الكاتب: عبير بسّام – موقع الخنادق
الثلاثاء 20 شباط , 2024
الجسر البري بين الامارات واسرائيل عبر الأردن
كان من الممكن الحديث عن الخط البري البديل لقناة السويس البارحة بطريقة مختلفة تماماً عن اليوم. ولا نقصد بالبارحة أي أول أمس، ولكن خلال الأشهر الماضية، خاصة وأن هذا الخط افتتح خلال الحرب على غزة وبعد الحصار الذي فرضه اليمن على السفن والبضائع التي يمتلكها الكيان العبري أو تلك المتجهة إليه حتى يقوم الكيان بفك الحصار عن غزة.
خلال يوم الشهيد في اليمن خطب السيد عبد الملك الحوثي، قائد حركة انصار الله، خطاباً يجب أن يسجل كمفصل تاريخي هام في الرابع عشر من تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، في يوم الشهيد اليمني. إعلان السيد الحوثي يومها وضع الكيان وأصدقاءه ومناصرية في حيرة، واضطرت الولايات المتحدة لتمويل الكيان بالأسلحة عبر جسر جوي عسكري، في حين تقرر أن يفتح الطريق البري للبضائع من دبي في الإمارات “العربية” المتحدة إلى معبر سالم في الأردن، مروراً بكل من السعودية والأردن.
ولكن ما حدث خلال الأسبوع الماضي في الأردن، يجعل الكتابة في هذا الأمر يأخذ منحاً آخر، وهناك ثلاث فرضيات يمكن البحث من خلالها. الأول، أن المملكة الهاشمية ستبدأ باتخاذ إجراءات تتناسب وموقف الشعب الأردني الرافض لتمرير الشاحنات إلى الدولة العبرية وتأمر بإيقافها مما سيزيد الضغط على الحكومتين الصهيونية والأميركية من أجل تمرير المساعدات الغذائية والدوائية والماء والوقود إلى غزة، وبذلك ستتجنب الملكية الأردنية المواجهة مع الشعب وستثبت أن تصريحات الملكة رانية متناسبة فعلياً مع مواقف زوجها الملك عبدالله بما يتعلق بدعم غزة والشعب الفلسطيني.
والثاني، أن لا تتجاوب المملكة، وبالتالي فإننا سنشهد احتجاجات أكبر، خاصة وأن بعض من القضاة وأفراد من الجسم القضائي والضباط الكبار المتقاعدين، قد بدؤوا حركة من الإحتجاجات والمطالبات بموقف صارم للدولة الأردنية في مواجهة آلة القتل الصهيونية في غزة والضفة، ولم تقف حد المطالبات عند طرد السفير الصهيوني، بل هناك أصوات تدوي منذ العام 2019، بإنهاء اتفاقية عربة مع الصهاينة، واليوم هي ترتفع بشكل أكبر. إذا ترافق تصاعد الإحتجاجات واستمرت المملكة بتمرير الشاحنات، فهذا سيؤدي في النهاية إلى أيلول أسود جديد لأن المظاهرات ستقمع بقوة إذا ما تجاوزت الحد المسموح به.
والثالث، وهي فرضية مبنية على الثانية، وعلى الحقيقة التي مفادها أن عصب الجيش الأردني هما فئتان البدو الأردن، والشركس، وهؤلاء ولاؤهم مطلق للملك، ولكن كما قلنا فإن حالة الإحتجاج بين الضباط المتقاعدين، إذا ما انعكست على الضباط في الخدمة، فهذا سيؤدي إلى تصادم حقيقي في داخل الجيش واعتراضات من الداخل، ولن يجّز بسياسيين فقط في السجون، بل بالعسكر أيضاً. كما أن المواجهات التي شهدناها بين الأمن والمتظاهرين في الأيام الماضية لم تكن مباشرة، ولم نشهد اعتقالات، وهذا معناه أن المملكة والحكومة الأردنية لا تريد تصعيد الأمر، لأنها تعرف نتائجه الدموية، ولكن هناك شك بالقدرة على ضبط الأمور على طريقة أيلول الأسود 1970، فهذه المرة من بدأ التحركات ليس منظمة التحرير الفلسطينة، أو محاولة السيطرة على الأردن أو زرع الفوضى، فالسبب هذه المرة إنساني ويهدف نحو وقف جرائم الإبادة المعلنة والعلنية في غزة. وما سيزيد من تعقيد الأمور أن نسبة الفلسطينيين الأردنيين تصل إلى 65% من مجموع السكان.
بالعودة إلى الممر البري الذي يمتد من دبي إلى ميناء حيفا في فلسطين. ممر حاولت الحكومة الأردنية مراراً نفي وجوده، ولكن بعد الوقفة التي نفذّها الأردنيون عند معبر سالم من أجل منع مرور الشاحنات إلى فلسطين المحتلة لمنع دخولها إلى الصهاينة، والتي قام الأمن الأردني بتفريق الجموع بوابل شديد الكثافة من القنابل الدخانية لم يعد هناك مجال للنفي حول تشغيله وتورط الأردن.
وقع الإتفاق على تفعيل الطريق، منذ الشهر الخامس في العام الماضي، ولكن بعد أن أغلق اليمنيون الأحرار البحر الأحمر، ابتدأ مرور الشاحنات المعبأة بالبضائع الصهيونية في 16 من شهر كانون الأول/ ديسمبر الماضي، كجسر بري بديل لمرور البضائع عبر قناة السويس. تشغل هذا الطريق شركة تراكنت “Trakent” الصهيونية، ومن أجل إتمام الإتفاقية، تم التوقيع مع كل من بيورترانز “Puretrans FZCO” من دولة الإمارات والتي تعمل بالتعاون مع شركة موانئ دبي العالمية. وكلما بحثت عن الشر في منطقة البحر الأحمر والبحر العربي، فإنك ستجد اسم شركة موانئ دبي يلمع براقاً.
بحسب تصريح المدير التنفيذي لشركة تراكنت لموقع روتر العبري، حنان بيردمان، تستغرق السفينة أسبوعين ولكن يمكن وصول البضائع عبر الطريق من دبي إلى حيفا في أربعة أيام. صحيح أن التكلفة عبر البر أكبر من البحر ولكن الوقت أقصر بكثير. ولكن هنا علينا أن نعلم أن مشروع الطريق وقعت سلطة الإحتلال الإتفاق عليه في واشنطن، في 15 أيلول/ سبتمبر 2020. وسلطة الكيان، هي من قامت باقتراح الممر البري الذي يربط بين دول الخليج العربي، بما فيها السعودية، ووقع الإتفاق من قبل موانئ دبي العالمية ودوفرتور، “Dovertower”، الصهيونية. ومنذ ذلك الوقت بقي الإتفاق طي الكتمان ليتم تفعيله في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وللمعلومات فقط فإن هذا الطريق ينطلق من بلدين عربيين، وللأسف، وكانا أول من وقع اتفاق العار، المسمى باتفاق ابراهام، وهما البحرين والإمارات “العربية” المتحدة. وتبلغ مسافة الطريق من دبي إلى حيفا 2240 كم، وتستغرق 4 أيام للوصول إلى حيفا. وبينما تبلغ المسافة من البحرين إلى حيفا 1700 كم وتستغرق للوصول إلى ميناء حيفا يومين و7 ساعات. وقد صادقت وزارة دفاع الكيان والحكومة على هذا الإتفاق، وكانت المراحل التجريبية ناجحة وقد بدأت فعلياً ووصلت في 17/ 12 أول 10 شاحنات دون أن يطلق عليها رصاصة واحدة. وبحسب سبوتنك فإن أصحاب الشاحنات والعملاء الذين يحتاجون إلى وسائل النقل يستخدمون تطبيق النقل الصهيوني “Traknet”.
خط النقل هذا، يعد طريقاً جانبياً للطريق الذي يأمل الرئيس الأميركي، جو بايدن، لوضعه في الخدمة من الهند إلى حيفا، ولكنه سيشكل منافسة لخط بايدن أو مشروع الممر الكبير القادم من الهند، ولكن في الوقت الحالي ليس بالإمكان الوقوف ضده، ويمكننا أن نفهم بذلك سبباً آخر لجنون العجوز جو والأميركيين في البحر الأحمر. ولكن المقاومة التي هاجمت البرج 22 في الأردن، هل ستقف عاجزة عن وقف سيل الشاحنات الصهيونية المتجهة إلى فلسطين عبر الخط البري في إطار دعم غزة. وبانتظار ماذا سيفعله الأردنيون الشرفاء أولاً، فإن غداً لناظره قريب!
الكاتب: عبير بسّام
-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU