محسن حزام
تعصف بالعالم اليوم موجة عارمة مثيرة للقلق تهدد المجتمعات الإنسانية،أعيد إنتاجها من جديد، حسب المتغيرات على الخريطة العالمية، دخلت عمق الدول التي تتباهى بقيم الديمقراطية والحرية والعدالة ،تمظهرت في مسألة “التمييز العنصري” ( قيصري/ تركيا ،وأحداث لندن الأخيرة )،انتشرت بين الأفراد والجماعات وما بين الدول، وباتت هي السلاح المتداول لدى جماعات وقوى العنف والتطرف.
هذة الظاهرة ليست طارئة أو حديثة العهد وإنما لها جذور تاريخية قديمة، داخل المجتمع الإسلامي والمسيحي في العالم المشرقي والغربي ،تغلفت بلباس ديني وعرقي، أدت إلى حروب ونزاعات حصدت الكثير من الأرواح تحت رايات مختلفة، قسمت العالم إلى قسمين ( شرق وغرب ) متحضر ومتخلف حسب توصيفات الدول الإستعمارية التي ساعدت في إنتشار الغلو والكراهية وزرع الفتن الطائفية. باستخدام أذرع على مستوى العالم لتنفيذ هذا التوجه من أجل تفتيت المجتمعات والسيطرة عليها بأقل التكاليف ،فانتجت ” داعش وأخواتها ومثيلاتها من الفصائل المتمردة” محاولة منها لتشويه الدين الإسلامي كفكرة ” قائمة على الإرهاب والتطرف”
( نموذج مركز التجارة العالمي 11/9/2001 ) بهدف إقناع العالم أن هذا الإرهاب الإسلامي يهدف غزو ثقافة العالم المتحضر المؤسس على قيم الديمقراطية والعدالة والمساواة، لكن من تم استخدامهم في هذة المهام وبهذة الصورة ( التي ليس لها علاقة بالدين الإسلامي ومعتقده) ،عندما إنتهى الدور الوظيفي لها ،أعلن الحرب عليها من القوى الدولية تحت شعار محاربة الإرهاب المنظم،وتم تجفيف معظم منابعها بعد ممارستهم كل أشكال العنصرية والإبادة الجماعية بحق السكان الأمنيين بمقولات ليست من صلب الدين الإسلامي أظهرت للعالم هذا التوجه الإرهابي/ حالة سورية راهنا ، وبعض العمليات التفجيرية في أكثر من منطقة على مستوى العالم .هذا السلاح رسمته بمهارة فائقة الصهيونية العالمية برعاية “امريكية إسرائيلية”
الذي حصل مع اللاجئين السوريين في تركيا وقبله في لبنان، واليوم في لندن ( كان عنصريا بامتياز وعلى خلفية مذهبية ) تم توظيفه سياسيا بهدف إعادة بحث ملف اللاجئين من جديد ،( لأنه شكل أعباء إجتماعية ومادية على الدول المضيفة، وأيضا بالنسبة لوكالة الأمم المتحدة للاجئين التي وصلت إلى مرحلة أوقفت الدعم الغذائي والإنساني في بعض الدول نتيجة شح الموارد ، كما يدخل في هذا الملف اللجوء الغير شرعي على مستوى المنطقة والعالم ) والآن هو ورقة مثارة بقوة في السباق الرئاسي الأمريكي. كمالاننسى ان العديد من الدول استخدمته ورقة ضغط وابتزاز على المؤسسات الدولية وأوروبا ” تركيا ولبنان نموذجا ” لتغطية صراعاتها وأزماتها الداخلية في محاولة تصديرها للخارج على حساب اللاجئين الذين هربوا من بلادهم قسرا بسبب الإقتتال والعنف الغير مسبوق ، أضف إلى ذلك بدأت بعض الأطراف توظف أفراد أو مجموعات لمواجهة اللاجئين بشكل عنصري ممزوج بالعنف استهدف الأفراد والممتلكات ،كما أصبحت وسيلة ضغط داخلية بين المعارضات والنظم .
هذا التصرف وضع تلك الدول على المحك أمام شعوبها في تشويه ماتتغنى فيه عن الديمقراطية والمساواة والعدالة فيما تسمى المجتمعات “المتحضرة ” .
وعلى ذات المقلب، بدأ يتنامى زحف حركات النازيين الجدد / الذين يسعون بنشاط تجنيد الأطفال عبر الانترنيت/. ومؤيدي إيديولوجية تفوق العرق لدى الدول المحتلة ونظم الإستبداد المشرقي، المؤسس على خطاب الكراهية والتعصب وعدم التسامح الذي يولد العنف المستبطن أو المصنع، وكاد يتحول إلى ظاهرة عامة،تهدد القيم الديمقراطية والاستقرار الإجتماعي والسلام العالمي .خطاب مشحون بالتمييز العنصري على اساس اللون أو العرق أو الجنس أو الدين أو الإنتماء الاثني أو الجنسية .
رصد الحالة على الواقع
من خلال المتابعة لرصد كيفية إنتشار هذا الوباء ( الجائحة ) وماهي الأسباب الموجبة التي أدت إلى ظهوره من جديد،نرى أن الذي ساعد مؤخرا في انتشار هذة الظاهرة ،الإعلام المفتوح “المرئي والمسموع”الذي يتم توظيفه حسب أجندات الممسكين به وفي مقدمتهم الصهيونية العالمية التي تقوم على صناعة وصياغة الخبر وتوجيهه حسب مصالحها، اولا باتجاه تشويه الرؤية للمتابع، كذلك زرع الإحباط عند الجمهور عبر فيديوهات مفبركة تقوم على قلب الحقائق وإقناعه بها على أنها هي الحقيقة،أيضا دخلت على نفس الخط وسائل التواصل الاجتماعي “الفيسبوك ومجموعة البرامج الأخرى”.
ونحن نعلم أن هذة الوسائل سلاح ذو حدين مرتبطة بشكل شخصي بالمستخدم ، والتي أصبحت اليوم من الوسائل المهمة في النشر والإتصال ، وتستخدمها الدول في كافة المؤسسات ضمن نظم المعلوماتية، كما دخلت التجمعات البحثية ومراكز الدراسات في ( التعليم، الصحة ،رسم السياسات ،التدريبات التنموية الخ….) هذا كله في الجانب الإيجابي،اما في الجانب السلبي للإستخدام ، نلاحظ نشر المعلومات والفيديوهات المفبركة التي تعتمد على الذكاء الاصطناعي والرقمي، مما ساعد على تشويه أفكار الجيل الناشىء، عبر نشر أفكار هدامة مخالفة للطبيعة الإنسانية ومسيئة للأديان والمقدسات والقوميات والمرأة ،وكذلك تركيز التوجه إلى افلام ودعوات تهدف إلى مسح الشخصية والهوية ووسيلة لتفكيك الأسرة والنسيج المجتمعي، ونحن نعلم أيضا ان هذة الوسائل أصبحت أداة إتصال تتيح من خلال تطبيقاتها المختلفة مساحة واسعة لطرح الأفكار في كافة المستويات ،والتي تعبر عن ذاتية الفرد وكيفية تعامله مع الآخر بدون أية ضوابط أخلاقية عن طريق الشتم والقذف والحط من المكانة الإجتماعية او الإنسانية للأشخاص.هذة المنصة تم استخدامها أيضا وسيلة لنشر وترويج خطاب الكراهية والتمييز العنصري وجندرة الجنس “المثلية” التي شرعنت التعامل فيها بعض الدول وتبنت حمايتها بقوانين وضعية .
الذي حصل اليوم من ممارسات تمييزية إعتبرتها الدول المنادية بحقوق الإنسان إنها حرية فردية،لا يمكن ردعها إنما توجيهها ، مع العلم أنها تجاوزت مرحلة التعبير عن الرأي المصان في القوانين والتشريعات الوطنية المحلية وفي القانون الدولي والإنساني وكذلك في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لحقوق الإنسان،لكن غير منضبطةوأنها يجب أن تكون مقيدة وليست مطلقة . لكن هذا الخطاب الذي “يحمل الكراهية للآخر اللامنتمي إلى ذات القوانين والأعراف ولديه نفس الخصوصية في حرية التعبير وصونها”.
من هنا يتطلب من المعنيين على المستوى الرسمي والأممي الذين يمثلون القانون العمل على القوانين الرادعة للحد من هذة الظاهرة في فرض عقوبات وتدابير وقائية لتحصين المجتمعات والحفاظ على الأمن والسلم الدوليين.لكن بالنظر إلى الأدوات التنفيذية المناط فيها العمل على ذلك( مجلس الأمن، هيئة الأمم المتحدة، المنظمات الإنسانية والحقوقية)، التي نراها مكبلة ومقيدة من قبل قوى تغولت على العالم ومؤسساته حتى أصبحت القابضة على قراراتها تعطيلا وتوجيها “أمريكا وقوى التحالف وأداتها في المنطقة دولة الإحتلال العنصرية ” ، هذة القوى باتت داعمة لكل انواع الإرهاب وحركات التمرد والصراعات المسلحة، وزرع الأزمات والفتن البينية بين دول الجوار، وافتعال حروب الوكالة،وهي المتحكمة بالعالم كقطب أوحد يهيمن على مقدرات الشعوب في دول المنطقة والعالم الثالث والأطراف الملحقة.
أمام هذا المشهد أصبحت الهيئآت الدولية شاهد زور على كل ما يحدث في العالم من إنتهاكات وخاصة في مسألة الإبادة الجماعية والتطهير العرقي نموذج ” رواندا ” في حربها الأهلية 7/5/194 // التي تمت بتحريض من أمريكا وفرنسا بين قبيلة ” الهوتو ” وقبيلة ” التوتسي “الذين كانوا شركاء في الوطن الواحد//.هذة الحرب خلفت قتل 800000 شخص كما تعرضت مئات الآلاف من النساء للإغتصاب في أكبر عملية قتل جماعي في القرن العشرين، ولا زالوا مرتكبي هذة الجريمة فارين من العدالة، واليوم أيضا تتكرر مجازر الإبادة الجماعية في غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة من قبل العدو الصهيوني خلفت لهذا التاريخ 150000 قتيل عدى عشرات الآلاف من المفقودين تحت ركام الأبنية السكنية التي تم تدميرها بالإضافة إلى الجرحى والمعاقين ، ولازالت الحكومة اليمينية العنصرية تمارس مزيد من القتل العشوائي دون أي تجريم او عقاب سوى إصدار بيانات التنديد وعقد مؤتمرات لا تحمل سوى عناوينها الطنانة،ومجلس أمن تتحكم به مجموعة الخمس من خلال الفيتو المعطل لأي قرار يكون في مصلحة الشعوب.
كل هذة الوقائع التي اصبحت أمر راهن ،لا تلغي أن نتعرف على بعض الحلول التي اعتمدتها المؤسسات
الدولية وفي القانون الدولي حيث نصت بعضا من القوانين الرادعة التي تجرم هذة الممارسات وهي :
– يحمل نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الذي تم اعتماده 1998 المسؤولية الجنائية ويعاقب كل شخص يحرض الآخرين بشكل مباشر وعلني على ارتكاب الإبادة الجماعية، “التي تعتبر فعلا جنائيا”
– كما أفادت المادة 7 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان( أن للجميع الحق في حماية متساوية ضد أي تمييز ينتهك هذا الإعلان، وضد أي تحريض على مثل هذا التمييز ).
– كما أعلنت الدول الأطراف في الاتفاقية الدولية للقضاء على كل أشكال التمييز العنصري المادة 4 ( بأن نشر الأفكار التي تقوم على التفوق العنصري أو الكراهية العنصرية أو التحريض على التمييز العنصري، وكذلك جميع أشكال العنف أو التحريض على مثل هذة الأعمال ضد أي عرق أو مجموعة من الأشخاص من لون آخر، يعاقب عليها القانون ).
– وحسب اللجنة الأوربية لمناهضة العنصرية والتعصب (بأن تشويه حقيقة الإبادة الجماعية يساعد على التطرف ويعزز إرهاب الدول) ،على ذات القاعدة طالب الأمين العام للامم المتحدة “انطونيو غوتريش” بمحاسبة الفاعلين ووضع حد للإفلات من العقاب ،ودعى الى إتخاذ اجراءات عالمية ضد ذلك.
بناء على ذلك نرى :
١/ انه من أجل تحقيق السلم والأمن الدوليين لابد من تفكيك البيئة الحاضنة لهذا الخطاب وتلك الممارسة عن طريق تضافر جهود كل القطاعات المجتمعية في إعادة تبيئة ثقافة الحوار وقبول واحترام الآخر المختلف دون أي تمييز( عرقي أو مذهبي )، ونشر قيم المواطنة وحقوق الإنسان القائمة على التعايش المشترك النابذ لثقافة الفساد ولكل وسائل العنف والإرهاب،التي نشرتها الحروب والصراعات وسياسات نظم الإستبداد.
٢/ إيجاد إطار قانوني وطني يجرم الجهات والأفراد الذين يتخذون هذا التمييز لتحقيق أهداف سياسية.
٣/ تذويب الفوارق بين مكونات المجتمع مع ضمان حرية التعبير لتعميق السلم الأهلي والتماسك المجتمعي.
٤/ دعم المنظمات الغير حكومية المكلفة بقضايا المساواة ومناهضة التمييز بكافة أشكاله عبر برامج تثقيفية وندوات عن طريق وسائل التواصل لتعميم الفائدة لدى كل المستويات الإقتصادية والإجتماعية وحتى السياسية .
٥/ اتخاذ عقوبات رادعة بحق ممارسة العنف الإلكتروني الرقمي ،لما يحدثه من أضرار بالغة لدى الجيل الناشئ . في شطب التغريدات وإلغاء الحسابات الفردية اذا تطلب ذلك .
٦/ أهمية الحفاظ وعدم المساس بالوحدة الوطنية وثوابت الهوية ،واحترام سوسيولوجيا المجتمع .
٧/ متابعة مجرمي الحرب عبر الجنائية الدولية، والإقتصاص منهم لتحقيق العدالة وإنصاف ضحايا التمييز ، مع ضرورة تفعيل التشريعات الوطنية والنصوص الدستورية التي تعاقب على هذة الممارسات .
٢٠/٨/٢٠٢٤