مقالات رأي – أسامة آغي – نداء بوست
2022/07/7
تشهد الساحة السياسية لقُوى الثورة والمعارضة سجالات مختلفة حول القرار 2254، هذه السجالات لا تتمّ عبر قراءة متأنية لمحصلة ميزان القوى بين النظام الأسدي وحلفه من جهة، وبين قوى الثورة العسكرية والسياسية وحلفها من جهة أخرى، فالقراءة المتأنية لحدث سياسي أو فعل عسكري، تحتاج الابتعاد عن الرغبات الدفينة، التي تعتمل في أنفسنا، وتتحكم كثيراً برؤيتنا لهذا الحدث أو الفعل.
إن القرار 2254 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في الثامن عشر من شهر كانون الأول عام 2015، لم يكن قراراً بعيداً عن الواقع الحقيقي للصراع بين النظام الأسدي وحلفه الروسي والإيراني والميليشياوي، وبين قوى الثورة السورية بفصائلها العسكرية وقواها السياسية والإعلامية من جهة أخرى، فدفة الصراع آنذاك، كانت تميل لمصلحة النظام بعد التدخل العسكري الروسي فيه، وهذا أضعف قوى الثورة في الميدان، وجعل القوى الدولية هي من تحاول صياغة قرار يتعلق بهذا الصراع ووقفه.
القرار منذ إقراره، حمل في طياته مفهوم التسوية السياسية، هذه التسوية، وردت في عبارة (يؤكد من جديد تأييده لبيان جنيف المؤرخ 30 حزيران/ يونية 2012، ويؤيد بيانَي فيينا في إطار السعي إلى كفالة التنفيذ الكامل لبيان جنيف، كأساس لانتقال سياسي بقيادة سورية، وفي ظل عملية يمتلك السوريون زمامها من أجل إنهاء النزاع في سورية، ويشدد على أن الشعب السوري هو من سيقرر مستقبل سورية”.
وهذا يعني استمرار الأزمة لسنوات طويلة، لأن أي تنفيذ لهذا القرار يحتاج إلى موافقة وتوافق طرفَي النزاع (النظام الأسدي وقوى الثورة).
إن الدفع بالقرار 2254 يحتاج ضغطاً على الأمم المتحدة وعلى الدول لإقناعهم بتنفيذه تحت الفصل السابع، وبدون ذلك يبقى هذا القرار قابلاً للتسويف والالتفاف عليه، مما يعقّد الصراع السوري، ويبقيه بؤرة لصراعات تنتقل منه إلى دول الجوار والمنطقة، وهو ما يهدّد الاستقرار والسلم الدولييْنِ.
إن القرار الدولي 2254 أحال الصراع في سورية إلى منصة التسوية، وهذا يعني أن لا انتصار عسكرياً لأي طرف من طرفيه، ويعني تغييراً سياسياً في بنية الحكم والدولة، هذا التغيير يقوده السوريون، وهما قوى الثورة والمعارضة من جهة، والنظام الأسدي من جهة أخرى.
جوهر هذا الكلام، يعني شراكة سياسية بين جهة تمثّل النظام الأسدي وبين قوى الثورة والمعارضة، على قاعدة انتقال سياسي يكفله بيان جنيف1 وبيانَا فيينا والقرار 2118 و2254.
وباعتبار أن الانتقال السياسي ليس تغييراً بشخصيات الحكم فحسب، بل بتغيير آليات الحكم وبنية الدولة، فهذا يعني تفكيك الاستبداد عبر رعاية الأمم المتحدة، والتي ينصّ قرارها على إجراء انتخابات شفافة يشارك فيها كلّ السوريين في داخل البلاد وفي خارجها، وتشرف عليها بشكل كامل الأمم المتحدة، منعاً لأي تزوير أو لعب بنتائجها.
الانتخابات لن تتم قبل الاتفاق على دستور جديد في البلاد، هذا الدستور يجب ألا يسمح بتركيز السلطات العليا في الدولة بيد حزب أو فرد، وأن تكون هناك مؤسسات دولة، تمتاز باستقلاليةٍ، وتحوز كل واحدة منها على السلطة المخولة بها، بموجب مهامها المقررة بالدستور.
وبالعودة إلى واقع الحال القائم في بنى المعارضة والثورة، وفي بنى النظام، فإنهما ما عادا اللاعبين الأساسيين في معادلة الصراع وهذه حقيقة، والبرهان عليها بسيط وواضح، فقوى الثورة، أي التنسيقيات والتيارات الثورية والأحزاب، كل هؤلاء غير قادرين على بناء إطار وطني جامع بينهم، وكل مجموعة منهم تعتقد أنها تملك أغلب الحقيقة، وهذه طامة كبرى، ما يعني أنهم ضعفاء ومتفرقون، ولا يستطيعون بهذه الحالة تغيير ميزان القوى لمصلحتهم، سيما، وأن مشروع الثورة السورية، بصيغته التي سار عليها بعد تراجع سلمية الثورة، ما عاد قادراً على إنجاز أي تغيير.
لننظر في بنية الوضع السوري بصورة أكثر واقعية، فسورية الحالية مقسمة إلى سلطات أمر واقع هي التالية:
أولاً، سلطة النظام وشركائه الروس والإيرانيين والميليشيات الطائفية القادمة من خلف الحدود، هذه السلطة، هي في حالة مدٍ وجزر، نتيجة تداخل مصالح أطرافها، وإمكانية تناقض هذه المصالح، وتحوّل التناقض إلى صراع.
ثانياً سلطة هيئة تحرير الشام، والتي تضع يدها على مناطق إدلب وبعض ريف اللاذقية وبعض قرى في حلب، هذه السلطة تمتاز بمواقفها الدينية المتشددة، سيما وأنها تنحدر تنظيمياً من منظمة القاعدة المصنفة دولياً كمنظمة إرهابية
ثالثاً سلطة الشمال المحرر، وتشمل مناطق عمليات درع الفرات وغصن الزيتون ونبع السلام، هذه المنطقة تخضع فعلياً لسلطة الحكومة المؤقتة، التي تتبع الائتلاف الوطني، وفيها توجد فصائل الثورة العسكرية التي تدعمها الحكومة التركية.
رابعاً سلطة منطقة شمال شرق سورية التي تُحكم مما يسمى قوات سورية الديمقراطية، والتي تتشكل من قوات الحماية الكردية المحكومة من كوادر حزب العمال الكردستاني المصنف كحزب مسلح إرهابي. هذه القوات تحكم ثلاث محافظات هي دير الزور والرقة والحسكة، بمساعدة أمريكية علنية.
إن التفاوض مع النظام الأسدي حول تنفيذ القرار 2254 يحتاج إلى أوراق قوة تفاوض توضع على الطاولة، ويحتاج إلى تعديل من مجلس الأمن لصيغة هذا القرار، بما يسمح بجدولة التفاوض زمنياً وتنفيذ جوهره كما يجب.
فلو أردنا معرفة أوراق قوة تفاوض قوى الثورة فماذا سنجد؟ سنجد بصراحة أن القرار العسكري لفصائل الثورة التابعة لوزارة دفاع الحكومة المؤقتة ليس بيد هذه الفصائل، وبالتالي ليس بإمكانها وضع وتنفيذ عمليات عسكرية تضغط بها على النظام في المفاوضات، لأن قرار الحرب ليس قرارها، وهو مرتبط بالقوى الإقليمية المنخرطة بالصراع في سورية.
نفس الأمر نجده لدى الميليشيات الأسدية، فقرار الحسم العسكري ليس بيدها، وهو خاضع لتفاهمات وترتيبات إقليمية ودولية، وهذه الحالة تنطبق على منطقتَي سلطة الأمر الواقع لهيئة تحرير الشام ولما يسمى قوات سورية الديمقراطية.
هذه الحالة، لا يملك أي طرف سوري تغييرها، وهذا يطيل من زمن عذابات السوريين النازحين واللاجئين في دول الجوار أو حيث يقيمون، كذلك فليس من مصلحة النظام الأسدي القبول بكتابة دستور جديد برعاية الأمم المتحدة، فهذا الدستور إذا ما أنجز فهو سينزع عن النظام قدرته السابقة على التحكم بالبلاد وجيشها وقواها الأمنية، هذا الأمر تدركه هيئة التفاوض المعارضة، لذلك تصرّ على تنفيذ القرار الدولي 2254 عبر التفاوض على سلاله الأربع.
هيئة التفاوض لا يمكنها اجتراح معجزات خارج ميزان القوى القائم في المعادلة السورية إقليماً ودولياً، ولهذا لا ينبغي على الثوريين جداً أن يتعاملوا بـ “قِصرِ نظرٍ” مع قدرة وإمكانية هيئة التفاوض، فهذه الهيئة تستند في وجودها على قرار دولي، وهو يمنحها ندية مقابل النظام الأسدي شاء أم أبى، فهذا النظام مضطر بضغط دولي، ومن حليفه الروسي، ومن وضعه المتردي، أن يذهب إلى جنيف للتفاوض مع وفد قوى الثورة والمعارضة.
هذه المعادلة القائمة، تتطلب إعادة إنتاج قوى الثورة والمعارضة لموقفها بناءً على واقع حالها، هذا الواقع، يتطلب القبول بتسوية سياسية مع نظام الأسد، تؤمّن انتقالاً سياسياً وتغييراً ببنية نظام الحكم في البلاد، دون أحلام ثورية لا مكان لها في الواقع.
إنتاج موقف قوى الثورة والمعارضة يحتاج إلى مزيد من بناء الجسور والعلاقات مع حاضنتيه الشعبية والثورية دون أوهام ومبالغات ثورية، ويحتاج إلى شفافية في الخطاب والممارسة، وهو ما يخلق ثقة به.
السوريون الرافضون لنظام الاستبداد الأسدي مدعوُّون لرؤية هذه الحقيقة، فبدون فعل ذلك فإنهم يزيدون من معاناتهم وسوء أوضاعهم سيما وأن الصراع العالمي بين القوى الدولية في أوكرانيا، سيزيد من تعقيد الحل السياسي في سورية، ما دام ذلك الصراع مستمراً.
فهل يتجه السوريون إلى الواقعية لإعادة إنتاج سورية من جديد بلا استبداد، وبلا تمزق جغرافي ولا فرقة بين المكونات الوطنية؟.
الواقع العنيد هو من يفرض قانونه في النهاية، ومن يتجاهل ذلك سيجد نفسه خارج التاريخ دون شك.