رامي منصور – عرب ٤٨
21/04/2024
اعتراض مسيرات إيرانية في الأجواء الإسرائيلية (Getty Images)
بعد نحو سبعة شهور على اندلاع حرب الإبادة على الشعب الفلسطيني في غزة، يمكن القول إن إيران قد تكون الرابح الأكبر مقارنة مع إسرائيل التي تخوض أطول وأعنف حرب في تاريخها. وإذ أعلنت إيران وحلفاؤها في المنطقة منذ الساعة الأولى لطوفان الأقصى بأنها لم تبادر له ولم تكن تعلم بتوقيته، ولن تدخل في حرب مفتوحة في أعقابه، إلا أن حلفاءها من اليمن مرورًا بالعراق وصولا للبنان، فتحوا جبهات إسناد لغزة، كما سمّوها، ما جعل إيران لاعبًا محوريًا بنظر أميركا، في حرب تبعد عن أراضيها أكثر من ألف كيلومتر.
وقد يعزو ذلك محللون إلى “عقلية البازار” الإيرانية التي تجيد المقايضة والتجارة، أو “تجارة السجاد”، أو “الأخذ والعطاء”، وربما الأخذ أكثر من العطاء. فحسن نصر الله ذكر في خطاب له وجود محادثات إيرانية – أميركية لتسوية ملفات المنطقة، فيما طهران ذاهبة قدمًا في برنامجها النووي، وحوّلت جبهات الإسناد لغزة إلى سندات في رصيدها الإقليمي.
وفيما بدأ بنيامين نتنياهو الحرب بأعلى رصيد دولي حصلت عليه إسرائيل في تاريخها، عسكريًا وسياسيًا وإعلاميًا، إلا أنها تواجه اليوم خطر الإفلاس الدولي، ويحذّر سياسيّوها ومحللوها من أنها في طريقها لتصبح دولة منبوذة على غرار جنوب إفريقيا في زمن الأبرتهايد، بسبب حجم القتل والدمار غير المسبوق في غزة، وتهمة الإبادة الجماعية التي تلاحقها في لاهاي، وتعنت نتنياهو من إبداء أي ليونة في إدخال المساعدات الإنسانية للقطاع، أو التفاعل اللفظي الإيجابي مع تصور الرئيس الأميركي لإقامة حلف إقليمي إسرائيلي – عربي في مواجهة إيران، من خلال القبول بالتصريح عن تسوية مستقبلية ممكنة تؤدي للاعتراف بدولة فلسطينية، مقابل التطبيع العلني والرسمي مع السعودية.
أما العرب، فمنهم من سمسر بأرواح الغزيين الذين أرادوا الخروج من القطاع للعلاج في الخارج، ومنهم من فتح جبهة إعلامية ضد الفلسطينيين والمقاومة، بقنواتهم وصحفهم ومحلليهم، لا تزيد من مكانتهم الإقليمية ولا الدولية، بل يبدون كأذناب لنتنياهو وبن غفير وسموتريتش. فمهاجمة المقاومة لم تكن بدافع القلق على أرواح الغزيين، بل لأنها عطلت عليهم التطبيع مع إسرائيل. ومنهم في أحسن الأحوال من يحمّل المسؤولية بالتوازي عما حصل في غزة لإسرائيل والمقاومة، وبالتساوي، وأحيانا يحمّل حماس المسؤولية أكثر. هؤلاء الذين يقلقهم دمار غزة، خاضوا حربًا واحدة في حياتهم، الحرب في اليمن، ودمروها وقتلوا أهلها، وفي هذه الحرب الوحيدة فشلوا وأُذلوا وتوقف نفطهم؛ أيعقل أن ينجح هؤلاء بالسلم. فشلوا بالحرب على اليمن، وفي إدارة العلاقة مع أميركا، وخسروا العراق وسورية ولبنان وغيرها لصالح إيران، أيعقل أن يفتي هؤلاء الفشلة لأحد؟
ليست إيران منتصرة بطبيعة الحال، فهي ليست طرفا مباشرا بحرب غزة، وهي تستفيد مما يحصل وتستثمر فيه، ولن تضحي بحلفائها من أجل قطاع غزة، قد تدعم وتسلح، لكن مشروعها الأساسي هو المنطقة، وليس غزة أو إسرائيل.
في المواجهة الأخيرة المحسوبة بين إيران وإسرائيل، تبيّن أننا محكومون بمحورين، إيراني من جهة، وأميركي – إسرائيلي – عربي من جهة أخرى هدفه الدفاع عن إسرائيل أكثر من كونه لمواجهة النفوذ الإيراني، وقد التقى المحوران في السابق على وأد الثورات الديمقراطية العربية، وسيلتقيا مجددا إذا لزم الأمر. ولا يلبي المحوران تطلعات الشعوب العربية، وإن رفع محور إيران راية مواجهة أميركا وإسرائيل، لكنه حيثما حل في العواصم العربية، تراجعت الدولة بل ضعفت إلى حد التفكك، كما في العراق واليمن وسورية ولبنان، فيما المحور الأميركي يعادي الشعوب العربية ودمّر دولها في العراق وليبيا ويدعم الإبادة الجماعية في غزة.
أخيرًا، ليست إسرائيل مهزومة، لكنها قامت في فلسطين على قدمين؛ حق اليهود بإقامة وطن قومي (“حركة تحرر قومي”، بحسبها)، والنظام الديمقراطي (دولة غربية حديثة). تحول “الحق بوطن قومي”، إلى حركة استعمارية استيطانية لم يعد لها مثيل في العالم، إلا إنها تمكنت خلال العقود السبعة الماضية من إدارة التناقض بين كونها دولة استيطانية استعمارية توسعية وبين ديمقراطيتها. وأي خلل في إدارة هذا التناقض بات يعرضها لخطر أن تصبح دولة منبوذة.
وقد فجّر السابع من أكتوبر هذا التناقض، إذ ثبت لمن كان بحاجة لإثبات، أن الطبقات من مسحوق الديمقراطية والليبرالية التي غطت فيها إسرائيل استعماريتها واستيطانها وعنصريتها، لم يعد بمقدورها أن تغطي الإبادة الجماعية. ربما هذا هو الخطر الوجودي الحقيقي الذي يشعر به المتعقلون من الإسرائيليين، ليس خطر الأنفاق ولا القذائف.