25 مايو 2023
تحقيقات 180
اعتبر مدير برنامج الشرق الأوسط بمركز الدراسات الاستراتيجية والدولية في واشنطن، جون ألترمان، عودة بشار الأسد إلى جامعة الدول العربية، الأسبوع الماضي، علامة على عودة المنطقة إلى وضعها السابق، لكنه أشار إلى 5 عوامل تؤكد أن الشرق الأوسط “لم يعد إلى طبيعته”.
وذكر ألترمان، في تحليل نشره بموقع المركز وترجمه “الخليج الجديد”، أن فكرة تغيير سياسات ومجتمعات الشرق الأوسط سادت العالم قبل 12 عامًا، بينما تستعد الحكومات العربية اليوم للخروج من حالة نبذ بشار الأسد ونظامه، الذي تسبب في تهجير نصف مواطنيه، وقتل نصف مليون منهم، لافتا إلى أن “استدامة الأنظمة العربية أربكت المحللين الغربيين الذين طالما جادلوا بأن هذه الأنظمة لا يمكن أن تستمر”.
ومع ذلك، يشير ألترمان إلى أن إحجام الحكومات الإقليمية أو عجزها عن حل التناقضات ونقاط الضعف والأمراض التي ساهمت في اندلاع الثورات العربية عام 2011 يجعلها عرضة للضغوط والصدمات التي تعصف بها من خارج المنطقة، مؤكدا أن “العديد من الدول في ظروف ضعيفة بالفعل، والضربة الخطيرة التالية قد تسقط واحدة أو اثنتين”.
ويقر ألترمان بأن توقع سقوط الحكومات العربية هو عمل محفوف بالمخاطرة، لأنه نادرًا ما تسقط الحكومات الاستبدادية، إذ يفضي أداؤها الضعيف إلى الفشل، بينما يفضي ممارسات قادتها القمعية إلى طول عمرها.
ويضيف أن المرء يمكن أن يجادل بأن فشل الثورات العربية في عام 2011 جعل تعبئة الجماهير أكثر صعوبة، إذ سقطت الحكومات، ولكن لم تظهر ديمقراطية دائمة في أي مكان. وانطلاقا من تلك الأحداث، قد يجادل الكثيرون بأن الخيارات المتاحة للسكان العرب تتمثل في إعادة تشكيل النظام أو حرب أهلية مستمرة.
ومع ذلك، “تشير مجموعة متزايدة من العوامل إلى أن المنطقة على وشك تغيير عميق”، حسبما يرى ألترمان، مشيرا إلى 5 عوامل رئيسية على الأقل تعني أن العديد من حكومات الشرق الأوسط أضعف في عام 2023 مما كانت عليه في عام 2011، ومن المرجح أن تزداد ضعفاً.
أربعة من هذه العوامل خارجة عن سيطرة الحكومات الإقليمية جزئياً على الأقل، ولكنها ستتطلب تركيزاً متجدداً منها.
العامل الأول: المياه وتغير المناخ:
فعلى الجانب المائي، تعد الندرة المتزايدة مشكلة متنامية في العديد من دول الشرق الأوسط، ويرجع ذلك إلى زيادة استخدام المياه، جزئياً للزراعة ولدعم عدد أكبر من السكان، فضلا عن الاستخدام المهدر.
لكن ندرة المياه هي أيضًا نتيجة للجفاف الناجم عن المناخ واستنزاف طبقات المياه الجوفية، إذ تنتشر درجات الحرارة غير الصالحة للعيش بشكل متزايد في الشرق الأوسط، كما تنتشر العواصف الترابية، ويدفع التصحر المزارعين اليائسين من الريف إلى الحياة الهامشية في المدن، وكلها أمور تؤثر على سبل العيش، ولا يلوح في الأفق أي حل لها.
العامل الثاني: البيئة المالية الأقل ملاءمة:
وهنا يشير ألترمان إلى أن جائحة كورونا دفعت العديد من حكومات الشرق الأوسط إلى إنفاق المزيد لدعم سكانها خلال ذروة الوباء وزيادة مديونيتها، واليوم أصبحت الأسواق المالية أكثر تشككًا في ديون الأسواق الناشئة، وارتفعت تكاليف الاقتراض بشكل حاد.
ويضيف أن رغبة صندوق النقد الدولي، وقدرته، على التدخل في جميع أنحاء المنطقة أصبحت مقيدة أكثر مما كانت عليه سابقا، ولذا فمن المرجح أن تثبط قيود التمويل الاستثمارات الحكومية الرئيسية لبعض الوقت، على رغم حاجة الحكومات إلى إنعاش اقتصاداتها.
العامل الثالث : انتقال الطاقة :
ساعدت الدول المصدرة للطاقة في تعزيز اقتصاد المنطقة بأكملها جزئيًا من خلال المساعدات الحكومية، واستيراد العمالة العربية، ودفعت احتمالية حدوث تحول في أسواق الطاقة العالمية العديد من تلك الدول إلى التركيز على الداخل، والاستثمار في تنويع اقتصاداتها وتعزيز قواها العاملة في إطار الاستعداد لحقبة ما بعد الهيدروكربونات.
وهذا يعني أن الأموال المتاحة للحكومات العربية الأخرى، والعاملين العرب، ستكون أقل بكثير، وستظهر آثار ذلك في كل من الميزانية الحكومية والتحويلات المالية، حسبما يتوقع ألترمان.
العامل الرابع: التغير السريع في التكنولوجيا:
وفي حين أن التكنولوجيا ليست عاملاً سلبياً في حد ذاتها، إلا أنها ستسرع من سرعة التغيير في التجارة وأنماط الاتصالات وأسواق العمل وغير ذلك الكثير.
وستحتاج الحكومات إلى استدعاء قدر كبير من المرونة والإبداع، والقيام بالاستثمارات الصحيحة في البنية التحتية واعتماد الإطار التنظيمي الصحيح؛ لضمان أن التطورات التكنولوجية تعزز الأمن والازدهار.
وبدون المرونة المطلوبة والإبداع والاستثمارات والتنظيم، “يمكن للتكنولوجيا أن تعيد دول المنطقة إلى الوراء” بحسب ألترمان.
العامل الخامس: الضعف المستمر للمجتمع المدني:
فضعف المجتمعات المدنية يجبر الحكومات على مزيد من الانخراط في الشأن المدني ويولد السلبية بين السكان، ويمنع روح التجربة ويعزل الحكومة عن رعاياها.
وهنا ينقل ألترمان عن الفيلسوف السياسي، ألكسيس دي توكفيل، مأثورة كتبها منذ ما يقرب من 200 عام، مفادها أن الديمقراطية تفعل ما “لا تستطيع حتى أكثر الحكومات مهارة تحقيقه: فهي تنشر نشاطًا مضطربًا في جميع أنحاء المجتمع، وقوة وفيرة، وطاقة لا توجد أبدًا بدونها، والتي يمكنها تحقيق المعجزات إذا كانت الظروف مواتية”.
ويقر ألترمان بأن الحكومات الإقليمية تتصرف من منطلق أن تخفيف القيود على المجتمع المدني سيطلق العنان للفوضى، ومع ذلك، من الصعب تخيل كيف سيكون التغيير الذي تقوده الحكومات كافياً لإدارة المشاكل المتصاعدة في المنطقة.
وينوه ألترمان إلى أنه لا يقصد من تحليله أن الشرق الأوسط بحاجة إلى تعزيز التبني الشامل للمعايير الاجتماعية والسياسية الغربية، أو أن هناك طريقة واحدة فقط لمواجهة التحديات التي ستواجهها بلدانه في السنوات القادمة، مشيرا إلى أن تلك البلدان “لايزال أمامها بعض أكثر الأوقات تحديًا، وسيزداد العبء الواقع على حكوماتها للاستجابة بسرعة وفعالية للظواهر متزايدة التعقيد”.
وفي الوقت نفسه، من المرجح أن تكون الموارد المتاحة للحكومات محدودة، ولذا يخلص ألترمان إلى أن الشرق الأوسط “لم يعد إلى الوضع السابق، بل هو على وشك التحول”، مشيرا إلى أن “شعوب وحكومات المنطقة هي التي ستحدد الشكل الذي سيبدو عليه هذا التحول”.
المصادر
المصدر | جون ألترمان/مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن