بقلم محسن حزام
١٣/٨/٢٠٢٢
في علم السياسية سادت مقولة توزن بالذهب لازالت مستمرة إلى الآن
// ليس هناك عدو دائم أو صديق دائم، هناك مصالح دائمة //
كلام أثبته الواقع على مستوى العلاقات الدولية وعلى مستوى المصالح الدائمة التي تتحكم بقرارات المؤسسات والعلاقات بين الأفراد وحتى الدول.
العالم اليوم امام ظاهرة جديدة تداخلت فيها العديد من الإستراتيجيات لما يحدث على مستوى العالم عدلت الخرائط وصوبت الرؤيا تجاه رسم تموضعات جديدة لعالم متعدد الأقطاب وكسر حالة القطبية الواحدة المستمرة في الهيمنة على العالم منذ عام ١٩٨٩. تكون فيه حجر الرحى قوى ناشئة ( الصين ، الهند ، باكستان ) تحاول فرض نفسها في المعادلة الدولية كرقم يحسب حسابه في الساحة الدولية وتوازناتها المرتهنة إلى اقتصاد السوق وتحكم المال العالمي. مايحدث اليوم على أرض الواقع حول الأقوال والمشاريع على الورق إلى ساحة حرب بين الدول على المستوى الدبلوماسي والعسكري حفاظا على الأمن القومي والإقليمي والدولي ينذر بحرب عالمية جديدة سقفها المصالح المتبادلة وعنوانها نظام دولي جديد متعدد الاقطاب يحكمه التوازن الحذر، ساحة المبادلات التجارية وحروب الوكالة فيه منطقة الشرق الأوسط الحديقة الخلفية لتفريغ شحنات الاسلحة الذكية بسبب الموقع الجيوسياسي لهذة المنطقة التي تمتلك مخزون لاينضب من الثروات الباطنية ومولدات الطاقة التي تحتاج لها كل دول العالم بالإضافة إلى طريق حرير يربط ثلاث قارات فيما بينها .
-1-
الحرب الروسية الأوكرانية باتت عنوان يومي متداول في وسائل الإعلام وضعت العالم أجمع وخاصة أوربا على صفيح ساخن بسبب تداعياتها على المستوى الاقتصادي وسوق المال العالمي الذي يتحكم بكل مناحي الحياة، تنذر بصعوبة تأمين جريان الطاقة اللازمة والغاز الطبيعي السائل من روسيا إلى مصانع أوربا ومدنها السكنية بالإضافة إلى القمح الذي تعتبر روسيا المورد الأساسي له للعديد من دول العالم.ومن تداعيات هذة الحرب أيضا أن أوربا باتت تشعر بالخطر الذي يداهمها ( بمقولةالسكين وصلت للرقبة) اذا لم تستطع أن تعيد جدولة ملفاتها فيما بينها وبين أمريكا وبقية دول العالم والا سيكون وضعها محفوف بالمخاطر تعيدها إلى مربع الأزمة الاقتصادية الخانقة التي عصفت بالعالم أجمع عام ٢٠٠٨ ( كانت بينها أزمة مالية واليوم قد تكون مالية وغذائية ) ، وهذا يتطلب منها التفكيرالجدي أن تسير باتجاه الإستقلال الإقتصادي أو تكامله فيما بينها لمواجهة تغول الثروة ونزوع التفرد بالسلطة في إدارة العالم وثرواته من قبل أحادية قطبية تتلاعب بمقدرات الشعوب خدمة في بقائها السيدة على العالم .
وفي ذات السياق وبقراءة موضوعية للمشهد نرى ان منعكسات هذة الحرب آنية ومستقبلية .
المنعكسات الآنية/ طالت أوربا اولا والعديد من دول العالم وبالتالي دول المنطقة وسورية التي هي في قلب الحدث.
ومستقبلية/ يتحدد فيها موقع القوى الكبرى أصحاب الرؤوس الحامية ( روسيا وامريكا ) بعد ظهور المنافسين من الدول الناشئة على الخريطة الدولية التي تحدد توزع الادوار بغير الشكل الذي كانت موجودة عليه سابقا في حالة تبعية اقتصادية وسياسية للبعض منها.
– 2 –
منعكس هذة الحرب على سوريا في حالتها الراهنة مرتبط بالحليف الروسي المنخرط في الحالة السورية حتى النخاع الشوكي منذ تدخله العسكري ٢٠١٥ وحضوره المباشر والمستمر على المستوى المؤسسي للدولة وتدخله في كل الملفات الوطنية ومنها السياسية على وجه الخصوص، وايضا في اعتباره كدولة ضامنة في مناطق المصالحات ودوره الراهن في تشذيب اندفاعة الشريك التركي بخصوص العملية العسكرية الجديدة المعلن عنها في الشمال الشرقي لمواجهة مشاريع ظهير حزب العمال الكوردستاني pyd المصنف على لوائح الإرهاب الدولي في مسعاهم لتأسيس دولة كردية على حدوده الدولية مع سورية والتي تهدد أمن تركيا القومي ، هنا جاءت إعادة طرح المنطقة الآمنة بحدودها الجديدة التي تتجاوز اتفاقية اضنة ٢٠/١٠/١٩٩٦ بغطاء ترحيل السوريين المتواجدين في المخيمات إلى بعد الشريط الحدودي بمسافة ٣٥ كم ( تعتبر بالنسبة لاردوغان ورقة سياسية في إنتخابات الرئاسة القادمة تحكمها المصالح المتبادلة على مبدأ ( الغاية تبرر الوسيلة)، وبالتالي الحد من التموضعات العسكرية لتركيا داخل الأراضي السورية ( اكده البيان الختامي لاستانة ومخرجات طهران ٢٠/٧/٢٠٢٢ واللقاء المباشر بين بوتين واردوغان مؤخرا) الذي استند الى تفاهمات جديدة بمنطوق المصالح هي الأبقى، والتي يعتبر الروس فيها بأن تركيا ممر آمن لفك الحصار المفروض عليه تكسب من خلاله تركيا إعادة تأهيل اقتصادها الآيل للتراجع الغير مسبوق بسبب التضخم وأزمة الغلاء العالمي عن طريق اتفاقيات اقتصادية جديدة تخص الغاز والطاقة وما يتعلق بالغذاء ، تنقذ حزب العدالة والتنمية في الانتخابات المحلية القادمة كمقدمة لانتخابات الرئاسة. وتفيد روسيا من ذلك وبدون شروط مسبقة بمنطق ” بزنس إذ بزنس ” بالتوافق مع اردوغان بالسير خطوة خطوة للتواصل مع النظام السوري وتطبيع العلاقات معه بغية تأمين السلام المستدام في سورية ( وهذا اكده أحد مسؤولي الخارجية التركية من منطلق لا يوجد بالسياسة عواطف إنما مصالح تطغى على الالتزامات الوجدانية مع المعارضة السورية) ، وكذلك العمل على تحجيم الدور الإيراني في سورية والمنطقة خدمة لتفاهمات متبادلة مع الجانب الأمريكي.
حرب الإبادة والأرض المحروقة التي تعمل عليها روسيا في أوكرانيا واستمرارها الغير متوقع لعدة شهور كانت كلفتها البشرية كبيرة جدا ، فرضت على روسيا تقليل تواجدها العسكري في سورية دعما للعمليات في أوكرانيا، لكن ابقت على دعمها السياسي والدبلوماسي للنظام خدمة لمشروعها في تعديل توجهات العملية السياسية التفاوضية ومسار اللجنة الدستورية بهدف تحويل كافة المعادلات الرتيبة التي تتحرك بها المنظومة الاممية من خلال هيئة التفاوض السورية للمعارضة واستبدالها بمسار آخر ينهي هذة الآلية ويحيد جنيف المكان والقرار ٢٢٥٤ بمنطوقه وآليات عمله المقرة من ٢٠١٥ في التأكيد على الانتقال السياسي، وتحويله لنهج تصالحي يبقي على النظام ويفكك المعارضة بمشاركة بعض أطرافها في إدارة الحكم مع تعديلات طفيفة على بعض مواد دستور ٢٠١٢ لاتطال صلاحيات الرئيس يسمح بنظام محليات موسع اداريا يستوعب بعض مطالب الكرد في سوريا ويتبرء من كل تحالفاتهم مع أمريكا عبر ( قسد ومسد ) في عملية تدريجية لاعادتهم إلى حضن الدولة السورية على قاعدة الحفاظ على وحدة سورية ،( وهذا يفيد كل من الاتراك والروس، الأول يلغي فكرة قيام كيان على حدوده ، والثاني ينهي ظاهرة قسد ويحبط المشاريع الامريكية في شمال شرق سورية ) ، المنتهكة سيادتها وحدودها الإقليمية من قبل “إسرائيل” وأربع قوى فاعلة عسكريا في الجغرافيا السورية .
اذا نجحت روسيا بهذا المسار تكون قلبت المعادلات رأسا على عقب وسجلت نجاحا سياسيا يصب في خانة دعم مواقفها في الحرب على أوكرانيا وفي مواجهة امريكا وحلف الناتو عبر سحب الموقف التركي لصالحها مقابل الحد من طموحات الاكراد السوريين وإعادة تفعيل اتفاقية اضنة بشروط جديدة .
أمام هذة المتغيرات التي خلطت كافة المعادلات السؤآل:
أين موقع المعارضة السورية من المصالح التركية التي تصب في خدمة الأمن القومي التركي اولا والتي لايعلو عليها اية اتفاقات مع المعارضة السورية وهذا كان واضحا من الأصوات التي علت في مناطق سيطرته ضد المصالحة مع النظام ؟ واستمرار اردوغان أمام منافسية في الانتخابات القادمة وأمام بعض من الأصوات المعارضة في حزب العدالة التي ترى من المفيد في هذة الآونه كسر حاجز العداء مع النظام السوري وتعديل المسار للخلاص من أزمة اللاجئين السوريين وتأمين بيئة آمنة للمباشرة في عودتهم وإنهاء التكلفة الكبيرة على العمليات العسكرية في إعادة طرح المصالحة مع pkk والاستفادة منهم في التعامل مع أكراد سورية .
وما هو موقف المعارضة في حال تم استبدال هيئة التفاوض السورية بمكون جديد أسموه معارضة الداخل المعتدلة كما تم توصيفها في بيان طهران ( هذا مشروع روسي قديم على ما يبدو جاء أوان تنفيذه لسحب البساط بالكامل من أيدي السعودية وبموافقة تركية ) ؟؟؟
والسؤآل أيضا هل تستطيع المعارضة / الإئتلاف ومن لف حوله في ما يسمى معارضة الخارج التي تحتضنها تركيا / إلى تصدير موقف واضح يحدد الخيارات السياسية العقلانية للتعامل مع هذة المتغيرات الصادمة التي تحتاج ال امتصاص الصدمة بل ابتلاعها والعمل بأساليب مختلفة تبقي المعارضة في حقل مصداقيتها أمام جماهيرها .
الأيام القادمة حبلى بالتطورات على مستوى السياسة والجغرافيا تتطلب من المتابع الهدوء في قراءة الحدث.