د. منذر أبو مروان اسبر
٣٠ أيلول ٢٠٢٤
كان الانفصال الذي قامت به عام 1961 عصبة عسكرية جهوية في قلب العروبة النابض، بقيادة عبد الكريم النحلاوي.
لقد تم الانفصال كثورة مضادة للثورة الوحدوية العربية باسم الأيديولوجيا الديمقراطية، وكأن الوحدة بين مصر وسوريا لم تكن مسألة ديمقراطية، برلمانياً واستفتاءً شعبياً، وبما حققته من منجزات اجتماعية تقدمية شعبية انتقالية إلى العصر الحديث.
اليوم نحتاج إلى إعادة النظر بما تم وعلى حد سواء “ديمقراطياً” و”قومياً”، لأن التجربة أثبتت أنه ليس كل ديمقراطي سيادي، وأن كل قومي ليس وحدوياً. ذلك أن ما جرى باسم الديمقراطية انفصالاً بين دمشق والقاهرة لم يقدم على طريق الديمقراطية الانفصالية سوى استعادة التابعية الطرفية، كما أن ما جرى باسم القومية الرائدة في العراق وسوريا لم يثمر إلا عن تفكيك الأمة العربية.
نصل بذلك إلى مفارقتين، الأولى أن الوحدة ضد الديمقراطية، والثانية أن القومية ضد الأمة.
لقد خلق ذلك أزمة مزدوجة مستمرة، حيث تحولت الديمقراطية لدى بعض النخب السورية العسكرية والمدنية إلى مجرد صراع جغرافي سوري على السلطة ضد مصر، مثلما تحولت القومية العربية بعدها إلى وجه آخر للصراع على السلطة السياسية جغرافياً بين النخب الحاكمة في العراق وسوريا.
الإشكالية السلطوية السياسية ليست جديدة، فلقد تم طرح مشروع الاتحاد بين سوريا والعراق وأجهض سريعاً، لأن الاتحاد اختزل على طبيعة السلطة تحديداً في العراق وسوريا، ولا يوجد ما هو خارجها من إمكانية توحيد الاقتصاد زراعة أو تصنيعا أو تجارة، ولا توحيد البرامج الثقافية أو قوى المجتمع المدني.
وإذا كان الانفصال رداً عسفياً انقلابياً على وحدة تمت بالديمقراطية، برلمانياً واستفتاءً شعبياً، وذلك باسم الديمقراطية، فإن الانقلاب المتبادل عسكرياً بين العراق وسوريا على ميثاق العمل القومي عام 1978 قد تم باسم القومية “الرائدة” لكل منهما.
في الحالين، فإن “الديمقراطية” الانفصالية كانت تعمل ضد الديمقراطية الوحدوية، بينما عملت “قومية” ميثاق العمل القومي ضد الأمة العربية.
لا يمكن تفسير هذه الظواهر إلا في أن النخب العربية كانت نهضوية انتقالية من أوضاع سياسية إلى أخرى، خاصة مع ضعف القوى البرجوازية شبه الإقطاعية التي لم تحقق الثورة الوطنية الديمقراطية، أو ضعف القوى التقدمية البرجوازية الصغيرة الصاعدة التي فشلت في تحقيق الثورة الديمقراطية القومية.
من الوجهة التاريخية، فإن النخب العربية المعنية لم تكن نخباً عضوية لا للديمقراطية ولا للوحدة، بقدر ما كانت نخب مكتسبات مرحلية توظف مشاعر الجماهير وعواطفها وتطلعاتها، جاعلة – أي النخب – من السلطة المحلية مبدأ النظام الديمقراطي وهدفه، ومن السلطة القطرية هدف القومية الرائدة.
وبقدر ما يدعونا الانفصال إلى إدانته، بقدر ما يدعونا إلى طرح أن مبدأ الديمقراطية والوحدة معاً هو الشعب نفسه، مواطنة وحقوقاً وسيادة، وأن هدف الديمقراطية والوحدة هو واحد في تحرير الأرض والاقتصاد والأمة الواحدة، وأن كلاً من الديمقراطية والوحدة مسار تاريخي تراكمي – ثوري جديد.
د. منذر أبو مروان اسبر ،
اكاديمي وباحث،
عضو المكتب التنفيذي في هيئة التنسيق الوطنية.