سكاي نيوز عربية – أبوظبي
الثلاثاء 26 مارس 2024
عقوبات أميركية على النفط الروسي © Reuters
تصعد الولايات المتحدة الأميركية وحلفاؤها محاولاتهم أخيراً؛ للضغط على روسيا وخنق اقتصادها، من خلال سد الثغرات التي اعتمدت عليها موسكو منذ بدء الحرب في أوكرانيا في 24 من فبراير 2022، وفرض عقوبات اقتصادية ضدها تستهدف استنزاف خزائنها والحد من تمويلها الحرب ضد أوكرانيا.
وفي هذا الإطار، فإن عديداً من البنوك العالمية التي ساعدت روسيا على التحايل على العقوبات الغربية “تدير الآن ظهورها لموسكو مع زيادة الولايات المتحدة ضغوطها للامتثال”، وفق تقرير لموقع بيزنس انسايدر.
كما ذكر تقرير لصحيفة وول ستريت جورنال، أن المؤسسات المالية في بعض البلدان من بينها تركيا والنمسا تبتعد عن الأعمال التجارية الروسية، خوفًا من تعرضها لخطر العقاب من واشنطن.
وفي ديسمبرالماضي، منح أمر تنفيذي وزارة الخزانة الأميركية سلطة فرض عقوبات أوسع، مما مكنها من ملاحقة البنوك الأجنبية التي سهلت المعاملات مع روسيا. وإذا تم استهداف هذه المؤسسات فقد تفقد القدرة على الوصول إلى البنوك الأميركية المراسلة ، والتي تعمل بمثابة العمود الفقري للتمويل العالمي.
وبعد أشهر، قال نائب وزير الخزانة، والي أدييمو، إن التهديد بفرض عقوبات ثانوية أثبت نجاحه ، مع انخفاض ملحوظ في التدفقات المالية بين موسكو وبنوك الشرق الأوسط.
تعرضت المؤسسات التركية لضغوط، مما تسبب في مواجهة المصدرين في البلاد صعوبات في الدفع مع انقطاع التدفقات المالية. وانخفضت الصادرات إلى روسيا بنسبة 33 بالمئة عن العام السابق، حسبما ذكرت الصحيفة.
وبينما حافظت تركيا وروسيا على علاقات قوية، أدت العقوبات الأميركية إلى تدهور الشراكة التجارية بين البلدين. وفي أوائل شهر مارس، اختارت محطة نفط تركية رئيسية وقف الواردات الروسية ، مستشهدة بضغوط العقوبات.
كما تم تنبيه البنوك النمساوية من قبل وزارة الخزانة. وقد حافظت إحدى المؤسسات، وهي بنك رايفايزن الدولي، على وجودها في روسيا، حيث أثبتت محاولاتها للخروج من البلاد صعوبة.
استراتيجية روسية لمواجهة العقوبات
في هذا الصدد، استبعد الخبير المتخصص في العلاقات الدولية، أيمن سمير، في تصريحاته لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن يكون لمثل تلك الخطوات تأثير على الفرص والثغرات التي يمكن أن تستخدمها روسيا للحصول على النقد الأجنبي وبيع المنتجات الروسية وشراء ما تحتاجه سواء للوازم مدنية أو عسكرية.
وأوضح أنه بعد مرور أكثر من عامين على الحرب في أوكرانيا، إلا أن الاقتصاد الروسي ينمو بوتيرة أكثر من أي اقتصاد أوروبي، ومن المتوقع أن يصبح خلال فترة وجيزة هو الاقتصاد الأكبر أوروبيا، ويصل لأن يكون الخامس عالمياً.
سجل الاقتصاد الروسي نموا اقتصاديا هو الأعلى خلال العقد الماضي، بتسجيل الناتج المحلي الإجمالي نموا بنسبة 3.6 بالمئة خلال العام 2023، بحسب وزارة التنمية الاقتصادية الروسية.
وأكد أن “خسارة روسيا إمكانية الوصول إلى البنوك في دولة أو اثنتين لن يكون مؤثرًا، لأن موسكو استخدمت استراتيجية اقتصادية منذ بداية الحرب أسهمت في جعل الاقتصاد الروسي أكثر مرونة وحيوية وأكثر قدرة على تلقي الصدمات بل والاستفادة منها”.
واستعرض بعض الأسس التي اعتمدتها روسيا في تلك الاستراتيجية، ومنها:
بيع منتجات الطاقة بسعر أقل من سعرها العالمي، حيث تقدم حوالي 30 بالمئة خصماً على الغاز والنفط مقارنة بالسوق العالمية.
روسيا استفادت من علاقاتها السياسية مع عالم الجنوب وتحديداً الدول الآسيوية والإفريقية ودول أميركا اللاتينية، لذلك مع العقوبات الغربية والأميركية استطاعت أن تعمق علاقتها الاقتصادية مع الصين والهند وتلك الدول.
على سبيل المثال روسيا الآن تبيع جزءاً كبيراً من الغاز الذي كان يباع إلى أوروبا عبر خطي يامال ونورد ستريم 1، إلى الهند والصين.
كما ارتفعت أيضا التجارة بين روسيا والصين لأكثر من 200 مليار دولار في حين مع بداية الحرب في أوكرانيا كان حجم التجارة بين البلدين حوالي 115 مليار دولار فقط أي بزيادة أكثر من 85 مليار دولار في الميزان التجاري الروسي الصيني.
روسيا بدأت توظف المشاكل الاقتصادية وتحويلها إلى تحديات وفرص، على سبيل المثال الصناعات المحلية الروسية زادت بنسبة كبيرة، وبالتالي الاكتفاء الذاتي زادت نسبته في العاميين الماضيين، وهو ما أدى في نهاية المطاف إلى تقليل الاستيراد من الخارج.
قدرة روسيا على تحويل بعض الصناعات المدنية والاستفادة منها في الصناعات العسكرية، ما أدى إلى عدم شعور روسيا بأنها في أزمة تتعلق بالسلاح والذخيرة.
استطاعت روسيا أن تطور القطاع الصناعي العسكري بشكل كبير، بالعمل فيه -ليل نهار- وزيادة عدد المنتسبين له لأكثر من 150 ألفاً بعد الحرب، بالإضافة لتوفيره فرص عمل كبيرة برواتب عالية، ومساعدة روسيا في تحقيق ما تحتاج له من سلاح وذخيرة وبيع بعض المنتجات لدول أخرى.
قدرة روسيا على خلق البدائل فيما يتعلق بالجهاز المصرفي، في وقت حاولت فيه الدول الأخرى فصل نظام السويفت الغربي عن الاقتصاد الروسي، لكن استطاعت روسيا من خلال الصناعة الاستراتيجية أن توفر نظاماً مصرفياً بديلاً روسي يستطيع التعامل مع كل هذه المشاكل.
استطاعت روسيا أن تُدخل العملات الوطنية في التبادل التجارية بينها وبين كل دول العالم، على سبيل المثال كان الدولار يشكل أكثر من 72 بالمئة من تجارة روسيا مع الخارج، وبعد الحرب في أوكرانيا والعقوبات الغربية على موسكو تراجعت هذه النسبة.
وبيّن الخبير المتخصص في العلاقات الدولية، أن الولايات المتحدة الأميركية تخوض عبر مجموعة من أدوات التضييق على روسيا، وأي شخص أو شركة تتهرب من تلك العقوبات ربما يتم إدراجها في المستقبل ضمن لائحة العقوبات الأميركية.
سيناريو فشل مواجهة العقوبات
ونوه إلى أن أبرز طريقة في معاقبة روسيا والصين فيما يتعلق بالعقوبات الاقتصادية هو محاولة أميركا والحلفاء الغربيين عسكرة البحر الأحمر، ما يتيح لها مراقبة الصادرات التجارية الروسية التي تذهب من الموانئ الشمالية إلى الصين وتمر عبر قناة السويس والبحر الأحمر، وفي نفس الوقت مراقبة الصادرات الصينية إلى الغرب.
كما أكد خبير العلاقات الدولية، أن روسيا أصبحت لديها خبرة كبيرة في التعامل مع العقوبات وخلق أسواق وزبائن جدد لمنتجاتها من ناحية وأيضا شراء ما تحتاجه آلة الحرب في أوكرانيا أو القطاع المدني في الاقتصاد الروسي، والتي تقوم على مجموعة من الأدوات منها:
تقديم خصم (تخفيضات) على الصادرات الروسية
الشراء عبر وسطاء وطرف ثالث، فكثير من المشتريات الروسية التي يفرض الغرب حصاراً عليها بشأنها، تشتريها عبر وسطاء من الصين أو الهند وإيران.
الترويج إلى أنها عقوبات غير شرعية أو قانونية، خاصة وأنها لم تصدر من قبل مجلس الأمن بينما صدرت من أميركا والاتحاد الأوروبي وحلف الناتو والدول الكبرى السبع، لذا كثير من الدول لا تعتمدها وتتعامل معها من منطلق أنها عقوبات مسيسة ولها دوافع تتعلق بالمنافسة بين الولايات المتحدة وروسيا.
وأكد أن فرص فشل روسيا في التعامل مع العقوبات ضعيفة، لكنها إذا فشلت في التعامل مع هذه العقوبات الجديدة ونجحت الحزم الجديدة من العقوبات على الاقتصاد الروسي سيؤدي إلى سيناريو قاتم، وهو: رفع معدلات التضخم، كما سيرتفع سعر الدولار أمام الروبل الروسي وتكلفة الحياة على الروس.
وأضاف: “ربما الولايات المتحدة تأمل من كل ذلك أن ينقلب الروس على الحكومة الروسية والرئيس الروسي ليؤدي هذا الأمر إلى خلق رأي عام ضاغط على الحكومة الروسية لوقف الحرب في أوكرانيا والدخول إلى حالة سلام استماعا لصوت المواطن في الداخل نتيجة للأزمة الاقتصادية”.
كان معدل التضخم تسارع في روسيا في فبراير ليبلغ 7.7 بالمئة على أساس سنوي، وفق الأرقام الصادرة عن وكالة الإحصاء الوطنية “روستات”، بينما يستهدف البنك المركزي وصوله 4 بالمئة.
وفي الشهر الماضي أعلنت الولايات المتحدة فرض عقوبات جديدة على روسيا تستهدف أكثر من 500 كيان مرتبط “بداعميها وآلتها الحربية”، وفق ما صرحت متحدثة باسم وزارة الخزانة الأميركية لوكالة فرانس برس.
قالت المتحدثة “ستكون هذه أكبر حزمة منذ بدء غزو (الرئيس الروسي فلاديمير) بوتين لأوكرانيا”، مؤكدة أن العقوبات ستتخذها كل من وزارتي الخزانة والخارجية.
تداعيات الضغوطات الأميركية الأخيرة
فيما أوضح مؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، رضوان قاسم، في تصريحات خاصة لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية”، أن الدافع الأميركي وراء تلك الحزمة الجديدة من العقوبات هو أن واشنطن أصبحت في مأزق كبير وتواجه أزمات اقتصادية داخلية وأخرى في علاقاتها الخارجية سواء مع الدول الأوروبية أو الصين أو روسيا أو بعض الدول التي تعيد العلاقات مع روسيا بطريقة ليست مناسبة مع الإدارة الأميركية.
وأشار إلى أنه على سبيل المثال بفعل العقوبات ضد روسيا فإن العلاقات الأميركية تراجعت مع دول مجموعة البريكس خاصة المنضمة حديثا، ودول أخرى أصبحت علاقاتها جيدة مع روسيا خاصة على الصعيد الاقتصادي والتبادل التجاري، منها الإمارات والمملكة العربية السعودية وتركيا.
وقال إن وزارة الخزانة الأميركية زادت أخيراً من ضغوطاتها وحصارها على بعض البنوك التي تربطها علاقات تجارية مع روسيا، موضحا تداعيات ذلك:
أميركا ودول الاتحاد الأوروبي وجدت نفسها فشلت في فرض العقوبات على روسيا، تلك العقوبات التي تعتبر فريدة من نوعها من حيث العدد والنوعية، فلم يسبق في تاريخ الاقتصاد الدولي أن تفرض أميركا والدول الأوروبية مثلها، بل كانت الأكثر قسوة وعدداً لجعل الحصار الاقتصادي على روسيا يدمر اقتصادها ويجعلها تستسلم لها، بل تذهب لمرحلة الانهيار الاقتصادي بالكامل.
بدء الكثير من الدول التخلي عن الدولار الأميركي في معاملاتها التجارية مع روسيا مثل الصين وإيران، فبدلا من أن يكون التعامل بالدولار يكون بالعملات المحلية أو اليوان أو الروبل.
روسيا الآن الأولى اقتصاديا تتفوق على أوروبا والخامسة على الصعيد الدولي.
رأينا مشروعا روسيا صينيا بدلا من منظومة سويفت الأميركية وهو منظومة مير الروسية الصينية المصرفية، وبحث تطوير التعاملات بينهما بدخول بعض الدول الأخرى منها إيران، مما يجعل المزيد من الصعوبات أمام العقوبات والضغوطات الأميركية.
وأكد مؤسس مركز بروجن للدراسات الاستراتيجية والعلاقات الدولية، أن كل هذه العقوبات الأميركية سواء كانت مع البنوك أو الدول على الصعيد الاقتصادي والتجاري، لن يكون له تأثير كبير على الاقتصاد الروسي، لافتا إلى أن الدول الأوروبية والصناعية السبع هي التي تأثرت من تلك العقوبات بتراجع اقتصادها فيما تتقدم روسيا.
وتصور أن الوضع الاقتصادي لروسيا بات أسهل مما كان في بداية الحرب، خاصة وأن كثيراً من الدول لا يمكنها أن تستغني عن الغاز والقمح الروسي الذي تتصدر إنتاجهما، ما جعل اقتصادها قوي لا يتأثر بالعقوبات.
وتوقع أن تظل الأمور كما هي ما بين صعود وهبوط من قبل وزارة الخزانة الأميركية بفرض عقوبات على بنك وغيره أو ضغوطات على كل من له علاقات مع روسيا بين الحين والآخر.
كما توقع أن يتغير المشهد هما هو عليها اليوم خاصة مع وصول المرشح للانتخابات الرئاسية الأميركية الرئيس السابق دونالد ترامب لسدة الحكم بأميركا، ليكون مشهدا مختلفا في التعامل مع روسيا.