إبراهيم درويش – القدس العربي
الخميس , 5 ديسمبر , 2024
صورة تم التقاطها عند مدخل مطار كويرس العسكري في محافظة حلب في 3 ديسمبر 2024- ا ف ب
لندن- “القدس العربي”: نشرت مجلة “بوليتيكو” مقالاً للمعلق جيمي ديتمر قال فيه إن الهجوم المفاجئ والمخطط له منذ فترة طويلة من قبل تحالف من المعارضة السورية المسلحة، والذي أدى إلى فرار قوات النظام السوري من حلب، ترك وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي غاضباً يبحث عن تفسير.
إن سقوط ثاني أكبر مدينة في سوريا في أيدي التحالف الذي تقوده “هيئة تحرير الشام” – وهي جماعة منشقة عن تنظيم “القاعدة” – ليس مجرد إذلال للأسد، بل إنه أيضاً إذلال لحلفائه؛ إيران، وإلى حد ما روسيا.
سقطت حلب بسهولة بسبب انهيار قوات الأسد. تبيّنَ أنها كانت محبطة وضعيفة وغير متحفزة، مثل القوات الأفغانية التي أنفقت الولايات المتحدة سنوات في تدريبها وتمويلها، ولكنها فشلت في خوض أي قتال حقيقي ضد طالبان
ففي عام 2016، ساعدت الميليشيات الشيعية التي تقودها إيران، مع حملة قصف روسية لا تميز، النظامَ السوري على استعادة حلب من الثوار، الذين سيطروا على حوالي نصف المدينة لمدة أربع سنوات. بعد ذلك، كان من المفترض أن تكون آمنة في أيدي الأسد.
ولكن، في الأسبوع الماضي، استغرق الأمر 72 ساعة فقط للسيطرة على حلب، ما أدى إلى إعادة إشعال الحرب الأهلية السورية الطويلة الأمد، والتي اندلعت، في البداية، بسبب القمع الوحشي للأسد للاحتجاجات المؤيدة للديمقراطية.
عند وصوله إلى دمشق لإجراء محادثات عاجلة، قدم عراقجي التفسير الأكثر إدانة الذي يمكن أن يفكر فيه، كان الأمر كلّه “مؤامرة من قبل النظام الإسرائيلي لزعزعة استقرار المنطقة”.
ويعلق الكاتب أنه من الملائم لطهران أحياناً أن تلقي باللوم على الصهاينة، وربما ساعدت الصواريخ والغارات الجوية الإسرائيلية المعارضة بشكل طفيف، فإن سقوط حلب لا علاقة له بتطلعات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لإعادة تشكيل الشرق الأوسط، بل له علاقة أكبر بحالة القوات المسلحة للأسد.
كما أن له علاقة كبيرة بالمناورات الجيوسياسية للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، وتصميمه على الحد من أي تهديدات حقيقية أو متخيلة من الأكراد السوريين المدعومين من الولايات المتحدة، فضلاً عن انزعاجه من الأسد لرفضه عرضاً قديماً للمصالحة.
أولاً، وقبل كل شيء: سقطت حلب بسهولة بسبب انهيار قوات الأسد. فقد تبين أنها كانت محبطة وضعيفة وغير متحفزة، مثل القوات الأفغانية التي أنفقت الولايات المتحدة سنوات في تدريبها وتمويلها، ولكنها فشلت في خوض أي قتال حقيقي ضد طالبان.
قال الدبلوماسي الأمريكي السابق ألبرتو فرنانديز: “إن الجيش العربي السوري عبارة عن هيكل مجوف، أضعف كثيراً مما تشير إليه أعداده وأسلحته المزعومة.. سوريا في حالة اقتصادية حرجة. يكمل الضباط رواتبهم الضئيلة بأخذ الرشاوى حتى يحصل الجنود على إجازات طويلة، ويعملوا في وظائف أخرى في مدنهم. ويبدو أن بعض الوحدات انهارت وهربت بعد أن فقدت ضباطها”.
لا شك أن طهران لا ترغب في الإعلان عن ضعف حليف آخر، بعد أن نجحت إسرائيل في قطع رأس “حزب الله” اللبناني بسرعة، الشريك الإقليمي الأكثر أهمية لإيران.
لكنها لا تستطيع أيضاً تسليط الضوء على الدور الحقيقي للرجل الخبيث وراء ما يحدث في شمال سوريا، حيث من المرجح أن تحتاج إلى التوصل إلى نوع من الاتفاق مع أردوغان الماكر لضمان توقف الهجوم الذي يتجه الآن نحو حماة، على بعد 90 ميلاً جنوب حلب، هناك.
ولكن بعد إضعاف إيران و”حزب الله” من قبل إسرائيل، فإنهما غير قادرين على تقديم القوة البشرية والدعم العسكري للأسد، كما ساعدوه على تحويل مسار الحرب الأهلية السورية في عام 2015.
ووفقاً لمصادر لبنانية تحدثت إلى وكالة أنباء “رويترز”، فإن “حزب الله” ليس لديه خطط لإرسال مفارز للانضمام إلى مئات المقاتلين العراقيين الذين ترعاهم إيران، والذين عبروا إلى سوريا، هذا الأسبوع، لدعم جيش الأسد.
ومن جانبه، سعى أردوغان إلى إبعاد نفسه عمّا يحدث عبر الحدود، وقدم نفسه كمتفرج يراقب تطورات لا يستطيع السيطرة عليها.
وقال، يوم الإثنين: “نحن نتابع الأحداث عن كثب. لقد حذرنا لفترة طويلة من أن دوامة العنف في الشرق الأوسط قد تؤثر أيضاً على سوريا. وقد أكدت الأحداث الأخيرة أن تركيا كانت على حق”.
ولكن قلة من المراقبين يعتقدون أن الهجوم لم يكن ليحدث دون علم أنقرة وتأييدها. فوفقاً لهادي البحرة، رئيس جماعة سورية معارضة معترف بها من قبل المجتمع الدولي، كانت الاستعدادات للهجوم على حلب قيد الإعداد منذ العام الماضي، الاستعدادات التي شملت “هيئة تحرير الشام”، فضلاً عن أكثر من 12 فصيلاً في “الجيش الوطني السوري” الذي ترعاه تركيا، والذي يستهدف إلى حد كبير الأكراد السوريين.
وبالتالي، فمن السذاجة الاعتقاد بأن المسؤولين الأتراك لم يكونوا على علم بهذا التخطيط.
مصادر لبنانية: “حزب الله” ليس لديه خطط لإرسال مفارز للانضمام إلى مئات المقاتلين العراقيين الذين ترعاهم إيران، والذين عبروا إلى سوريا لدعم جيش الأسد
ووفقاً لإحاطة استخباراتية أصدرها مركز صوفان، وهي مجموعة بحثية أسسها ضباط ودبلوماسيون سابقون في الاستخبارات الأمريكية والبريطانية، فإن “هجوم حلب… تأخر عندما تدخلت تركيا، ما أدى إلى تغيير التوقيت”.
وبشكل عام، كانت الخطوط الأمامية للحرب الأهلية السورية راكدة منذ عام 2020، على الرغم من وقوع اشتباكات عرضية شرسة. وعلى مدى السنوات الأربع الماضية، سيطر الأسد على جزء كبير من البلاد وأكبر مدنها.
لقد ظلت “هيئة تحرير الشام”، التي تتسامح معها تركيا، والتي يقودها تحالف من المقاتلين الإسلاميين في الغالب، محاصرة في إدلب وأجزاء من الريف غرب حلب، في حين كانت القوات التركية والفصائل التي ترعاها تركيا تشرف على شريط من الأراضي الكردية على طول الحدود شمال حلب. وفي شمال شرق سوريا، ظلت “قوات سوريا الديمقراطية”، التي يهيمن عليها الأكراد، وهي حليفة للولايات المتحدة ضد تنظيم “الدولة”، لشأنها إلى حد كبير.
لقد أدى الهجوم إلى تحول كبير في كل ذلك، ولكن من الصعب التنبؤ بالعواقب.
يمتلك أردوغان الآن العديد من الأوراق، ولكن ما إذا كانت تفلت من يديه هي مسألة أخرى.
من المؤكد أنه لا يريد أن تخرج الأمور عن السيطرة وأن يسقط الأسد، ولكن هذا قد يعتمد جزئياً على ما إذا كانت “هيئة تحرير الشام” تلتزم بالنص،
وتعزز وجودها في حلب، وتركز على إنشاء حكومة على الطراز الإسلامي هناك، تماماً كما فعلت في إدلب. إذا هاجمت ودفعت جنوب حماة لأن دفاعات الأسد انهارت، فقد يجد أردوغان أنه أشعل أكثر مما كان يتوقع.
الواقع أن الزعيم التركي كان يضغط على الأسد للموافقة على المصالحة، على مدى الأشهر القليلة الماضية، لكن الزعيم السوري تجنّب العرض، وأصر على أن تسحب تركيا أولاً آلاف قواتها والجماعات التي ترعاها من الأراضي السورية.
وعلى هذا، فإن بعض المراقبين يرون في الهجوم جزءاً من جهود أنقرة للضغط على الأسد لتطبيع العلاقات والتفاوض على حل سياسي للحرب الأهلية، وهو ما من شأنه أن يمنح أردوغان الفرصة لإعادة 4.7 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا.
ومن المرجح أن تأتي المصالحة بتكلفة كبيرة للأكراد، وتتضمن تقليص شبه استقلالهم في الشمال الشرقي أيضاً. وتعمل تركيا ووكلاؤها بالفعل على توسيع سيطرتهم على البلدات والقرى الخاضعة لسيطرة الأكراد والمتاخمة للحدود.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، استولى “الجيش الوطني السوري”، الذي ترعاه تركيا، على معقل الأكراد في تل رفعت، إلى جانب بلدات وقرى أخرى تابعة لـ “قوات سوريا الديمقراطية” شرق حلب.
والسؤال، أين يترك هذا روسيا؟
مثل حلفاء الأسد الرئيسيين الآخرين “إيران” و”حزب الله”، تركّز موسكو على أولويات أخرى، وهي أوكرانيا. وحتى الآن، لم تحلّق الطائرات الحربية الروسية، إلا في طلعات قصف محدودة لدعم قوات الأسد، ما أضاف إلى التكهنات بأن الكرملين كان على علم بالهجوم القادم، وليس منزعجاً لرؤية الضغوط تتزايد على الأسد.
المجلة: من الملائم لطهران أحياناً أن تلقي باللوم على الصهاينة، لكن سقوط حلب لا علاقة له بتطلعات بنيامين نتنياهو لإعادة تشكيل الشرق الأوسط
كما كانت موسكو تدفع الأسد إلى المصالحة مع أردوغان، واستكشاف الحلول السياسية لإنهاء الحرب الأهلية، الأمر الذي من شأنه أن يفتح سوريا للتجارة المربحة للشركات الروسية، ويفترض أن يضمن عدم وجود مخاطر على قواعدها الجوية والبحرية الإستراتيجية في سوريا. وعلى مدار الصيف، سعى الكرملين مراراً وتكراراً إلى ترتيب اجتماعات وجهاً لوجه بين الزعيمين السوري والتركي دون جدوى.
ولكن هذا المسعى قد يؤتي ثماره الآن. فبالرغم من كل الحديث عن مؤامرة إسرائيلية، توجّه عراقجي بسرعة إلى أنقرة هذا الأسبوع للقاء نظيره التركي هاكان فيدان. واتفق الرجلان على أن تركيا وإيران وروسيا يجب أن يعقدوا مفاوضات ثلاثية جديدة لمعالجة الصراع. وقال عراقجي: “لقد قررنا إجراء مشاورات وحوارات أوثق، وبإذن الله سنتعاون لتحسين الوضع بشكل أكبر نحو السلام والاستقرار في منطقتنا”.
وفي الوقت نفسه، ألقى فيدان باللوم بشكل واضح على رفض دمشق التحدث مع قوى المعارضة. وقال: “إن التطورات الأخيرة تظهر، مرة أخرى، أن دمشق يجب أن تتصالح مع شعبها والمعارضة الشرعية”.
وما تُرك دون ذكر هو أهمية المصالحة مع أردوغان.