الثلاثاء 12 كانون الاول , 2023
الكاتب: عبير بسّام -الخنادق
جنود أميركيون في سوريا_ قناة الحرة
فشلت محاولات السناتور الأميركي بول راندل بدفع مجلس الشيوخ الأميركي للتصويت على خروج القوات الأميركية من سوريا. وجاء قرار الرفض بتصويت 84 سيناتوراً مقابل 13 أيدوا المشروع. هذه ليست المرة الأولى التي يُرفض فيها المشروع فقد صوت مجلس النواب الأميركي، في آذار الماضي، وجاءت النتيجة 321 نائباً ضد القرار فيما أيده 103.
في الحقيقة، ليس مستغرباً أن يأتي الرفض للمشروع بأغلبية ساحقة في كل مرة، فقرار سحب الجيوش الأميركية من الدول التي تحتلها لا يأتي إلا مرفقاً بخسائر مادية وبشرية تفوق الأرباح التي تتأتى من الاحتلال، كما أن الأميركيين قد دخلوا في استثمارات في الشمال الشرقي السوري مدته 25 عاماً بدأت في العام 2020.
معارضو الانسحاب تذّرعوا بما صرح به زعيم الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأميركي، ميتش ماكونيل، حيث قال: “إن تمرير مثل هذا القرار سيكون بمثابة هدية لإيران وشبكتها الإرهابية، وإن إخراج القوات الأميركية من المنطقة هو ما يريدونه بالضبط، مما سيدعم وكلاء إيران على فتح الجبهة الشمالية” في الحرب الإقليمية ضد الكيان الصهيوني. ثم تحدث ماكونيل عن مصداقية أميركا في المنطقة، وأن الخروج تحت ضربات المقاومة سيؤدي أيضاً إلى تحدي الوجود الأميركي حول العالم. لقد أفصح ماكونيل عن جزء من حقيقة الموقف الأميركي، فيما الأجزاء المتبقية حول حقيقة التمسك بالوجود العسكري الأميركي في شرق الجزيرة السورية مرتبط بأهداف أميركية اقتصادية، وخسائر مادية وبشرية يعتبرها الأميركيون بأنها ثانوية ومتواضعة أمام المكتسبات الأميركية.
وعدا عن أن الأميركيين يريدون الإيحاء لبعض الجهلة في الكونغرس ولمجتمعهم بأن الجيش الأميركي من خلال حضوره الضئيل، والذي يبلغ 900 عنصر في سوريا، استطاع أن يقضي على داعش في العراق وسوريا. وأنه ما تزال هناك حاجة لتواجده من أجل لجم بعض مجموعات داعش المتبقية، وتحجيم نشاطها ومنع تمددها من جديد. لكن الأمر بالنسبة للأميركي يتجاوز ذلك، لقد وقّع الأميركيون اتفاقيات عبر الإدارة الذاتية الكردية، مع مظلوم عبدي، قائد قوات قسد الإرهابية عقداً بقيمة 150 مليون دولار بإنشاء مصفاة نفط في المنطقة الشرقية بالقرب من مدينة رميلان، حيث تقع أهم حقول النفط السورية وأقدمها، وبمقابل ذلك تستطيع الولايات المتحدة الاستثمار في حقول الغاز والنفط السورية عبر شركة “دلتا إنرجي المحدودة المسؤولية”، مما سيمكن قسد من التحول إلى تجارة المشتقات النفطية المكررة بدلاً من بيع النفط الخام، من خلال التعاقد مع حكومة إقليم كردستان شمال العراق بشكل نظامي، وترتبط الأخيرة بعقود وقّعتها أربيل مع أنقرة منذ العام 2015، وذلك بحسب موقع المونيتور.
مدة الاتفاق 25 سنة، وتقوم خلالها الشركة الأميركية، ومن خلال عقد منفصل عن السابق، بإنشاء مصفاتي نفط متنقلتين، لتأمين حاجة السوق المحلية في شمال وشرق سوريا تستفيد قسد من عائداتها. وبحسب مصدر من قسد شهد على توقيع العقود، وفق موقع سوريا L19، فإن السفير الأميركي السابق في البحرين، والذي يشغل اليوم منصب ممثل الولايات المتحدة في التحالف الدولي، ويليام روباك، قال إن بلاده ستبقى متواجدة في الأراضي السورية طيلة مدة تنفيذ العقد. وبموجب العقد هناك نسب خاصة ستحصل عليها قسد إضافة إلى ما ستكسبه من تهريب 600 ألف برميل يومياً، ستُهرب على الأغلب إلى تركيا. أي أن حجم التعامل ما بين قسد والولايات المتحدة بات بقيمة 150 مليون دولار، ولا يمكن كسره بعمليات مقاومة محدودة، وإن تجاوز عددها 40 هجوماً منذ 19 تشرين الأول/ اكتوبر الماضي.
كان من المتوقع أن يأخذ الكونغرس الأميركي قراراً بالانسحاب على وقع ضربات المقاومة للقواعد الأميركية دعماً للمقاومة الفلسطينية في مواجهة العدو الصهيوني، ولكن المصالح الاقتصادية الأميركية، وبالتالي مصالح الشركات الأميركية في الشمال الشرقي السوري هي صاحبة اليد العليا في هذه المرحلة، خاصة وأن أميركا ترى أن تواجدها في شرق سوريا يمثل في المرحلة الحالية الحماية الأساسية المتطلبة لمصالح الأمن القومي الصهيوني والأميركي على حد سواء، وهذا ما يمكن فهمه من تصريح ماكونيل، ومن الواضح أنه لا فرق بين الأمنين. صحيح أن الولايات المتحدة اعترفت بازدياد وتيرة العمليات ضدها ب 45%، ولكن ذلك لن يكون له تأثير يذكر، مادام عدد قتلى الجنود الأميركيين محدوداً.
في مقارنة بسيطة، بحسب strips.com، فإن عدد الجنود الأميركيين الذين قتلوا في العراق وسوريا منذ العام 2011 حتى العام 2020 بلغ 99 جندياً فقط، وليس هناك من إحصائيات أحدث. في حين ذكرت مواقع مختلفة، أن عدد قتلى الولايات المتحدة بلغ خلال 19 عاماً من الاحتلال في أفغانستان ب 2300 قتيل أميركي و450 قتيل بريطاني وجنسيات أخرى، إضافة إلى 20.660 جريح، وبلغت خسائرها في أفغانستان مئات المليارات من الدولارات.
أما خلال احتلال العراق فقد خسر التحالف 4.497 قتيلاً أميركياً، و179 بريطانياً، و139 من دول أخرى. وفي فيتنام، بلغ عدد القتلى خلال 19 عاماً من الاحتلال الأميركي 60.000 قتيل، و300.000 جريح. بمعنى آخر إن الولايات المتحدة وقوات التحالف المتمركزة في العراق لم تتوجع بعد. وما يزال عدد القتلى ضمن الحد، الذي لا يسترعي انتباه المواطنين الأميركيين أو الأوروبيين في التحالف. كما أن الأميركيين والأوروبيين على حد سواء، ما يزالون حتى الساعة تحت تأثير الدعاية المخدرة، والتي تقول إن أميركا تقف إلى جانب الشعب السوري، الذي يٌعاني من دكتاتور يتحكم بدولة تهمل مصالحه.
تضع الولايات المتحدة يدها على أهم مصادر الغاز في سوريا في حقول رميلان وكونيكو، اذ تُعتبر سوريا من الدول الستة الأوائل في العالم في احتياطي الغاز، وبذلك ترى واشنطن أن هذه الحقول يمكن الاعتماد عليها من أجل تزويد أوروبا بالغاز، وتقليص اعتمادها على الغاز الروسي في ظل الحرب العسكرية والاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة على روسيا، خاصة وأن لأمريكا ثأراً من الدور الروسي في سوريا، والذي ساهم في إفشال مخططاتها في تقسيم سوريا، وتحويلها إلى كانتونات طائفية تستطيع من خلالها حكم واسطة العقد في غرب آسيا، ومحاصرة إيران والمقاومات العربية في المنطقة. واليوم، ما دامت أمريكا قادرة على حماية شركاتها في سوريا، وقادرة على حصر خسائرها البشرية في العراق و”بلاد الشام”، وعاجزة عن الخروج من سوريا ضمن اتفاق سياسي يضمن مصالحها ومصالح دولة الكيان، فلن يرى الكونغرس بمكونيّه أي ضرورة للتصويت على خروج قواته من سوريا.
الكاتب: عبير بسّام
-كاتبة صحفية، عضو في الرابطة الدولية للخبراء والمحللين السياسيين / ماجستر في العلاقات الدولية من جامعة LAU