بمناسبة يوم الشهيد 9 مارس .. يوم استشهاد الفريق عبد المنعم رياض نعيد نشر سيرته الذاتية والتي سبق وان قمت بنشرها على تلك الصفحة في مثل تلك الأيام من الأعوام الماضية في أربعة مقالات .
في التاسع من مارس من كل عام، تحي مصر ذكرى “يوم الشهيد”، وذلك اعترافًا بجميل وفضل شهدائنا الأبرار، وهو ذكرى استشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق في عام 1969، والذي أطلق عليه “الجنرال الذهبي”، حينما ضرب أروع الأمثال في الفداء والتضحية من أجل حماية الوطن، والذي مر على وفاته 53 عاماً.
فقد توجه رئيس أركان حرب القوات المسلحة الأسبق للجبهة، في اليوم الثاني لحرب الاستنزاف، ليتابع بنفسه وفي الصفوف الأمامية، القوات المصرية، وفي 9 مارس عام 1969، استشهد الفريق أول عبد المنعم رياض ليضرب المثل في الشرف والتضحية وليسجل التاريخ واحدة من أروع وأعظم قصص البسالة والشجاعة والفداء من أجل الوطن وليحفظ له التاريخ أيضا هذا الموقف العظيم. يعد الشهيد عبد المنعم رياض من اشهر الأسماء التي لمعت في سماء العسكرية العربية بل والعالمية في النصف الثاني من القرن العشرين ، فهو رمز التضحية والفداء، فهو القائد الذي يتقدم جنوده في أكثر المواقع تقدما على جبهة القتال، 250 م فقط تفصل بين القائد المتقدم والعدو المتربص ،الذي صوب اليه طلقاته الغادرة، ليستشهد بين جنوده
فيروي بدمائه الذكية أرض الوطن من أقصى جنوبه الى أقصى شماله، ولتؤكد ثقة المصريين في قواتهم المسلحة وقدراتها على تحقيق النصر. فسيرة الشهيد تحمل رسالة لكل مصري محب لتراب هذا الوطن عنوانها : التضحية والفداء والانتماء. فهو إنسان عاش بسيطاً في حياته.. عظيماً فى مماته، علماً فى خلوده، وكأن المولى “عز وجل” أراد أن يتوج حياة هذا البطل باستشهاد رائع حتى يظل منارة للأجيال المقبلة من بعده .
و الشهيد عبد المنعم رياض يعتبر رمزاً شامخاً لجيل من القادة العسكريين المصريين، من الذين تم صناعتهم وسط أتون المعارك وهدير المدافع مع العدو الصهيوني ، كما اثقلته دراساته المتعددة وثقافته المتنوعة ، عاش راهبا في محراب الجندية الى أن استشهد وهو في الخمسين من عمره، لم يتزوج لأن السنوات التي كان يستطيع فيها الزواج قد انقضت، وهو في دراسات بعيدة أو في مواقع خدمة في المعسكرات، وهو كما قال: لم يعد لديه وقت للتفكير فيه، لأنه أراد أن يعطي حياته كلها للمعركة القادمة !! وقد كان .
وقد ضرب المثل الأعلى في الترفع عن الصغائر، والبعد عن المظاهر، والشجاعة والتفاني والإخلاص في خدمة الوطن ، كان شديد الاعتزاز بنفسه ،لا يقبل الإهانة من أحد مهما علا مركزه، وفى الوقت ذاته جم التواضع، سريع الألفة مع الناس مهما قلت مراتبهم، متفانياً في عمله وواجبه، يحترم قاداته ويحنو على أبنائه في العمل، ولم يجد غضاضة فى أن يشاركهم حياتهم على الجبهة، ولم يغير مسكنه الذى كان يقيم فيه بمصر الجديدة، وهو شقة من أربع غرف فى شارع جانبى صغير، وكانت تشاركه فيها شقيقته، وهى أستاذة بكلية العلوم بجامعة عين شمس. و يرى الجميع تواضعه وبساطته فى حياته الخاصة، ونلمح رغباته الشخصية المتواضعة، فقد كانت من أهم أمنياته الحصول على قطعة أرض صغيرة يزرعها بنفسه بعد إحالته للتقاعد ، فكان يقول : ( عندما يجيء السلام سوف أبحث عن قطعة أرض صغيرة ، وأبنى عليها بيتاً صغيراً تحيطه الزهور، وسوف أقرأ كثيراً وربما فكرت أن أكتب، وقد تكون هناك زوجة ترضى بالعيش مع عجوز مثلى )
والشهيد عبدالمنعم رياض لم يكن قائداً عسكرياً شجاعاً فقط ، بل كان مفكرا استراتيجيا أيضا، كان يؤمن أيمانا عميقا بدور العلم في الصراع والمواجهة مع العدو، ويرى أن هذا الأمر هوما يميزه علينا . كما كان بالإضافة إلي علمه العسكري وخبراته العسكرية ، مثقفاً رفيعا واسع الاطلاع لا تتوقف حدود معرفته عند الفكر الاستراتيجي فقط، بل تمتد لتشمل الآداب والفنون، فقد كان يتذوق الشعر والموسيقى، ويتابع الفنون الراقية ، ويشاهد المسرح والأوبرا ويستمتع بالباليه، يجيد عدة لغات يتحدث بها بطلاقة، وهي الإنجليزية والفرنسية والألمانية والروسية ، ولهذا لم يكن غريباً أن تخرج منه أراء مهمة كانت لها أثارها الايجابية علي قواتنا المسلحة ، ولذلك اطلق عليه لقب حكيم العسكرية المصرية، فقد تحولت العديد من اقتراحاته الى قرارات جمهورية .
فهو الذي اقترح توسع القوات المسلحة فى تجنيد حملة المؤهلات العليا وإلغاء القرعة فى التجنيد، وكان رأيه أن القرعة لا تصلح الا لأوراق اليانصيب، ولا تصلح وسيلة عملية للتجنيد، فالجندي المتعلم يستخدم سلاحه استخداماً فنياً صحيحاً ويصونه ويتحد معه، وأيضاً لا يستغرق تدريبه أكثر من ربع المدة اللازمة لتجنيد الآخرين، وهذا يخدم استراتيجيتنا فى تكوين جيش قوى وعالي الكفاءة في أقل وقت ممكن، وعرض هذا الاقتراح على الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، الذى اقتنع به وأصبح الاقتراح قراراً جمهورياً بتجنيد حملة المؤهلات العليا .
كان يدرك الأطماع الأمريكية للمنطقة ويرى أن اسرائيل ما هي الا دولة وظيفة ، وهي بمثابة حاملة طائرات أو قاعدة متقدمة هدفها حماية المصالح الغربية بإضعاف الدول العربية بتمزيقها ومنع تقدمها واستنزاف مواردها وقد تنبأ بالغزو الأمريكي للعراق حيث قال إن بترول أمريكا سوف يبدأ في النفاذ وستتطلع إلى بترول العراق خلال 30 عام تقريبا) . وها هو التاريخ يؤكد صحة هذا !!
كان حريصا علي عدم الزج بالقوات المسلحة في أي صراع سياسي بعد ما حدث في67، أو حتى استخدامها لحفظ الأمن والنظام عندما تعجز الشرطة على القيام بدورها، الأمر الذي قد يعرضها للاحتكاك بالمواطنين ويبعدها عن دورها الاساسي في التصدي لأعداء الوطن، ولذلك فقد اصابه القلق الشديد عندما تحولت مظاهرات الإسكندرية الى اعمال شغب وتخريب، خوفا من ان يتم الاستعانة بقوات من الجيش لحفظ الأمن والنظام ،و كان يقول كما يذكر الأستاذ هيكل : (إننى أدعو الله أن لا أعيش، وأرى يوماً تنزل فيه قوات من الجيش لحفظ الأمن والنظام في الشارع ) .وقد استجاب الله لدعائه حتى لايرى ما حدث بعد ذلك في زمن الذل والهوان !! كم كان هذا الرجل عظيما؟ مخلصا لتراب وطنه مضحيا من أجله، ولهذا سوف يبقى خالدا في وجدانه، وهو كما قال : إن الجنود القدامى لا يموتون.. ولكنهم يبتعدون فقط .
لم تمر عملية قتل الصهاينة للفريق أول “عبد المنعم رياض” رئيس أركان حرب القوات المسلحة المصرية فى يوم 9 مارس 1969 بدون رد من القوات المسلحة المصرية .
فور انتهاء الجنازة الشعبية الحاشدة للشهيد عبد المنعم رياض ، طلب الرئيس جمال عبد الناصر من وزير الحربية الفريق أول ” محمد فوزى ” وضع خطة للثأر من قتلة الشهيد عبد المنعم رياض.
كلف الفريق أول محمد فوزى البطل الأسطوري ” إبراهيم الرفاعي ” قائد المجموعة 39 قتال بوضع خطة الثأر للشهيد عبد المنعم رياض.
في يوم 19 أبريل 1969،والذى وافق ذكرى مرور 40 يوم على استشهاد الفريق أول عبد المنعم رياض ، عبر إبراهيم الرفاعي ومجموعة من أعضاء مجموعته قناة السويس نحو سيناء ليدمروا النقطة الحصينة لموقع لسان التمساح، شرق بحيرة التمساح ، وهو الموقع الذي أطلقت منه القذيفة التي قتلت الشهيد عبد المنعم رياض، ذبح الرفاعي ورفاقه أفراد الموقع الإسرائيلي بسونكي الكلاشينكوف، ثم حولوا دشم الموقع الثلاثة إلى كتلة من النيران المتأججة ، ثم عبروا عائدين لموقعهم بغرب القناة بعد أن دمروا الموقع بالكامل و قتلوا جميع أفراده والبالغ عددهم 44 فرد.
بعد العملية تقدمت إسرائيل بشكوى للأمم المتحدة بحجة أن أسلوب الذبح بالسونكي يعتبر تمثيلاً بجثث جنودها.
عندما قابل الرئيس “جمال عبد الناصر” البطل “إبراهيم الرفاعي” ورفاقه من أبطال العملية من المجموعة 39 قتال لتكريمهم على بطولاتهم.
قال الرفاعي للرئيس عبد الناصر: بمناسبة لسان التمساح ، احنا آسفين يا ريس لو كنا سببنا مشكلة في الأمم المتحدة.
فكان رد الرئيس عليه : اذبح الصهاينة براحتك يا إبراهيم، وسيب الأمم المتحدة عليا أنا.