزية على حد سواء، خاصة وأنها تأتي بعد دعوى مماثلة رفعتها جنوب أفريقيا ضدّ دولة الاحتلال الإسرائيلي مباشرة. كما تتكامل معها في جانب أول يغطي نقاش جرائم الحرب الإسرائيلية وما إذا كانت تندرج بالفعل في تعريف الإبادة الجماعية، وفي جانب آخر يسلط أضواء إضافية على استهانة دولة الاحتلال بروح القانون الدولي وبأحكامه أيضاً.
ثمة إلى هذا بُعد ثانٍ شديد الأهمية يتصل بوضع صناعة السلاح وتسليح حروب الإبادة أمام محك القضاء، حيث تمتزج التجارة والأرباح بانتهاك القوانين الدولية والتفريط بأرواح الملايين. وهذه كانت فحوى مرافعة نيكاراغوا لجهة فضح المزاعم الألمانية بأن دعم دولة الاحتلال ينطلق من أسباب «وجودية» ذات صلة بعقدة الذنب والهولوكوست، لأن تصدير أسلحة بمئات الملايين يخدم «البزنس» في المقام الأول. وغير خافية اتفاقيات التعاون التي أبرمتها شركات ألمانية مع الاحتلال لتطوير منظومات المدفعية الآلية والمسيرات، وهذه وسواها تتمتع تلقائياً بدعم مالي من الحكومة الألمانية.
لا يخفى، في بعد ثالث، أن قسطاً غير قليل من المغزى التاريخي لدعوى نيكاراغوا أمام محكمة العدل الدولية تعبّر عنه مبادرة شجاعة من دولة كبرى تقع في أمريكا الوسطى وتنتمي إلى مجموعة جنوب العالم، ضد دولة كبرى في شمال العالم وأوروبا الغربية يحدث أيضاً أنها حاملة إرث أخلاقي ثقيل لا يقتصر على خوض حربين عالميتين فقط، بل يمتد أيضاً إلى إطلاق النازية واقتراف الهولوكوست.