أورنيلا سكر – باحثة في العلاقات الدولية والدراسات الاستشراقية
القدس العربي
السبت , 1 أبريل , 2023
التقارب الإيراني ـ السعودي يأتي في سياق سلسلة من المفاوضات والتفاهمات السابقة التي أثمرت تقدمه برعاية الصين. والجدير ذكره هنا أن أي تفاهم متخيل أو محتمل هو حاجة ملحة لطرفين لحفظ أمن المنطقة وتفاديا للتوتر والفوضى ومنعاً للصدام والحروب.
هذا النهج المعتمد اليوم من قبل المملكة السعودية يأتي في سياق تبادل الرسائل الدولية والإقليمية وتعزيز الشراكات والتعاون في المجالات الأمنية والدبلوماسية والاقتصادية والسياسية. فهل يلتزم الطرفان بهذا التقارب والاتفاق؟
النزاعات القائمة
إن الإجابة عن هذا السؤال، بديهي من جانب كلا الطرفين، أي الرياض وطهران لحلّ الخلافات والنزاعات القائمة بينهما، إذ أن الطرفين يسعيان لتحصيل مكاسب والضغط على الولايات المتحدة الأمريكية، خاصة بعد أن أظهرت عدم اكتراثها في أمن السعودية، سواء في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي حاول ابتزازها مادياً مقابل تقديم الحماية لها، أو عدم الضغط على الجانب الإيراني للحد من الهجمات والأنشطة العدوانية والإرهابية على أمن الرياض الجيوسياسي في المنطقة الشرقية، أو الاعتداءات المتكررة على منشآت النفط والغاز في أرامكو أو المنشآت الإماراتية.
ويأتي نهج الرئيس جو بايدن مماثلاً لنظيره باعتبار، أن المواقف التي تعتمدها الإدارة الأمريكية ليست كافية لوضع حد للمشروع الإمبريالي الفارسي في الخليج العربي بشكل خاص والمنطقة بشكل عام. كما أن المشروع النووي الإيراني بات يشكل تهديدا وجوديا على أمن منطقة الخليج. إذ أن الرئيس الأمريكي جو بايدن حاول استرضاء المملكة العربية باتفاق غير مرضٍ للجانب السعودي يكمن في مسألة التسليح النووي على الشاكلة الإيرانية، وتقديم الحماية المطلوبة لدول الخليج، غير أن الولايات المتحدة حاولت توفير البدائل على أن تكون المملكة السعودية حليفا لكن خارج حلف الأطلسي. غير أن السعودية رفضت هذا العرض واستجابت إلى الشراكة الروسية والصينية بفعل الامتيازات التي يقدمانها والتعاون الملتزم الذي عبّرتا عنه سواء بدعمهما بالأسلحة المتطورة والتقنيات المتطورة، على عكس الموقف الأمريكي الذي رفض تسليح الخليج، سواء السعودية أو الإمارات، على الرغم من الأموال الضخمة التي جنتها الولايات المتحدة نتيجة صفقات الأسلحة، وهذا إلى جانب تكرار التجربة نفسها مع مصر زمن الرئيس المصري أنور السادات حين طالب الأمريكيين بتزويده بسلاح أف- 16 فرفضت الولايات المتحدة، لكيلا تصبح مصر قوة عسكرية تتفوق على إسرائيل، ولا تزال العقيدة الأمريكية مستمرة إلى يومنا هذا.
تهديد أمن الخليج
كما أن هجمات الحوثيين وتهديدهم أمن الخليج، دفعت كلا من الإمارات والسعودية إلى اتخاذ قرار مواجهة تخاذل أمريكا بشأن الوعود التي قدمتها، من دون تفعيلها وممارستها، الأمر الذي أظهر واشنطن في موقف الحليف غير الجدي.
إن تصاعد سيكولوجية الأزمات وإدارتها من الجانب السعودي اليوم، يأتي في إطار استباق أي قرار في حرب أمريكية – إسرائيلية محتملة على إيران، قد تؤدي، إن حصلت، إلى تداعيات خطيرة على أمن الخليج.
ومن أجل تفادي كل تلك الضربات والهجمات، تسعى المملكة السعودية إلى التقارب مع إيران لتوجيه رسالة واضحة الى الولايات المتحدة أنها لا تبالي إن توترت العلاقات السعودية ـ الأمريكية، واعتماد نهج مخالف لنهج الملوك السعوديين، بسبب عدم احترام الولايات المتحدة العهود والاتفاقات التي وعدت بها.
وهذا ما أشار إليه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان لمجلة “أتلانتيك” بقوله: “من يهتم إن توترت العلاقات بين الرياض وواشنطن، إذا خرجت واشنطن من هذا التحالف التاريخي، نحن لدينا بدائل أخرى ترغب أن تستثمر عندنا، ونتبادل معها المشاريع والاستثمارات المشتركة”.
موقف تصعيدي
هذا الموقف الحاد من الجانب السعودي تجاه واشنطن، لم يأت بصفة مؤقتة، بل هو موقف تصعيدي غير قابل للتراجع أو التبعية المستمرة للإدارة الأمريكية، خاصة أن الرياض تحاول تحسين علاقاتها مع طهران وتعزيز التعاون الدبلوماسي وحل الخلافات بينهما بشكل مباشر، من دون الدعم الأمريكي الذي كشف عن فشل مدو في الساحات كافة، التي خاضت فيها حروبها العبثية بحجة نشر الديمقراطية، سواء في أفغانستان، أو سوريا التي وعدت بهزيمة وسقوط الأسد، فبقي الأسد وتشرد الشعب السوري. ناهيك عن أن الموقف الأسدي اليوم يراهن على الحوار في موسكو حول التطبيع مع تركيا، في محاولة لحل الخلافات الجيواستراتيجية والأمنية، والمشاركة في أي تسوية مستقبلية محتملة عبر حجز مقعد له، إضافة إلى أن سلاح الطاقة في الحرب الجيوسياسية أثبت ضعف الولايات المتحدة في دفع المملكة السعودية الى تأييد مطلبها حول رفع الإنتاج النفطي، خاصة أن الشركات النفطية داخل الولايات المتحدة تعجز عن رفع الإنتاج لأن استثمارات شركاتها النفطية تضرّرت جراء جائحة كورونا، لذلك ترى طهران أن هذا التقارب الحاصل مع الرياض خطوة إيجابية، تعبر عن شراكة إقليمية متخيلة تحولت إلى أمر واقع بفعل قيادة الأمير محمد بن سلمان وحرصه على مصلحة الأمن الخليجي في حرب محتملة بين إيران والولايات المتحدة. كما أنها خطوة استباقية لمواجهة الغرب والولايات المتحدة من أجل الحد من العقوبات الاقتصادية وتخفيف التوتر والفوضى في المنطقة، وبناء تكتلات إقليمية ـ مشرقية برعاية صينية وروسية يعود بالمردود والمنافع على جميع الأطراف المستفيدة من هذا التقارب، سواء الصين أو روسيا أو إيران، خاصة أن الجميع بات يتململ من واشنطن، بما فيه الشريك الأوروبي، هذا ما عبّرت عنه المواقف الأوروبية في الحرب الأوكرانية على خلفية بيع الولايات المتحدة النفط بأربعة أضعاف لفرنسا وألمانيا.
الخيار العسكري
سعت المملكة العربية السعودية جاهدةً مواجهة التهديد الإيراني منذ الحرب العراقية ـ الإيرانية وصولاً إلى الحرب السورية، حيث استخدمت الخيار العسكري والحرب بالوكالة، كما هو حاصل في لبنان بهدف الحدّ من التهديد الإيراني وتأثيراته وتداعياته على الأمن القومي السعودي، لكنها توصلت إلى قناعة أن التجربة الأمثل، هي الاحتكام إلى القوة الدبلوماسية، من خلال تعزيز سياسة الإكراه تجاه الولايات المتحدة والضغط عليها تفاديا لحرب استنزافية قد تقضي على الأمن الخليجي على غرار تجربة الحرب الروسية ـ الأوكرانية التي تستنزف فيها الولايات المتحدة كل يوم أكثر الأوروبيين والأوكرانيين في مواجهتهم مع الروس.
كما أن من المفيد أن نشير إلى هذه الفرصة الذهبية التي تأتي نتيجة التغيرات الجيوسياسية المتصلة بأمن الطاقة من جهة، وحاجة إيران الى الاستقرار الداخلي والإقليمي والحد من العقوبات الاقتصادية عليها.