دمشق -محمد أمين
إسطنبول -جابر عمر
العربي الجديد
04 ابريل 2025
جنود إسرائيليون في الجولان السوري المحتل، 27 فبراير 2025 (جلاء مرعي/فرانس برس)
تحول تعزيز الوجود العسكري التركي في سورية، إلى أولوية لأنقرة، وذلك بعد التحولات التي تلت سقوط نظام بشار الأسد في الثامن من ديمبر/كانون الأول الماضي، خصوصاً مع تزايد الاعتداءات الإسرائيلية، بفعل خشية حكومة بنيامين نتنياهو نفوذاً تركياً يقوّض مساعيها في الحصول على مكاسب استراتيجية في جنوب سورية. وفي سياق تعزيز الوجود العسكري التركي في سورية، كشفت مصادر تركية رسمية لـ”العربي الجديد”، أن هناك تفاهمات بين أنقرة والإدارة السورية الجديدة على إنشاء قواعد عسكرية تركية في سورية، من بينها قاعدة في مطار تي فور، وقاعدة في مطار منغ، موضحة أنه في الوقت الحالي هناك وجود عسكري في مطار منغ، فيما العمل مستمر حاليا بالنسبة لمطار تي فور. وكان موقع “ميدل إيست آي”، قد ذكر الثلاثاء الماضي، أن تركيا بصدد بناء قاعدة دفاع جوي بمطار “تي فور” العسكري في ريف حمص الشرقي بقلب البادية السورية، بهدف ضرب تنظيم “داعش” وردع الهجمات الجوية الإسرائيلية على سورية، بحسب مصادر وصفها الموقع بـ “المطلعة” التي أكدت أن خطط البناء للموقع قيد التنفيذ. وقال وزير الخارجية الإسرائيلي جدعون ساعر، أمس الخميس، إن إسرائيل قلقة من “الدور السلبي” الذي “تلعبه تركيا في سورية ولبنان ومناطق أخرى”، مضيفاً خلال مؤتمر صحافي في باريس: “يبذلون قصارى جهدهم لجعل سورية محمية تركية. من الواضح أن هذه هي نيتهم”.
انزعاج إسرائيلي من الوجود العسكري التركي
هشام غوناي: النفوذ التركي في سورية لن يؤدي إلى صدام عسكري مع إسرائيل
ويأتي ذلك في ظل تمادي الاحتلال الإسرائيلي في الآونة الأخيرة في الاعتداءات، خصوصاً على الجنوب السوري مستغلاً عدم قدرة دمشق على المواجهة العسكرية بسبب اختلال ميزان القوة لصالح تل أبيب. وشنت طائرات الاحتلال، ليل الأربعاء ـ الخميس، سلسلة غارات جوية مكثفة استهدفت مواقع عسكرية في وسط وجنوب سورية، أبرزها مطار حماة العسكري ومطار تي فور. ولا يملك الجيش السوري القدرة على تقويض القدرة الإسرائيلية على مواصلة القصف الجوي لأهداف عسكرية في أغلب المناطق السورية. وعبّرت تل أبيب بشكل واضح عن انزعاجها من الوجود العسكري التركي في سورية، ووجّه وزير الأمن الإسرائيلي يسرائيل كاتس في بيان أمس رسالة إلى الرئيس السوري أحمد الشرع، مفادها “إذا سمحت لقوات معادية لإسرائيل بالدخول إلى سورية وتهديد المصالح الأمنية الإسرائيلية، ستدفع ثمناً باهظاً”. وأضاف: “نشاط سلاح الجو الإسرائيلي بالأمس (الخميس)، ضد المطارات في تي فور، وحماة، ومنطقة دمشق، هو رسالة واضحة وتحذير للمستقبل، بأننا لن نسمح بالإضرار بأمن دولة إسرائيل”.
في السياق، ذكرت صحيفة معاريف عبر موقعها الإلكتروني أمس الخميس، أن القوات الجوية الإسرائيلية، تحرّكت في الأيام الأخيرة، “لإحباط محاولة فورية من قبل الجيش التركي للحصول على موطئ قدم داخل سورية بقوات كبيرة من أسراب سلاح الجو التركي. وفي ضربة خاطفة، بقيادة قائد سلاح الجو الاسرائيلي اللواء تومر بار، قامت القوة بقصف مطارين في الأيام الأخيرة، كان يستخدمهما الجيش السوري في عهد نظام بشار الأسد. وهما مطارا تدمر وتي فور”. ودمّر سلاح الجو كلا المطارين، فيما نقلت الصحيفة عن مصدر عسكري إسرائيلي لم تسمّه، قوله إنه “لم يبق فيهما أي بناء قائم. استهدفنا الطائرات، وأنظمة الرادار، وأبراج المراقبة، ومواقف السيارات وجميع مدارج الطائرات وجميع المباني والمستودعات. ببساطة لقد دمّرنا المطارين”. وجاء هذا الاستهداف، وفقاً لـ”معاريف”، بعد إدراك إسرائيل، أنه إلى جانب محاولات الأتراك تسليح الجيش السوري وإعادة تأهيله، فإن لديهم “خططاً إمبريالية”، وفق المزاعم الإسرائيلية، لتجديد السيطرة على سورية وتحويلها إلى دولة تحت وصاية تركية مع وجود عسكري دائم.
تحذير إسرائيلي
آلية عسكرية إسرائيلية قرب نقطة للأمم المتحدة بالقنيطرة، 2 مارس 2025 (جلاء مرعي/فرانس برس)
“هآرتس”: أذربيجان تحاول منع تصادم بين إسرائيل وتركيا في سورية
وكانت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية قد نقلت في وقت سابق عن مصدر أمني إسرائيلي تحذيره من أن إقامة قاعدة جوية في سياق تعزيز الوجود العسكري التركي في سورية، قد تمثل “تهديداً محتملاً” يؤثر على حرية العمليات العسكرية الإسرائيلية في المنطقة. وبحسب الصحيفة، أجرت القيادة السياسية والأمنية الإسرائيلية، خلال الأسابيع الماضية، عدة مناقشات تتعلق بمخاوف من تعمق التدخل التركي في سورية. واستغلت إسرائيل الأوضاع التي تمر بها سورية منذ سقوط نظام الأسد، لتدمّر أغلب المقدرات العسكرية للبلاد التي خلّفها هذا النظام الذي حافظ على هدوء الجبهة مع إسرائيل طيلة 50 عاماً. واحتلت إسرائيل أراضي سورية جديدة أبرزها أعلى قمة في جبل الشيخ، وأقامت نقاط تمركز تنطلق منها مجموعات قتالية تتوغل في أرياف القنيطرة ودرعا. ورأى المحلل خالد خليل، في حديث مع “العربي الجديد”، أن “تل أبيب بلا ريب قلقة من النفوذ التركي في سورية، فهو يقوّض تفوقها العسكري النوعي في المنطقة”، مضيفاً: “تل أبيب لها تاريخ من التدخل العسكري في سورية لمنع التمدد الإيراني، لذا لديها خشية من تمدد تركي يحد من حرية تحركها”. ولكن خليل يستبعد أي صدام عسكري تركي إسرائيلي في سورية، معرباً عن اعتقاده أن الطرفين “قادران على إيجاد الطرق المناسبة لعقد تفاهمات برعاية روسية أميركية تحول دون أي صدام”.
وتعليقاً على الأنباء المتداولة عن اعتزام أنقرة إنشاء قاعدة متقدمة في عمق الجغرافيا السورية، رأى المحلل السياسي التركي هشام غوناي، في حديث مع “العربي الجديد”، أن من مصلحة أنقرة تعزيز الوجود العسكري التركي في الجغرافيا السورية لـ”تضع حداً لأي تهديد على أمنها القومي قادم من سورية وخصوصاً من تنظيمات كردية”، مضيفاً: “تركيا تريد تقوية الروابط بينها وبين الإدارة السورية الجديدة من خلال هذه الخطوة”. وتابع: “من المهم لهذه الإدارة استمرار الدعم التركي لها كي تتمكن من بسط السيطرة على كامل البلاد. تركيا داعم إقليمي مهم لهذه الإدارة وخصوصاً أنها عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) فضلاً علاقاتها مع دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة”. بيد أن غوناي رأى أن النفوذ التركي في سورية “لن يؤدي إلى صدام عسكري مع تل أبيب”، معرباً عن اعتقاده أن هذا النفوذ “لا يتقاطع مع المصالح الإسرائيلية”، مضيفاً: لا أتوقع معارضة من تل أبيب لإنشاء القاعدة التركية في ريف حمص، رغم أنها تعزز الوجود العسكري التركي في سورية.
تعاون دمشق وأنقرة
مصطفى فرحات: أنقرة تعتبر حدودها مع سورية خاصرة رخوة ومصدر تهديد لأمنها
في السياق، بيّن المحلل العسكري العميد مصطفى فرحات، في حديث مع “العربي الجديد”، أن التعاون العسكري بين الإدارة السورية الجديدة والجانب التركي “ليس وليد الساعة”، مشيراً إلى أن أنقرة تعتبر حدودها مع سورية “خاصرة رخوة ومصدر تهديد لأمنها”، مضيفاً: هناك مصالح مشتركة هائلة بين تركيا وسورية حالياً. وتابع: دمشق لها مصلحة في تعزيز التحالف مع أنقرة من خلال التوقيع على اتفاقية دفاع مشترك للحد من الاعتداءات الإسرائيلية، خصوصاً أن سورية منهكة إلى حد بعيد لا سيما على الصعيد العسكري بعد تدمير الطيران الإسرائيلي لأغلب القدرات العسكرية السورية بعد سقوط الأسد مباشرة. وبيّن أن مطار تي فور “له أهمية كبيرة من الناحية العسكرية”، مضيفاً: كان المطار يضم قاذفات ذات أهمية فائقة دمّرتها إسرائيل بعد سقوط الأسد، فضلاً عن الصواريخ بعيدة ومتوسطة المدى.
وأوضح فرحات أن “القاذفات بإمكانها الوصول من المطار إلى الأراضي المحتلة بسهولة وقصف أهداف داخل الكيان الصهيوني”، مضيفاً: إنشاء قاعدة تركية في مطار تي فور مهم جداً لسورية، فالمصالح مشتركة. وأشار إلى أن وقوف الجانب التركي مع الإدارة السورية الجديدة “يساعدها في مواجهة التحديات”، مشيراً إلى أنه “من الممكن نشوب صراع مع قوات سوريا الديمقراطية (قسد) في حال رفضها الدخول في المنظومة العسكرية للبلاد، لذا الدعم التركي مطلوب لمواجهة هذا التحدي”. كما أوضح فرحات أن الجانب التركي سينشر أنظمة دفاع جوي في القاعدة التي يعتزم إنشاءها في ريف حمص الشرقي، مضيفاً: “هذه الخطوة من شأنها منع طيران الكيان الصهيوني من التحليق بحرية في الأجواء السورية. هناك ضرورة لنسج علاقات تحالف إقليمية وأرى أن تركيا هي الأفضل، خصوصاً أنها عضو في ناتو وتربطها علاقات جيدة مع الولايات المتحدة في الوقت الراهن، وهذا يساعد على لجم العنجهية الإسرائيلية في سورية”. ويقع مطار تي فور، واسمه الحقيقي طياس، على بعد 60 كيلومتراً شرقي مدينة تدمر، ويعد من أكبر المطارات السورية لجهة المساحة، فضلاً عن تمتعه بموقع جغرافي استراتيجي لقربه من الحدود السورية مع كل من: العراق، والأردن، وهضبة الجولان المحتلة، ولبنان، فهو يتوسط البلاد. ولطالما تعرض المطار لقصف من الطيران الإسرائيلي في المرحلة التي سبقت سقوط نظام الأسد، بسبب تحوّل المطار لقاعدة للمليشيات الإيرانية خلال سنوات الحرب في سورية بين عامي 2011 و2024.