القدس العربي
الجمعة , 15 نوفمبر , 2024
الخرطوم – «القدس العربي»: على الرغم من إعلان الحكومة السودانية، استمرار فتح معبر “أدري” الحدودي مع دولة تشاد، إلا أنها ما تزال تتهم جارتها الشرقية بتمرير الإمداد العسكري الإماراتي إلى “الدعم السريع” عبر ذات المعبر، إضافة إلى فتح مطاراتها وأراضيها في خدمة القوات التي يقودها محمد حمدان دقلو “حميدتي”، وهو الأمر الذي ظلت تنفيه السلطات في أنجمينا.
ضابط رفيع في الجيش قال لـ”القدس العربي”، إن تشاد فتحت مطاري “أم جرس” و”أبشي” منذ اندلاع الحرب لاستقبال الرحلات الجوية التي تنقل العتاد العسكري لقوات “الدعم السريع” من دولة الإمارات، كاشفا عن رصد نحو 500 رحلة لإمداد قوات “حميدتي”.
وتابع: “كذلك توفر تشاد المقرات الآمنة لقيادات الدعم السريع ومعسكرات تجنيد المرتزقة، بالإضافة علاج مصابين قوات حميدتي في مستشفيات وترتيب سفرهم إلى دول أخرى”.
وإضافة إلى المطارين، تمر الأسلحة، حسب الخرطوم، من خلال معبر “أدري”.
وقبيل إعلان مجلس السيادة السوداني تمديد فتح المعبر، لإيصال المساعدات الإنسانية بساعات، كشف مندوب الخرطوم في مجلس الأمن، الحارث إدريس، عن رصد دخول معدات عسكرية لقوات “الدعم” عبر المعبر.
وقال خلال كلمة له في مجلس الأمن، أمس الأول: خلال الفترة ما بين 18 سبتمبر/ أيلول إلى 24 أكتوبر/ تشرين الأول من هذا العام، تحركت 150 شاحنة إغاثة من أدري إلى مدينة الجنينة بحراسة الدعم السريع 30 منها تحمل أسلحة متطورة ومضادات للطيران، ومنها شاحنات تحمل مدافع ثقيلة وذخائر متنوعة.
ولفت إلى وجود 8 شاحنات أخرى على متنها شحنات حمولتها غير واضحة.
وأشار إلى جرارات تحمل أسلحة للميليشيا تحركت من منطقة فرشنا التشادية ضمن شاحنات الإغاثة عبر معبر أدري إلى الجنينة. ولكن عند دخولها للأراضي السودانية تحولت صوب مدينة الطينة ومن ثم عادت إلى الجنينة.
ويربط معبر “أدري” ولاية غرب دارفور بالحدود الشرقية لتشاد ويعد المنفذ الرئيسي الآن لإيصال المساعدات الإنسانية إلى إقليم دارفور وبعض المناطق في ولايات كردفان.
ووجد قرار تمديد فتح المعبر ترحيبا من الولايات المتحدة والأمم المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
وتصاعدت التوترات بين السودان وتشاد، على خلفية تبادل البلدين عدة اتهامات، حيث ألمح بيان للخارجية التشادية، الجمعة الماضية، إلى أن السودان متورط في مقتل الرئيس التشادي السابق إدريس دبي، كما اتهمت الخرطوم بتمويل وتسليح الجماعات” الإرهابية” العاملة في المنطقة بغرض “زعزعة استقرار” تشاد.
في حين، أعربت عن سخطها العميق إزاء الاتهامات المتكررة من الجانب السوداني عن دعم قوات “حميدتي”، مشيرة إلى أن هذه الاتهامات “لا أساس لها من الصحة”.
في المقابل، قالت الخارجية السودانية، السبت، إن البيان الذي أصدرته انجمينا “ينكر الحقائق التي يعلمها المجتمع الدولي باعتبارها تشكل دولة معبر للأسلحة والمرتزقة إلى قوات الدعم السريع”.
وأضاف البيان: “الإسناد المستمر من النظام التشادي للميليشيا الإرهابية لا يحتاج لمزيد من الشرح في ضوء التفاصيل والوقائع التي وثقتها صور الأقمار الصناعية وتقارير خبراء الأمم المتحدة وعدد من المنظمات الدولية والتحقيقات الميدانية الاستقصائية للإعلام الدولي لتورط النظام التشادي في العدوان على السودان”.
الأسبوع الماضي، أعلن وزير العدل السوداني، معاوية محمد خير، تقديم شكوى رسمية ضد تشاد أمام اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب بشأن انتهاكها لأحكام الميثاق الإفريقي ودعمها “ميليشيا الدعم السريع” والمساهمة في استمرار الحرب في السودان.
وبين الوزير السوداني إن بلاده سلمت مطلع الشهر الجاري الشكوى مسنودة بالأدلة والبراهين بقيام تشاد بتسهيل نقل الأسلحة والذخيرة داخل أراضيها لقوات حميدتي التي ارتكبت انتهاكات خطيرة وواسعة النطاق في السودان. وزاد، أن تشاد ملزمة بدفع التعويضات المناسبة للسودان عن الأضرار الواقعة والمحتمل وقوعها على الأشخاص والممتلكات واقتصاد البلاد. وأشارت الحكومة إلى أن تقرير فريق خبراء الأمم المتحدة قد أكد ضلوع دولة الإمارات في إمداد قوات الدعم السريع بأسلحة وذخائر عبر شرق تشاد وأن طائرات الشحن الإماراتية كانت تهبط عدة مرات أسبوعيا في عدة مطارات تشادية.
وتمتد الحدود السودانية التشادية على طول 1403 كلم غربي السودان، حيث تربط المثلث الحدودي مع ليبيا شمالا وصولا إلى أفريقيا الوسطى في الجنوب.
وبعد اتهامات متبادلة بدعم المعارضة في البلدين، وقعت حكومتا الخرطوم وانجمينا في مطلع يناير/ كانون الثاني 2010 بروتوكولا أمنيا وعسكريا أنشئت على إثره قوات سودانية تشادية مشتركة، تزامن ذلك مع هدنة سياسية بين الجانبين استمرت لأعوام، بينما انتشرت تلك القوات على امتداد الحدود الشاسعة للبلدين.
واستمرت تلك القوة المكونة من 3000 جندي و360 شرطي بالمناصفة بين البلدين، في اداء عملها حتى اندلاع الحرب السودانية منتصف أبريل/ نيسان من العام الماضي حيث كانت تعمل على مراقبة الحدود ذات التداخل القبلي، غير المستقرة بين البلدين والتي شهدت صراعات واسعة. إلا أن الحال تبدل، بعد تمدد قوات “الدعم السريع” في المناطق المحاذية لتشاد، حيث اتهمت الحكومة السودانية نظيرتها التشادية بتسهيل مرور أمداد عسكري إماراتي لقوات “الدعم السريع” عبر أراضيها واستخدام مطاراتها لذات الأغراض.
عقب اندلاع الحرب أعلنت السلطات التشادية إغلاق الحدود مع الجانب السوداني لكن رغم ذلك فر مئات الآلاف من المدنيين من جحيم الحرب التي تصاعدت مرة أخرى في إقليم دارفور إلى معسكرات اللجوء في تشاد.
وحسب مصادر عسكرية تحدثت لـ “القدس العربي”، نشرت السلطات التشادية تعزيزات عسكرية غير مسبوقة على طول الحدود الفاصلة بين البلدين منذ سبتمبر/أيلول الماضي، بالإضافة إلى تشديدها على إجراءات الأمنية على الحدود مع السودان بالتزامن مع تصاعد العمليات العسكرية في دارفور.
أسباب عدة تدفع تشاد، لدعم زعيم قوات “الدعم السريع”، حسب مصدرين من الحركات المسلحة الداعمة للجيش السوداني.
إذ إن “التقاطعات الاجتماعية وصلة الدم، بين حاكم دولة تشاد محمد دبي وبعض فصائل الحركات المسلحة في دارفور لم تثنه عن دعم غريمه التاريخي حميدتي”، وذلك حدث بسبب الضغوط والحوافز التي قدمتها دولة الإمارات لدولة تشاد، حسب ما قال قيادي في الحركات المسلحة المتحالفة مع الجيش، لـ”القدس العربي”.
وزاد، مفضلا حجب اسمه، إن “محمد دبي عندما تسلم الحكم في تشاد عقب وفاة والده بفترة قليلة من اندلاع الحرب في السودان، كان في أمس الحاجة لتعزيز سلطته عبر إبعاد منافسيه وتوفير دعم مادي لإنشاء مشروعات اقتصادية تخلق له التفافا شعبيا. وذلك لا يتأتى إلا عبر دعم خارجي وفرته الإمارات مقابل فتح المطارات وإمداد حليفها حميدتي عبر الأراضي التشادية”.
وأشار إلى أنه “عند اندلاع حرب السودان، (كان دبي) يحكم الدولة عبر المجلس العسكري وعلى مقربة من موعد انعقاد الانتخابات في تشاد، كان يحتاج إلى الشرعية وكسب التنافس الانتخابي الذي يتطلب بدوره أموالا وفرتها أبو ظبي مقابل تنفيذ أجندتها ومصالحها في المنطقة”، وفق القيادي العسكري.
ورأى أن “النظام التشادي كان يخشى كذلك من قوات المعارضة التي تتواجد في الحدود مع دولة ليبيا ومناطق سيطرة اللواء المتقاعد خليفة حفتر الموالي للإمارات، والقوات المتحالفة مع الدعم السريع، وتخوف أنه حال رفض دعم قوات حميدتي سيكون نظامه في مرمى نيران المعارضة المسلحة وحلفاء الإمارات”.
ونوه إلى أن “سماح دبي بتمرير السلاح ودعم قوات حميدتي، وجد معارضة كبيرة من داخل أسرة الرئيس وبعض القادة العسكريين لكنه قابل ذلك بإقالة 50 جنرال في الجيش”.
ويتقاطع كلام مصدر آخر في الحركات المسلحة “القدس العربي”، مع تصريحات القيادي العسكري، إذ يؤكد أن دعم ” تشاد قوات “الدعم السريع” سببه المال، وتعزيز شرعية دبي، والتخلص من المعارضة المسلحة”.
وأضاف لـ” القدس العربي” من دون كشف هويته، “في المقابل، وعلى الرغم من دعم حكومة تشاد لقوات الدعم السريع، إلا أن الأخير استقطب المجموعة المسلحة المعارضة للنظام هناك، حيث قاتلت إلى جانب قوات حميدتي”.
وتابع: أن “مجموعة كبيرة من عناصر وقادة المعارضة في تشاد قاتلوا إلى جانب الدعم السريع وتم القضاء عليهم في الفاشر والخرطوم والجزيرة، كما تم الحد من فاعلية قوات المعارضة الأخرى في الحدود مع ليبيا، الأمر الذي يصب كذلك في مصلحة نظام محمد دبي”.