بقلم محسن حزام
١٢/٦/٢٠٢٣
عادت هيئة التفاوض السورية بكافة منصاتها إلى طاولة عمل مشتركة في جنيف ٣و٤ يونيو/حزيران، بعد توقف عملها لمدة ثلاث سنوات، على خلفية مشكلة المستقلين التي شاركت فيها السعودية الدولة المضيفة لمقر هيئة التفاوض السورية، باختيار بدائل عن الأساسيين بهدف التضييق على دور الائتلاف الذي كان يهيمن على الكتلة التصويتية في هيئة التفاوض وكذلك على كرسي الرئاسة، هذا الأمر كان له تداعياته بالرفض من بعض المنصات وخاصة الائتلاف واصرارهم على عدم الالتزام، ومن بعض الجهات المطالبة بضرورة التغيير، وبعضها الآخر بأنه إجراء يجب التعامل معه ضمن القواعد التنظيمية، هذا الخلاف تسبب بعطالة عمل الهيئة نتيجة رفض بعض الجهات حضور الاجتماعات الفيزيائية (هيئة التنسيق نموذجا) حتى يتم الالتزام بالقواعد التنظيمية، وهذا عكس نفسه على الدور السعودي من خلال رفع الدعم المادي وإغلاق مكاتب هيئة التفاوض، استمر هذا الأمر حتى تاريخ الاجتماع في جنيف، علما أن تلك الفترة دخلت عليها الكثير من المتغيرات الإقليمية والدولية، لم تستطع فيها الهيئة أن تمارس دورها التشاركي سوى في مسار اللجنة الدستورية ولجنة الانتخابات، علما أن اللجنة الدستورية تم محاصرتها من قبل النظام السوري بوضع عراقيل أمامها عبر بعض التوصيات في كل اجتماع وأحيانا في جدول أعمالها، تركتها بدون أية نتائج لست دورات، كان الهدف من قبل النظام اطالة امد الازمة السورية عبر تمرير الوقت، وعدم الدخول على حلها الا من خلال أجندته بمصطلح الحل “السوري السوري”، ومن أجل إبعاد دور المنظمة الأممية، وعدم اشراكها في حل المعضلة السورية، وايضا سحب مشروعيتها في نقل مكان اجتماع اللجنة الدستورية من جنيف إلى أي مكان آخر “كان هذا مطلب روسي”.
هيئة التفاوض السورية تشكلت بقرار أممي (في مهمة وظيفية محددة لمسار التفاوض مع النظام السوري برعاية اممية)، وذلك بالاتفاق مع السعودية لاستضافة مقراتها وتغطية نفقاتها، ولم يكن لها أي دور في توجيه أعمالها.
استمر الوضع على ما هو عليه لثلاث سنوات تصدر المشهد فيها الائتلاف من خلال الرئاسة لسد الفراغ الحاصل في الحراك مع بعض الجهات، ولم يثمر عن أية نتائج لأنه كان غير معبرٍ عن هيكلية هيئة التفاوض، إن كان في استمرار اجتماعات اللجنة الدستورية كما يجب أو في السعي لجمع الهيئة في اجتماع متكامل. علما ان هيئة التنسيق الوطنية لقوى التغيير الديمقراطي في سورية (الممتنعة أصلا عن حضور الاجتماعات وهي تعتبر المنصة الوازنة بعد الائتلاف)، تقدمت في تلك السنوات بعدة مشاريع للوصول إلى توافقات لحل مسألة العطالة إلى الرئاسة وكذلك إلى الائتلاف، لكن لم تسفر هذه المشاريع عن أي نتيجة.. إلى أن جاء الاقتراح الأخير (من قبل هيئة التنسيق الوطنية أيضا) في الدعوة لعقد اجتماع تلتقي فيه كل مكونات هيئة التفاوض على قاعدة طي كافة الخلافات التنظيمية والإجرائية وعودة حضور المستقلين الأساسيين دون أي إجراء تنظيمي، بهدف استعادة لحمة هيئة التفاوض لضرورات لوجستية وسياسية خاصة بالحالة السورية وما وصلت إليه من تعقيدات، كان في مقدمتها عودة النظام السوري إلى كرسي الجامعة العربية وتهافت التطبيع معه، وعلامات بدأت تطفو على السطح تشير الى تقسيم سورية وضياعها ضمن مناطق نفوذ لدول إقليمية ودولية لها تواجدها العسكري على الأراضي السورية، في ظل غياب المعارضة المفككة وانكشاف سوآتها أمام المجتمع الدولي، رغم أنها معترف بها دوليا ممثلة في هيئة التفاوض السورية. كجسم وظيفي مخول بالتفاوض مع النظام، ووضح أيضأ أن هذه العطالة اكسبت النظام ورقة رابحة تضاف إلى عدم اعترافه بها بالأساس وكرست قناعة لدى المؤيدين للثورة السورية من القوى الإقليمية والدولية بأن هذه المعارضة لا يمكن أن تكون بديل حقيقي خلال المرحلة الانتقالية، فبدأت هذه الصورة تترسخ في نظر الدول التي دعمت الثورة السورية ، وبدأت فعلا هذه القوى في طرح مشاريع وبدائل لهذه الهيئة في محاولة لاستبعاد مكوناتها من المشهد السياسي.
ان الخطوة الأخيرة التي أقدمت عليها هيئة التفاوض في اجتماعها الأخير في جنيف، الذي احتضن كافة مكونات الهيئة دون استثناء وبحضور ممثلين عن المجموعة العربية وبعض السفراء من الاتحاد الأوربي، كانت خطوة تسجل لصالح هيئة التفاوض على مبدأ “إن تصل متأخرا أفضل من أن لا تصل” نتج عن هذا الاجتماع بيان أعمال اتسم بالوضوح والشفافية في تعرضه إلى كافة المسائل بموضوعية دون أي اعتراض على مضمونه من قبل أي جهة، وضحت فيه مواقفها وتأكيدها على مرتكزات الحل السياسي وأهمية التعامل مع مضمون القرار الأممي ٢٢٥٤ وتأييدها لأي مشروع عربي يقف مع المطالب المحقة للشعب السوري.
امام هذه الصورة البانورامية لما حدث كوقائع تعاملت معها كافة وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمقروءة إيجابا وانتقادا، نرى أن هذه الخطوة حركت المياه الراكدة أو المواقف المرتبكة للشارع الشعبي من خلال إظهار هيئة التفاوض السورية إلى الواجهة من جديد بكامل مكوناتها في شكل توافقي قل نظيره وخطوة استطاعت من خلالها أن تكسر حاجز العطالة معلنة عن وجودها من جديد ممثلا للشعب السوري في العميلة السياسية والمسار التفاوضي، هذه الخطوة ايضا اربكت النظام السوري وخلطت الأوراق عند داعميه (روسيا وإيران) وحتى انها فرضت على المجموعة العربية حسابات جديدة في مسارها التطبيعي مع النظام السوري.
من هنا نرى ان هناك استحقاقات لابد منها أمام هيئة التفاوض السورية لاستثمار هذا الحدث ضمن المحددات التالية :
- الخطوة الإجرائية الأولى التي لابد منها قبل أي حراك دبلوماسي، أن تعيد صلتها مع حاضنتها الشعبية لتشكيل لوبي داعم لخطواتها الراهنة والمستقبلية، بأنها فعلا ستكون المعبِّر الحقيقي عن أهداف الثورة في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية دون أي تفريط أو تبعية من خلال إرادة حرة مستقلة في قرارها وفي كل مسارات الحل السياسي وسلاله بشكل كامل.
- فتح مسارات التواصل مع كل القوى الوطنية وهيئات المجتمع المدني لتشكيل كتلة صلبة وحاضنة لهيئة التفاوض على المستوى الوطني المحلي والعربي والدولي، في استقطاب السوريين في دول المهجر والشتات على برنامج عمل واضح يستوعب الجميع يهدف الى عنوان جامع مفاده // إنقاذ سورية مما هي عليه والحفاظ على وحدة أرضها وشعبها// كمقدمة لابد منها في الوقت الراهن.
- استحقاق مهم ومطلوب التعامل معه من خلال عقلانية سياسية تستطيع اختراق الحواجز والمصدات وفق آلية جديدة للتعامل مع المجموعة العربية وكل القوى المتدخلة بالشأن السوري، من منطلق تفهم المتغيرات التي حصلت بعد بيان جدة والحراك المستمر بين المجموعة الرباعية (روسيا، ايران، تركيا، سوريا) وكذلك التعامل مع المتغيرات الدولية بما فيها حالة التعارض الحاصل بين المزاج العربي والأوربي الأمريكي بخصوص التطبيع مع النظام السوري، و أن يكون الهدف طرح أوراق جديدة للدخول إلى القرار الأممي ٢٢٥٤ عبر الاستفادة من القوى المتدخلة بالشأن السوري في ممارسة الضغط على النظام للتجاوب مع مطالب المجموعة العربية التي وافق على العديد منها في مؤتمر جدة، وذلك بخصوص مبدأ “الخطوة مقابل خطوة” ولو على مراحل، ومحاولة تفكيك الحواجز المعطلة للتوصل إلى ذلك.
أن استثمار اللحظة والتعامل معها بجدية دون التراخي بمسألة الوقت يضع هيئة التفاوض السورية في مكانها الصحيح ويعيد لها دورها المطلوب، كما يساعد في تعديل المزاج الشعبي وتحريك كافة الجهات التي تسعى إلى حل الأزمة السورية بالانخراط الجدي مع هيئة التفاوض في مساعيها على المستوى الإنساني والسياسي للوصول إلى مخارج ولو بالحد المعقول على طريق الخلاص من الاستعصاء الحاصل في المسألة السورية ووضعها على طريق الحل العادل في مرحلة انتقالية يتشارك فيها الجميع لرسم مستقبل سورية الدولة والوطن الموحد أرضاً وشعباً.