علي محمد فخرو
بوابة الشروق
الأربعاء 24 مايو 2023
متى سيدرك العرب، بما فيهم مؤسسات القمة العربية والجامعة العربية والتعاون الإسلامى، بأن الفاجعة الجديدة فى القطر السودانى ليست إلا خرزة فى مسبحة سايكس – بيكو القديمة ومسبحة مدرسة الصهيونى برنارد لويس الحديثة؟ وهى مسبحة تشويه ثم محو مكونى العروبة والإسلام كتمهيد للاستمرار فى عملية تقسيم الوطن العربى كله إلى دويلات وجماعات متناثرة ضعيفة متخلفة وخارج العصر.
الهدف هو الهوية والوحدة، وقد جاء دور السودان الذى تتهيأ فيه الظروف شيئا فشيئا، والذى تقول بعض الدوائر الأمريكية بأنها ستعمل على تحققه بصورة تدريجية خلال الخمس عشرة سنة القادمة.
تفاصيل سبل وطرائق تحقيق ذلك فصلها الصهيونى برنارد لويس منذ سنوات فى برنامج استراتيجى ناقشه الكونجرس الأمريكى فى جلسة سرية ووافق على أن يكون أساسا وموجها لدوائر الحكم الأمريكية فى تعاملها مع الأقطار العربية المفصلية. ومن قبل ذلك وضعها فى الخمسينيات من القرن الماضى الصهيونى بن جوريون كجزء من السياسة الخارجية للكيان الصهيونى.
وما على الإنسان إلا أن يراجع ما فعلته أمريكا، تحت غطاء كل أنواع الكذب والإفساد والخيانة، بالعراق وسوريا وليبيا، كأمثلة، من تدمير مادى واستباحة للثروات واستنفار لشتى الخيانات وإثارة لكل النعرات التى وضعها وطالب بإثارتها واستعمالها برنارد لويس، حتى يدرك حجم المآسى التى تنتظر شعب السودان، وعلى الأخص قوى الثورة والوطنية فيه.
وإذن فالموضوع السودانى، ما لم ينظر إليه لا من زواياه الداخلية فقط، وإنما أيضا من زواياه القومية والإسلامية والاقتصادية العولمية الرأسمالية الطامعة فى ثروات السودان الهائلة، والجنون الدينى اليمينى الصهيونى بشأن السيطرة الجيواستراتيجية الكاملة على البحر الأحمر ومداخله… ما لم ينظر إليه كجزء من عواصف استعمارية زادت قواها وقدراتها التدميرية فى العشرين سنة الماضية، ويراد لها أن تستمر فى الهبوب والتدمير قبل أن يحل الأفول الأمريكى المنتظر، فإننا لن نرى فقط زوال السودان العربى الملىء بالإمكانيات الهائلة، الذى عرفناه، وإنما زوال الكثير من الأقطار العربية الأخرى فى المشرق والمغرب على حد سواء.
وإذن، فما الذى يمكن فعله؟ هذا موضوع كبير ومتشعب وسيحتاج إلى حراكات مجتمعية عربية كبرى، ولكن هناك نقاطا تحتاج إلى أن تطرح للنقاش فى الحاضر من أجل منع مجىء المزيد من الكوارث.
أولا، نكرر مع غيرنا للمرة الألف بضرورة أن يتخذ قادة مؤسسة القمة العربية قرارا حاسما بشأن إحداث تغييرات كبرى فى تكوين وأهداف ووسائل عمل الجامعة العربية، لتلعب دورا محوريا فى مساعدة كل قطر عربى يواجه عواصف الخارج والداخل. العرب يحتاجون الآن، وبشكل وجودى، إلى مؤسسة وحدوية تضامنية فى الاقتصاد والأمن والعلاقات مع الخارج، وهذا ما لم يسمح البعض للجامعة أن تقوم به.
ومن الممكن استعمال الخطوات الجريئة التى بدأتها الشقيقة المملكة العربية السعودية كمدخل للموضوع برمته.
ثانيا، سيحتاج السودان مع شقيقته مصر أن يفكرا جديا فى إعادة بحث فكرة وحدة وادى النيل القديمة. هذا موضوع مفصلى وجودى لمواجهة المؤامرات التى يتعرض لها البلدان بالنسبة للأمن المائى من جهة وبالنسبة لما تخطط له الصهيونية منذ أيام الرئيس عبدالناصر من جهة أخرى، وبالنسبة لما تريده أمريكا من تهميش تام لمصر العروبة وقدراتها القيادية.
ثالثا، آن الأوان أن تتغلب كل قوى المجتمع المدنى السودانية، السياسية والنقابية والمهنية والنسائية والدينية، على خلافاتها وتقول كلمة «لا» رجوع إلى نظام الحكم العسكرى الذى أهلك السودان عبر ستين سنة، وأن الانتقال فى الحال إلى نظام ديموقراطى دستورى عادل لا يمكن المساومة عليه. ومن أجل ذلك أصبح الالتفاف من قبل الجميع حول الجيش الوطنى ليقضى على الفتنة أمرا ملحا.
هذه اللحظة تحتاج على الأقل العمل على تحقق تلك الخطوات وإلا فإنها الكارثة للسودان ومن ثم البقية، ولن يسلم أحد، ولن تقوم قائمة للنائمين أو المتفرجين.
يا شباب وشابات السودان الرائع، بجمال شعبه الطيب الرقيق، انتبهوا.
وجهة نظر واعية، بشأن ما يجري في السودان، وهي جديرة بالاحترام والثقة، وبالبحث الجاد فيما أشارت إلى وجوبه للتصدي لهذه الموجة من استهداف الوطن والوجود العربي، والطعن في هوية الأمة القائمة على عنصري العروبة والاسلام.
وتصوره لدور مصر في حفظ السودان ومعالجة وضعه معالجة جذرية تستأهل البحث الدقيق، والتبصر الواعي المستنير.
ولا يؤخذ على هذا الطرح إلا ما يبديه من ثقة، أو تطلع لدور ايجابي من مؤسسة القمة العربية في مواجهة هذه المخاطر، وهي هنا تخص السودان، وفي آفاقها تحص كل اقليم عربي، ولعل موقع الرجل وتاريخه يفرض عليه إبقاء قدر من التفاؤل أو التطلع لدور إيجابي للمؤسسة القومية الوحيدة التي ما زالت تجمع أركان النظام العربي
د. مخلص الصيادي