1 أكتوبر 2023
تركيا بالعربي – متابعات
مشغل أحمد خاوٍ من العمال -إسطنبول – أيلول/2023مشغل أحمد خاوٍ من العمال -إسطنبول – أيلول/2023
مقاعد فارغة وماكينات خياطة عاطلة وورشة شبه خاوية من العمال. هكذا هو حال ورشة أحمد صاحب أحد مشاغل الخياطة في منطقة “كوتشوك تشكمجي” في إسطنبول، فثلاثة عمال معه فقط هم من يمنحون الاستمرارية لمشغله وينقذونه من مصير ورشات أصدقائه الأربع التي أغلقت مؤخراَ بعد تراجع أعمالهم وخساراتهم الفادحة.
لم تمر حملات الترحيل المكثفة على سوق العمل السوري في إسطنبول مرور الكرام، فخلقت معها فجوة في اليد العاملة. وأتت العنصرية الممارسة ضد الأجانب عموماً والسوريين خصوصاً وكانت القاضية وتسببت بإغلاق الكثير من أعمال السوريين بعد إضرارها بالسوق الخارجي العربي السوق المستهدف الأساسي لأحمد وغيره الكثير من أصحاب الأعمال السوريين في إسطنبول كما ذكر في حديثه لموقع تلفزيون سوريا.
ترحيل المخالفين وغياب بدائل
أفضت الحملات الأمنية الأخيرة إلى جر أعداد كبيرة من العاملين من مختلف الصناعات في إسطنبول إلى مراكز الترحيل، وألزمت الكثير من العمال المخالفين على مستوى مكان الإقامة بالبقاء في بيوتهم تهرباَ من دوريات الشرطة كحال 13 عاملاً من ورشة أحمد، في حين دفعت آخرين إلى البحث عن الاستقرار في مكان آخر حتى ولو تطلّب ذلك سلوك طرق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا كما فعل خمسة عمال من منشأة أمين الصناعية لإنتاج الأثاث المنزلي الكائنة في منطقة سلطان غازي، ما سبب أزمة في اليد العاملة ستستمر مع استمرار الحملة الأمنية، كما يقول أمين في حديثه لموقع تلفزيون سوريا.
يوضح الشاب الأربعيني صاحب المنشأة أن ترحيل المخالفين يخلق نقصاً كبيراً في اليد العاملة بسبب عدم كفاية العمال من حملة “كيملك” إسطنبول وعدم قدرتهم على تغطية الحاجة، ويستند بذلك إلى بيانات منشأته كنموذج حيث يعمل في مصنعه 32 موظفاً سورياً 10 منهم فقط يحملون “كيملك” إسطنبول.
وحتى في حال التفكير بتعويض نقص العمال السوريين بالأتراك يشير أحمد إلى أنه أمر غير وارد بسبب عدم إقبال الجيل الجديد من الأتراك على هذا النوع من المهن لذلك يعتمد أصحاب مشاغل الخياطة في إسطنبول بشكل أساسي على العمال السوريين.
مشغل أحمد خاوٍ من العمال -إسطنبول – أيلول/2023
ورشة بعيدة عن أعين الشرطة
مع تفاقم مشكلة نقص العمالة السورية تسربت معالمها إلى الفضاء الإلكتروني، فرصد موقع تلفزيون سوريا شكوى أصحاب الأعمال من شح اليد العاملة بسبب الترحيل على مجموعات “الواتس أب”، كما تداولت مواقع التواصل الاجتماعي في الشهر السابع مقطعاً مصوراً لصاحب ورشة خياطة سوري يشكو فيها نقص العمال حيث انخفض عدد عماله من 200 إلى 10 عمال بعد الحملة الأمنية في إسطنبول، ويدعو صاحب المقطع العمال المتقنين لصنعته إلى العمل معه ويستعرض كون ورشته بعيدة عن أعين الشرطة كميزة للعمال من حملة “كيملك” ولاية أخرى بحسب ما جاء في الفيديو.
إما مخالفون أو عاطلون عن العمل
تبرَر الحملات الأمنية المستهدفة للسوريين المخالفين في إسطنبول على مستوى مكان الإقامة في القانون التركي على أنها إجراء لتنظيم تنقل السكان وحماية الأمن العام رغم أن حرية التنقل هي حق أساسي لكل فرد مشار إليه في المادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وينعكس هذا التقييد سلباً على استقرارهم الاقتصادي وحريتهم في اختيار العمل فيطيح بحق آخر من حقوقهم المصدّق عليها دولياً في المادة 23 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على حق كل شخص في العمل وفي حرية اختياره عمله وفي شروط عمل عادلة ومرضية وفي الحماية من البطالة.
وتلعب تكوينة السوق التركي الذي تشكل إسطنبول فيه المقر الرئيسي لعدة صناعات دوراً كبيراً في زيادة التعقيدات على العمال المخالفين وتضعهم أمام خيارين إما البقاء في إسطنبول والمخالفة أو العودة لمحافظاتهم ومواجهة البطالة هناك وذلك بسبب تموضع وثقل الأعمال -التي تتقنها شريحة كبيرة من السوريين- في محافظة إسطنبول بشكل أساسي
ويجمع كل من أمين وأحمد على أن الولاية الرئيسية التي تتوفر فيها فرص عمل للعاملين في مجالاتهم هي إسطنبول وتمثل هذه المحافظة المكان الأمثل الذي يستطيع العمال البقاء فيه مع قلة الرواتب في المحافظات الأخرى وشح فرص العمل المترافقين مع الغلاء في المعيشة.
طاولة أحد العمال المرحلين من مصنع أمين – إسطنبول – أيلول/2023
وعن مساعي منظمات المجتمع المدني لحل مشكلة تقييد التنقل؛ يقول مدير منير منظمات المجتمع المدني محمد أكتع إنه في المناصرة الفعالة يجب الضغط باتجاه الدائرة التي تخدم جميع الأطراف فليس من مصلحة تركيا والسوريين بقاء المخالفين في إسطنبول التي تعاني أزمة كثافة سكانية تدفع الحكومة لتشجيع حتى المواطنين الأتراك على مغادرتها خاصة أن إسطنبول هي الأخرى مدينة مهددة بالزلزال.
لذلك يطرح المنبر حلاً آخر لتخفيف حدة آثار تقييد التنقل حيث يقوم بإعداد دراسة ستقدم لوزارة الداخلية لتحسين الأمور حيث تقترح الدراسة أن تقتصر المطالبة بإذن السفر على المحافظات الكبيرة فقط ذات الكثافة السكانية العالية والإعفاء منه عند الرغبة بالذهاب للمحافظات الأخرى وبذلك يصبح لدى السوريين خيارات أخرى في حالة تعذر الحصول على عمل في محافظاتهم.
تضييقات ما بعد الترحيل
ولا تقتصر أسباب شح اليد العاملة السورية في إسطنبول على ترحيل المخالفين أو هجرتهم لأماكن أخرى فحسب فحتى العمال من حملة “كيملك” إسطنبول باتوا يبحثون عن الاستقرار في أماكن أخرى خوفاً من قوانين وتضييقات جديدة قد تطولهم كما فعل زوج لينا، بحسب ما وضحت في حديثها لموقع تلفزيون سوريا
تقول لينا إنه على الرغم من امتلاك زوجها وكامل عائلتها لوثيقة الحماية المؤقتة في إسطنبول إلا أنه قرر سلوك طريق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا فور إتمامه ادخار المبلغ المطلوب لإتمام عملية التهريب وذلك بسبب مخاوفه من تضييقات مستقبلية قد تطوله وأسرته بعد سلسلة من الإجراءات الخانقة بحق السوريين كما تقول لينا.
العنصرية تطيح بالسوق المستهدف
إضافة لتسبب الترحيل بتراجع أعمال السوريين كان للخطاب العنصري أثر أشد وطأة على قطاع الأعمال في إسطنبول فعلى الرغم من عدم وجود بيانات رسمية مفتوحة تؤكد تضرر الصناعيين السوريين من تراجع تصدير بضائعهم لبعض الأسواق العربية يجزم أحمد أن العنصرية كانت سبباً رئيسيا لتراجع الطلب الخارجي من البلدان التي يستهدفها قطاع الألبسة في إسطنبول فعدم تقبل الأجانب في تركيا وارتفاع حدة الخطاب العنصري خلقا مخاوف لدى أصحاب رؤوس الأموال في البلدان العربية المستهدفة وجعلتهم يعزفون عن استثمار أموالهم في استيراد البضائع التركية، ما كلف قطاع الألبسة خسائر فادحة وسبب إغلاق العديد من المشاغل والورشات في إسطنبول كما يزعم أحمد.
ومن مصدر آخر… أجرى موقع تلفزيون سوريا استبياناً شمل 27 سورياً (15عاملاً و12 صاحب عمل) في القطاع الصناعي لبحث وضع أعمالهم في الفترة الحالية، ووفقاً لنتائج الاستبيان أشار ما يقارب 90 بالمئة من المشاركين إلى تراجع أعمالهم في العام الأخير أو في الستة أشهر الأخيرة.
ووفقا للنتائج، حصر ما يقارب 93 بالمئة من المشاركين أسباب التراجع بـ”العنصرية التي أثرت على سوق التصدير الخارجي” و”سياسة الترحيل التي أدت إلى نقص اليد العاملة ” إضافة إلى “الأزمة الاقتصادية الأخيرة وعدم استقرار العملة” في حين وجد شخصان من إجمالي المشاركين أن التراجع يعود لأسباب أخرى.
وعند السؤال عن أسباب التراجع سمح للمشاركين اختيار أكثر من إجابة ووفقاً للبيانات لعبت “العنصرية ” التي أثرت على سوق التصدير الخارجي الدور الأكبر في تراجع أعمال السوريين في إسطنبول بعد أن حددها أكثر من 77 بالمئة من المجيبين كسبب لذلك، وتفوقت “سياسة الترحيل المتسببة بنقص اليد العاملة “على “الأزمة الاقتصادية وعدم استقرار العملة” في أثرها السلبي على أعمال السوريين بعد أن حددها 61.5 من إجمالي المجيبين مقابل ما يقارب 54 بالمئة للأزمة الاقتصادية وعدم استقرار العملة.
أدى تصاعد الخطاب العنصري ضد الأجانب في تركيا إلى تحرك الدولة والإعلام في الشهر الأخير للحد من هذه الظاهرة وأفضى التحرك إلى حملات اعتقال طالت شخصيات محرضة تزامنت مع حملة إعلامية لصحفيين أتراك منددة بالعنصرية بالإضافة لتصريحات شخصيات رفيعة المستوى تنتقد الخطاب العنصري منهم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وفي حالة السوريين لم تقتصر آثار التمييز والعنصرية على ممارستها ضدهم فحسب بل إن تفشيها في تركيا تسبب بحجب مصادر أساسية لرزقهم وأثّر على سوقهم المستهدف العربي الذي طاله جانب من العنصرية المتنامية مؤخراً في تركيا.
وضمن مساعيه لمحاربة هذه الظاهرة يقول أكتع إن منبر منظمات المجتمع المدني أطلق برنامج “هارموني” وهو مشروع إعلامي ناطق باللغة التركية يتوجه يخاطب الرأي العام التركي لتصحيح بعض المفاهيم الخاطئة المتعلقة بالسوريين ويسلط الضوء على أهمية وجود السوريين في تركيا وسلبية الخطاب العنصري المتزايد في تركيا وفقاً لما وضح أكتع.
لا تتوقف تبعات الخطاب العنصري والسياسات الممارسة في ملف اللجوء السوري عند آثارها الآنية بل تترك نتائج سلبية على الأمد الطويل تطول حياتهم الاقتصادية وتعرقل محاولاتهم في تحقيق الاستقرار والتأقلم في بلد اللجوء ما يستوجب دراسة أكثر جدية لأي خطوة متبعة قد تعود بعواقب سلبية على ما يقارب 3.3 ملايين لاجئاً ولاجئة.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من منظمة صحفيون من أجل حقوق الإنسان JHR”
المصدر: تلفزيون سوريا – مزنة عكيدي