د- عبد الناصر سكرية
الجزء الثاني
إن تعليق اية آمال على الغرب والأمريكي تحديدا لمساعدة الشعب السوري إنما هو وهم موصوف واضح يبدد الجهود ولن يحصل إلا الخداع الذي تجيده الولايات المتحدة راعية الإرهاب في العالم بكل أشكاله ومرتكزاته..إنها هي الموجه الحقيقي لكل الوقائع الميدانية التي تجري لسورية وفيها..
وليس قانون قيصر الا خديعة كبرى تستهدف المجتمع السوري باكمله تفتيتا وتفكيكا وإنهاكا حتى السقوط الكامل تحت وطاة عملية سياسية وأمنية سوف تؤدي بسورية الى وضع مشابه للعراق ..
وإذا كانت كل الوقائع الميدانية عبر العالم لم تقنع بعض النخب السورية بما هي عليه سياسة وأهداف الولايات المتحدة والصهيونية العالمية في سورية والمنطقة العربية والعالم ؛ فإن مثل هذه النخبة لا تصلح لقيادة اي عمل وطني ينقذ سورية..
وفي مقابل هذا فإن عصبوية فئوية ذاتية لا تزال تهيمن على كثير من النخب السورية فتقعدها عن ممارسة دورها الوطني التوحيدي القيادي المطلوب..
تلك فئوية من منشأ حزبي سابق أو ذاتي لاحق ؛ تمنع أصحابها من الإنعتاق للارتقاء إلى مستوى القضية الوطنية الملحة جدا ولن تنتظر أحدا منهم..
ذاتية فئوية معيقة ومعوقة لا يعول على من لا يزال متمسكا بها رغم إلحاح الواقع الى تكامل الطاقات الوطنية منعا لمزيد من الإنهيار وإطلاقا لعمل وطني شامل لإنقاذ سورية وشعبها وبناء سورية جديدة كما تتطلعون..
إن الشعب السوري يواجه وحيدا قوى النفوذ العالمي الجبارة وأدواتها المحلية المتمكنة ؛ فإذا لم تواجه النخبة ذاتها أولا فتتجاوز فئويتها وقصورها فلن تقوى على قيادة الشعب السوري ولا على التعبير الأمين الصادق عن تطلعاته وآماله في الحرية والعدالة والحياة الكريمة..
إن مئات التشكيلات والتجمعات المخلصة الشريفة المندفعة لخدمة القضية السورية والتي انبثقت في الداخل وفي الخارج ؛ لن تكون فاعلة مؤثرة ما لم تتوحد في إطار عمل جبهوي واحد بقيادة واضحة وبرنامج عمل مرحلي محددا..يرسم أهدافا عملانية لكل سوري وطني في كل المواقع والساحات في اطار استراتيجية وطنية متكاملة توحد وتجمع وتصون ولا تبدد..
إن بعض الجماعات قد اسست تشكيلات او منظمات لخدمة العمل الوطني لكنها سرعان ما إتخذتها معيارا لعلاقاتها بالآخرين فصارت هي القضية والحكم..فترسخت في مزيد من التشرذم والذاتية..وصاروا كم يصنعون الأصنام ليعبدوها..
إن قوى النفوذ الأجنبي بما تملكه من امكانيات مرعبة واساليب شيطانية استخباراتية جهنمية لا تزال قادرة على التلاعب بالنفوس والعقول والاهتمامات وتحمل الكثيرين على الانتظار ثم الإنتظار ريثما تستطيع تغيير الوقائع الميدانية المجتمعية الى ما يحقق لها اهدافها ويضمن لها سيطرتها الى عقود طويلة مقبلة على مجتمعاتنا وبلادنا وكل العملية السياسية فيها ..فالزمن حاسم وخطير وليس في صالح شعبنا فعلام لا يزال الكثيرون ينتظرون حتى ان طروحات بعضهم وتحليلاتهم توحي وكأنهم قد أسسوا حزب الانتظار فباتوا إنتظاريين الى ما لا نهاية لغد لن يشرق لصالحهم طالما بقوا على حالهم من الضعف والتشتت والسلبية..
فيما انصرف آخرون الى ما يسمى الوعي وخلق الوعي معتبرين ان مشكلة شعب سورية هي غياب الوعي وتجذر معتقدات بالية وليس نظام القهر الأمني..
فيما المطلوب الملح العمل الواسع على نشر ثقافة المقاومة الوطنية والتمسك بالأرض وبالهوية لمواجهة مخططات تفريغ سورية من سكانها وتغيير هوية من يتبقى في أخطر عملية تغيير ديمغرافي عرفتها بلادنا عبر تاريخها الطويل..
إن أية جهود أو أبحاث في كل المسائل المتصلة بالوعي المجتمعي والإصلاح الديني وأنظمة الحكم – على أهميتها الكبيرة – إن لم تكن جزءا متكاملا مع عمل وطني ثوري تحرري يستهدف بناء حركة وطنية جامعة تتصدى لمهمات توحيد الطاقات والجهود من أجل إنقاذ سورية وشعبها العربي من نظام القهر والإستبداد الوظيفي ومن كل احتلال أجنبي وكل أشكال الإنفصالية والإنعزالية والتقسيم ، لا تمثل ضرورة وطنية ملحة ولا تحتل حيزا ذا قيمة في مجمل العمل الوطني اللازم والمطلوب بإلحاح شديد..
إن النخب السورية التي إنصرفت إلى ما يسمى خلق وعي جديد – مكتفية بما تسعى – إنما أسقطت من حسابها ضرورات العمل الوطني الراهنة الملحة في ظل الظروف الإستثنائية جدا التي تعيشها سورية..كما أنها تسقط فعالية الزمن من الحساب ظنا منها أن القوى المعادية والطامعة سوف تتوقف عن التخريب والنهب والتفكيك والتدمير وصناعة وعي مضاد بإنتظار ذلك الوعي الموهوم الذي سوف تشكله تلك النخب المنهزمة وربما المهزومة في ذاتها ..وإن لم تكن كذلك فهو وعي يحتاج الى عشرات السنين ليتشكل بالصورة التي يصبح فيها قادرا على التغيير السلمي المنشود..هذا فيما لو توقفت تلك القوى المعادية لتحرر سورية وشعبها عن العمل التخريبي المضاد..إن هذه القوى المعادية لسورية الوطن والشعب ولنظام العدل و القانون والإستقلال ؛ بما تملكه من إمكانيات هائلة ، بل هائلة جدا ، قادرة على ممارسة كل انواع التخريب الثقافي والفكري والسياسي والأقتصادي والإجتماعي والأخلاقي بما يكفي لتدمير ليس مقومات الصمود والتغيير بل لتدمير مقومات الحياة ذاتها بما فيها وجود الانسان ذاته..أليس هذا ما يحصل حاليا في سورية ؟؟ الا يجري تفكيك البنيان حجرا حجرا حتى ينهار كل شيء وينهار معه الإنسان ؟؟ وماذا ينفع بعد ذلك كل حديث عن الثورة والتغيير وعن الإصلاح والوعي وشكل النظام وحتى عن الدين والعلمانية والديمقراطية والحداثة والتراث ؟؟
كما أن بعض المثقفين السوريين النخبويين راحوا ينبشون في بطون التراث بحثا عن مسوغات للاستبداد او تأييد له تحت مظنة القول ان ما تشهده سورية مؤخرا من عصف الاستبداد إنما مرجعه الى تراث غائر في القدم عمق تكوين امتنا التاريخي..افلا يعني هذا تبرئة نظام الاجرام الحاكم من تهمة الاستبداد ؟؟ أليس هذا تحويلا للصراع في مواجهة النظام والاحتلال الى مواجهة مفتوحة لا تنتهي ولا تصل الى نتيجة ، مواجهة مع التراث وهو الجامد المتراكم في النصوص ؟؟
أليس تحرير النفوس أولى بالاهتمام والبحث والتفكير من تحرير النصوص ؟؟
هؤلاء إنما يبرئون النظام واتباعه من مسؤولية الاجرام والبطش والارهاب بحجة البحث في جذوره التاريخية .
فهم إما منافقون او متوهون علموا ذلك ام لم يعلموا..
او متخاذلون هربوا من تحمل مسؤولية عملانية بما تتطلبه من جهود وتضحيات وتحمل..
بعض المثقفين السوريين إنصرفوا عن البحث في ماهية النظام ومفاعيل حكمه المستبد طيلة خمسة عقود إلى البحث في مفاعيل التراث وسلبياته وكأنهم بذلك يقدمون خدمة للنظام الذي بات لا يأبه لجهودهم وأبحاثهم النقدية طالما بقي متسيدا على كرسي الحكم غطاء لكل أنواع الشرور والمظالم والعدوان..وبقيت إهتماماتهم غائرة بعيدا عن الواقع الراهن..
أليس ملفتا غياب برنامج وطني مرحلي للتغيير حتى الآن لدى جميع النخب والتشكيلات والمنظمات السورية ؟ فضلا عن الأحزاب او ما بقي منها لم يترنح تحت وطأة العصبية الحزبية أو الجمود التنظيمي..
إن الحركة الشعبية السورية تملك خزانا نضاليا ثوريا عظيما لكنه يحتاج الى تنظيم وليس الى تنظير..
خزان هائل يفوق ما لدى معظم النخب من روح متحفزة للتغيير ومستعدة لدفع أثمانه الباهظة وهو ما لم تقدم كثير من النخب دليلا على إمتلاكها قدرة مشابهة له..
إن الثورة تحتاج الى قيادة ثورية..وليس الى مثقفين منظرين..الثوري هو الذي يلتصق بمعاناة الشعب ويعبر عنها بامانة ويقودها بتنظيم قوتها وإندفاعها حتى تحقق أهدافها المرحلية وغاياتها النهائية ..
وليس كل مثقف ثوريا وإن أيد الثورة او وقف الى جانبها بما يقول ويكتب..
ان هذا لا يعني خلو ساحة العمل الوطني من نخب مخلصة ثورية أمينة ، بل هناك الكثير المتنوع المتعدد منها..لكنها تبقى منقوصة القدرة على الفعل بسبب غياب الاطار التنظيمي الذي يجمعها ويوحد طاقاتها وجهودها ويستثمرها في الاتجاه الصحيح..
ان تخلص الشعب السوري من عقدة الرعب الذي عاش فيه عقوده الخمسة الأخيرة يشكل أحد أهم الحوافز الثورية للتضحية والعطاء على أن تتوفر له القيادة المنظمة التي توجهه الوجهة السليمة فلا يتحول إلى مرتع للمزاجيات والأهواء والتنافس والمناكفات والحساسيات الفارغة المحبطة..
خلاصة القول أن نخبا سورية لا تزال تعيق العمل الوطني بترددها وعدم قدرتها على تجاوز ذاتيتها وفئويتها الحزبية أو الشخصانية فتبقى حائرة ضعيفة تنتظر مساعدة الغرب المخادع او تنصرف لأبحاث نظرية دون تنظيم ودون قيادة توجهها وتحميها وتعبر عنها..
إن طاقات شبابية ومجتمعية كبيرة واعدة في الداخل وكل مكان تنتظر مبادراتكم لتوحيد العمل الوطني وتنظيم صفوفكم حتى يتسنى إتخاذ المواقف الواضحة والأعمال المحددة ومجابهة التحديات والمخاطر على الوجود والحياة في كل أرجاء سورية دونما إستثناء..
أسقطوا من حساباتكم تلك النخب اللاهية أو اؤلئك النرجسيين والفئويين المتمسكين بذاتيتهم على حساب الثورة والقضية..
إن بقاء النخب والتشكيلات والفعاليات السورية مشتتة تائهة تنتظر المجهول ، لا يعني سوى تسليمها بالقدر المحتوم الذي ترسمه وتقرره وتنفذه قوى الإحتلال الأجنبي ومعها قوى النفوذ المحلية والخارجية وأدواتها المتنوعة والتي تؤدي عملا منسجما متكاملا يريد لسورية الإنهيار التام ..
واذا لم نستطع تغيير الوقائع الميدانية كما نريد فمن العار أن نبقى مشتتين كشهود زور على نحر بلادنا وإغتصابها .فليتوحد جميع الوطنيين فورا ودونما تردد او مماطلة أو مماحكات حتى يكون للشعب السوري من يعبر عنه ويرعى حقوقه وتطلعاته دفعا لكل تزوير وخداع ومتاجرة ..وهذا أضعف الإيمان..
فماذا انتم فاعلون حتى لا تكون النخبة السورية سببًا في إهدار القضية وتبديد التضحيات العظيمة التي قدمها الشعب السوري على مذابح الحرية والعدالة والكرامة.