من كتابة توماس لاتشان
الأحد 16 / 02 / 2025
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: خطة مفترضة لإنهاء الحرب في أوكرانيا، لا تحظى بتأييد الجميع © Andrew Harnik/GDA/La Nacion/IMAGO
أجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ونظيره الروسي فلاديمير بوتين مكالمة هاتفية استغرقت ساعة ونصف. وحديثهما هذا يفترض أنَّ رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الروسي، سيرجي ناريشكين، قد وصفه لاحقًا بأنَّه “عميق ومهم”. وقبل ذلك بوقت قصير فقط، أبلغ وزير الدفاع الأمريكي بيت هيغسيث شركاءه في حلف الناتو بأسس السياسة الأمريكية الجديدة الخاصة بأوكرانيا. وقد نشرت في الأسبوع الماضي بوابة الأخبار الأوكرانية “سترانا” strana.today تفاصيل ما قيل إنَّها خطة أمريكية تستغرق 100 يوم من أجل إحلال السلام في أوكرانيا. بيد أنَّ هذه الخطة لم يتم تأكيدها رسميًا.
تنازلات عن مناطق شاسعة لروسيا
وإذا صحّت المعلومات المسربة من موقع سترانا، فسيتم التوصل حتى 20 نيسان/أبريل إلى وقف لإطلاق النار في أوكرانيا، من المفترض أن يجمِّد جبهات القتال في شرق أوكرانيا. وبالإضافة إلى ذلك فإنَّ “خطة الـ100 يوم” المزعومة تنص على انسحاب القوات الأوكرانية بشكل تام من منطقة كورسك الروسية. وكذلك من المفترض أن يتم إجبار الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي على الاعتراف بالسيادة الروسية على هذه المنطقة التي كانت حتى ذلك الحين أوكرانية محتلة.
وصحيح أنَّ هذا الادعاء تم نفيه حتى الآن من قبل زيلينسكي نفسه؛ ولكنه يتناسب مع تصريح وزير الدفاع الأميركي بيت هيغسيث خلال اجتماع مجموعة الاتصال الدفاعية في حلف الناتو الخاصة بأوكرانيا يوم الأربعاء، بأنَّ العودة إلى حدود أوكرانيا قبل عام 2014، أي قبل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم، تعتبر مسألة “غير واقعية” ولن تؤدي إلا إلى “إطالة مدة الحرب” و”التسبب في المزيد من المعاناة”. ولذلك فمن المحتمل جدًا أن تطلب الولايات المتحدة الأمريكية من أوكرانيا الاعتراف رسميًا بالمناطق التي خسرتها لصالح روسيا.
هل سيتم قريبًا تجميد جبهة القتال الممتدة أكثر من 1200 كيلومتر في شرق أوكرانيا؟ © Twitter
منطقة عازلة واستبعاد عضوية أوكرانيا في الناتو
وبحسب بيت هيغسيث فإنَّ السلام الدائم يجب أن “يتضمن ضمانات أمنية قوية من أجل ضمان عدم بدء الحرب مرة أخرى”. ويرى أنَّ تحقيق ذلك يقع على عاتق “قوات أوروبية وغير أوروبية قادرة”. وبحسب موقع سترانا فمن المفترض أن تتولى هذه القوات بعد تطبيق وقف إطلاق النار مراقبة منطقة عازلة منزوعة السلاح تمتد على طول الجبهة المجمَّدة.
كما أنَّ نشر قوات أمريكية على الأراضي الأوكرانية لا يعتبر خيارًا بالنسبة لإدارة ترامب. وذلك لأنَّ حلف الناتو لا يعد شريكًا مناسبًا لإرسال قوات لحفظ السلام. ومن المفترض بدلًا عن ذلك تنظيم هذه القوات “خارج حلف الناتو”، بحسب بيت هيغسيث، الذي لم يقل كيف سيتم ذلك بالضبط.
كما أنَّ “الضمانات الأمنية القوية”، التي ذكرها وزير الدفاع الأميركي، لا تشمل بصراحة أيضًا عضوية أوكرانيا في حلف الناتو، وذلك بحسب رغبة واشنطن. وبيت هيغسيث يعتبر عضوية أوكرانيا في حلف الناتو “نتيجة غير واقعية لحل عن طريق التفاوض”. وعلى الأرجح بحسب وصفه أن تكون النتيجة حياد أوكرانيا بشكل تام.
بوتين “منفتح على المفاوضات” وزيلينسكي “متفائل بحذر”
وبعد هذه المكالمة الهاتفية بين دونالد ترامب وفلاديمير بوتين مساء الأربعاء، والتي ربما دارت حول هذه الخطوط العريضة، بدا أنَّ بوتين مستعد للحديث حول مفاوضات السلام. وحتى الرئيس الأوكراني زيلينسكي، الذي تحدث معه ترامب هاتفيًا بعد ذلك، قال إنَّه متفائل بحذر، وأكد للرئيس الأميركي أنَّ لديه “اهتمام حقيقي بالتوصل إلى سلام”. ولكنه ذكّر أيضًا بتوفير ضمانات أمنية دائمة لبلاده.
وبحسب المعلومات المسربة المنشورة في موقع سترانا الإخباري الأوكراني فمن المفترض أن يتم في 1 آذار/مارس عقد أول محادثات مباشرة بين بوتين وزيلينسكي، وكذلك يريد دونالد ترامب إقامة مؤتمر سلام دولي في وقت قريب “بوساطة دول بارزة”، وذلك من أجل وضع التفاصيل لحل سلمي دائم. ومن المفترض بحسب موقع سترانا أن يتم حتى 9 أيار/مايو إعداد خطة سلام تفصيلية. وبالإضافة إلى ذلك فقد أعلن ترامب نفسه أنَّه يريد لقاء بوتين في المملكة العربية السعودية “في المستقبل غير البعيد”.
الأوروبيون تفاجؤوا…
لقد تفاجأ حلفاء الولايات المتحدة الأمريكية في حلف الناتو تمامًا من إجراء ترامب. لأنَّهم كانوا يأملون في الواقع أن يطلعوا في مؤتمر ميونيخ للأمن الذي بدأ اليوم الجمعة على تفاصيل خطة سلام الرئيس الأميركي دونالد ترامب، وأن يناقشوها بعد ذلك. ولكن يبدو أنَّ ترامب قد أجرى مكالمته الهاتفية مع بوتين من دون تنسيق مسبق مع حلفائه الأوروبيين.
والآن يسود لدى الأوروبيين – وكذلك في كييف نفسها – قلق كبير من أن يتم تهميشهم في المفاوضات المستقبلية حول إيجاد حل سلمي دائم في أوكرانيا. ومن المفترض بحسب الخطة المسربة على موقع سترانا أن يُطالَب الاتحاد الأوروبي بتغطية جزء كبير من تكاليف إعادة الإعمار البالغة نحو 500 مليار دولار أميركي. ولكن من غير الواضح إلى أي مدى ستمنح إدارة ترامب حلفائها الأوروبيين حق المشاركة في صنع القرار.
وفي هذا الصدد حذَّر مثلًا وزير الدفاع الألماني وعضو الحزب الاشتراكي الديمقراطي بوريس بيستوريوس من أنَّ أوروبا يجب ألا “تجلس جانبًا” في هذه المفاوضات، وكذلك حذَّرت زميلته في مجلس الوزراء وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك وعضوة حزب الخضر من خلق حقائق ووقائع “تتجاوز مصلحة أوكرانيا”.
خبراء الأمن … انتقاد وخيبة أمل
وكذلك ينتقد الكثير من خبراء الأمن الغربيين والأوكرانيين هذه الخطط الأميركية، وذلك لأنَّها قد تعني التخلي عن كثير من المواقف الغربية السابقة لصالح روسيا. وعلى سبيل المثال، قال الخبير العسكري كارلو ماسالا في صحيفة “بيلد” الألمانية: “لذلك سيكون بوتين قد كسب هذه الحرب. لقد نجح في جعل الأميركيين ينسحبون من هذا النزاع”.
وقد عبَّر عن ذلك بصيغة أكثر حدة الدبلوماسي الروسي السابق بوريس بونداريف، الذي يعيش الآن في المنفى كناقد لبوتن. إذ قال في تعليق له على القناة الإخبارية الألمانية “إن تي فاو” إنَّ: ترامب يريد “إنهاء الحرب بسرعة من خلال إعطائه بوتين ما يريده”. مع أنَّ “ترامب ورفاقه المقرّبين لا توجد لديهم ببساطة أية فكرة عن بوتين وطبيعته الباردة”.
وبناءً على ذلك، يجب النظر بانتقاد أيضًا إلى تاريخ 9 أيار/مايو المسرب من قبل موقع سترانا باعتباره تاريخًا لعقد خطة السلام النهائية في أوكرانيا. لا سيما وأنَّ هذا التاريخ يحتفله به في روسيا منذ عهد طويل باعتباره “يوم النصر” على ألمانيا النازية.
الكاتب: توماس لاتشان
أعده للعربية: رائد الباش