
استانبول ٢٣ / ٨ / ٢٠٢٥
وصلني مقال منسوب إلى الدكتور احمد موفق زيدان مستشار الرئيس السوري يدعو فيه جماعة الاخوان المسلمين في سوريا الى حل نفسها والالتحاق بالرئيس “أحمد الشرع ومشروعه”، ومستعرضا تاريخ الجماعة في عدد من الدول العربية إزاء موضوعة الحل والنتائج الإيجابية لمثل ذلك الموقف على الجماعة وادائها.
وقد قرأت هذا المقال لأهمية العنوان وللتعرف أيضا على الكاتب، ورؤيته، ومنهجه في تحليل الوقائع، والحق أنني فوجئت بهذه الطريقة في التعاطي مع مسألة جد مهمة وحساسة، وهي لاتخص ” جماعة الاخوان المسلمين” وإنما في جوهرها تمتد لتشمل العمل السياسي في سوريا.
وكان واضحا أن كل الأمثلة المطروحة، وهذه الطريقة المعتمدة في معالجة ملف “الاخوان المسلمون” لا تقوم على أساس راسخ. ولا على رؤية جادة.
وليست الأمثلة التي قدمت للتدليل على أن الأخوان المسلمين حلوا تنظيمهم في عدد من البلدان صحيحة، فحماس وجه من وجوه الأخوان المسلمين، وكذلك جبهة العمل الإسلامي في الأردن، والنهضة في تونس، وحزب الحرية والعدالة من قبل في مصر.
هؤلاء جميعا أعادوا ترتيب أوضاعهم لتتلاءم مع ظروفهم الإقليمية أو قوانين دولهم، ولم يتخلوا عن الجماعة، ولم يحلوا أنفسهم، ولم يتخلوا عن الجماعة، ولم يغيروا فكرها أو قواعدها في البناء والحركة.
السؤال الذي يجب طرحه هنا، أو كان من واجب الدكتور زيدان التصدي له يخص معنى “الحل”، ماذا يعني حل جماعة الاخوان المسلمين.
**هل يعني التخلي عن الارتباط العالمي. وللتحول فعليا إلى إطار قطري.
** هل يعني مغادرة ايديولوجيا الأخوان الحاكمة للفكر والحركة.
** هل المقصود أن يفتح الوليد الجديد ذراعيه لكل الطيف الاسلامي! فلا يبقى القادة التاريخيين للاخوان المسلمين من الشيخ حسن البنا إلى سيد قطب ورفاقهما رحمهم الله مرجعية للأخوان فكرة وحية وتوجها.
ما يمكن اعتباره حلا حقيقيا يكمن في:
** تغيير الايديولوجيا الناظمة للجماعة.
** تغيير الارتباط/ التبعية، والعلاقات التنظيمية
** طرح رؤية جديدة للعمل الحزب الوطني ولأهداف هذا العمل.
ليس هناك في كل من تم ذكره من أمثلة من فعل ذلك.
أما المثل المشار إليه بحل جماعة الاخوان المسلمين زمن جمال عبد الناصر، فقد كان ذلك هو المثل الوحيد الذي يمكن الوقوف عنده، وأقدر أن ذلك لم يكن ممكنا لولا وجود قيادة مثل جمال عبد الناصر، والدكتور مصطفى السباعي، ولولا وجود حدث كحدث “الوحدة”، ومهم هنا ملاحظة أن السباعي رحمه الله هو صاحب كتاب “اشتراكية الاسلام” طبع عام 1959، وهو كتاب سابق على قرارات عبد الناصر الاشتراكية، أي أن المسألة ليست انصياعا سياسيا أو تنظيميا، وإنما اتجاها في التغيير الفكري.
وقياس ما كان زمن جمال عبد الناصر، بما هو الآن زمن الرئيس الشرع، قياس فيه الكثير من التسرع.
صحيح أن سوريا بحاجة الآن لكل تكاتف. لكنها بحاجة قبل هذا التكاتف ولتحقيقه إلى الوضوح والشفافية، وتحديد موقع النظام من المفهومين المتناقضين: المواطنة والطائفية، وموقع النظام من مفهوم الديموقراطية، ومن القضية الفلسطينية، ورؤيته للمسألة الاجتماعية.
هل مطلوب أن يحل الاخوان تنظيمهم ليلتحقوا بالسلطة، وهل تمثلت السلطة حاليا بوجود تنظيمي سياسي واضح؟ أو المطلوب أن يقيموا تنظيما جديدا أوسع بكثير من جلباب الأخوان، دينيا ووطنيا وقوميا؟
وقد يخطر على البال التساؤل ما إذا كانت الدعوة لحل جماعة الاخوان المسلمين تأتي للتلاؤم مع الموجة العامة في منع وتجريم هذه الجماعة في الدول العربية، أم أنها جاءت لتقدير احتياجات الوضع السوري؟
ثم كيف يضرب المثل في حل الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة مثلا لحل الأحزاب نفسها تلاؤما مع العهد الجديد، وضرب مثل هذا المثل يحمل منهجيا معنى ” التدليس”، إذ أن الائتلاف هو تجمع ضم قوى وشخصيات أقيم لغرض معين، والذين قاموا بحله اعتبروا أن الغرض الذي دفع لإقامته ما عاد موجودا، أو أنه انجز، لذلك ما عاد لوجود الائتلاف سبب. لكن هذا الحل لا يستتبع أبدا حل أي حركة أو حزب أو جماعة كانت في الائتلاف.
وإلى جانب الائتلاف هناك هيئة التنسيق للقوى الوطنية لقوى التغيير الديموقراطي، وهي المعارضة التي كانت توصف بأنها المعارضة الداخلية وتضم حزب الاتحاد الاشتراكي العربي وأحزاب أخرى وشخصيات عدة، فهل حل الهيئة ـ إذ اتخذ ـ باعتبار سقوط النظام الأسدي يعني حل أحزابها!
مطلوب من جماعة الأخوان المسلمين في سوريا الكثير، على مستوى الفكر والحركة، كما هو مطلوب من كافة القوى السياسية في سوريا ذلك، والدافع الى التغيير المطلوب محاولة ترميم الآثار المخربة للمرحلة الأسدية البائدة على جسم العمل السياسي في سورية، وعلى حيوية هذا الشعب، وتعاطيه مع الشأن العام، لكني لا أعتقد أن دعوة ” الحل” هي المدخل، ويخشى أن تدخل هذه الدعوة في إطار تصحير وتجفيف العمل السياسي، ونحن نشهد الغياب التام لمفهوم “الديموقراطية” عن الخطاب الرسمي السوري، أي غياب فكرة تعدد الأحزاب، وتداول السلطة، وكل ما يتصل بهذه المسألة من قضايا.
نحن مطالبون بالعمل والسعي والضغط لوضع النظام السوري بقيادة الرئيس أحمد الشرع على سكة النظام الديموقراطي، والتعددية السياسية، ومفهوم تداول السلطة، وحرية الصحافة … الخ.
يمكن الاطلاع على المقال كما ورد في قناة الجزيرة
متى ستحل جماعة الإخوان المسلمين في سوريا نفسها؟
أحمد موفق زيدان –
مستشار الرئيس السوري للشؤون الإعلامية
تربيت منذ يفاعتي على أفكار الإخوان المسلمين، وما زلت أتذكر تلك الأيام الجميلة التي أمضيتها معهم مناضلا ومكافحا ومهاجرا ضد حكم حافظ الأسد، لُوحقت وهجرت، وناضلت حتى أكرمني الله وإخواني بسحق عصابة الأسدين يوم الثامن من ديسمبر/كانون الأول الماضي، مما خلص العالم كله من شرورهم وآثامهم.
فكم من آثام وجرائم ارتكبوها بحق هذا الشعب من خلال تحويل البلد إلى جمهوريات صيدنايا وتدمر، بالإضافة إلى قتله وتهجيره، وذلك منذ الستينيات، والتي تصاعدت سطوتها بثورة الحرية والكرامة 2011، أما على المستوى الخارجي فقد سعى النظام البائد إلى إغراق دول العالم بموجات المهاجرين، وبسموم الكبتاغون التي صدرها للعالم، ومعه استقبال هذا النظام مليشيات طائفية بهدف ذبح السوريين، وتهديد الجوار الأقرب والأبعد.
لا أكتب اليوم لأنني غدوت مستشارا للرئيس السوري، وإنما أكتب لقناعتي التي ترسخت بعد دراسات ونقاشات ومقاربات لأشباه ونظائر في عالم التجربة والممارسة السياسية. فباعتقادي كما أن اللغة كائن حي، فمن باب أولى الأفكار والأطر والتنظيمات كائن حي أيضا؛ نظرا لعلاقتها بما يخدم الإنسان ويؤثر في أفكاره ونظرياته.
ولذا فإن مواكبة العصر، وتطوراته وتحديثاته أمر في غاية الأهمية للسياسي العامل في الحيز الاجتماعي، وإلا فإنه بغير ذلك يغمس خارج الصحن، ويغرد خارج السرب.
منذ بداية الانتصار الذي ربما لم يمر على السوريين نصر وفتح مثله في تاريخهم، سارعت كل الأجسام السورية من الائتلاف الوطني السوري لقوى المعارضة، والمجلس الإسلامي السوري، إلى الفصائل العسكرية والسياسية والمجالس المحلية، وغيرها إلى حل أنفسها، ووضع مقدراتها، تحت تصرف القيادة السورية الجديدة.
فكان الكل يهتف لحنا واحدا ونغما موحدا وهو دعم هذه الدولة الوليدة للعبور بسوريا إلى مرحلة استقرار حقيقي وواقع وناجز، لا سيما مع كثرة المتصدين والمتربصين داخليا وخارجيا.
كنتُ قد انتميت في فترة من حياتي إلى جماعة الإخوان المسلمين، غير أنني بقيت دائمًا وفيًّا لتاريخي وللأمانة الفكرية، منتميًا إلى جماعة الأستاذ عصام العطار – رحمه الله. ولا تزال جماعة الإخوان متمسكة بتنظيمها وحزبها وتسعى إلى الاستمرار فيهما.
وباعتقادي المتواضع، ومع احترامي إخواني وأصدقائي في التنظيم، فإن حل التنظيم اليوم، كما فعلت المكونات الأخرى سيخدم البلد، والذي هو رأسمالنا جميعا، ومقصدنا كلنا.
يعلم الجميع أن أصغر واحد من الإخوان المسلمين، ربما يكون عمره في بداية الستينيات، باستثناء أبنائهم ربما. فالفجوة العُمرية التي يعانونها اليوم تعود بالتأكيد، إلى حرمانهم من العمل السياسي في سوريا، طوال تلك الفترة؛ نتيجة الغياب القسري الذي مُورس بحقهم.
وقد تسبب إصرارهم بالتمسك بقرار عدم حل الجماعة في حرمان شبابهم من المشاركة في بناء الدولة، ما دام المحيط الأقرب والأبعد على خلاف معهم، ومتحفظا أو متوجسا منهم، فضلا عن الاقتراب منهم، وهو ما يُفقد الدولة السورية الجديدة خبرات ومهارات.
غياب الإخوان المسلمين عن سوريا لفترة طويلة ممتدة لحوالي نصف قرن، أضر كثيرا بالتنظيم، ليس من حيث تعظيم العمل التنظيمي، وتوسعته، وإنما غيابٌ جعله يتآكل في ظل فيروس البعث المنتشر وسط الشرائح السورية، مشيطنةً الإخوان، فكان ترويجها لمصطلح النظام المعتاد “الإخوانجي” لإشاعة كل ما هو سلبي عن الإخوان ومؤيديهم، كل هذا نتيجة غياب سرديتهم، وحضور سردية النظام.
لعل إصرار الإخوان على البقاء مغردين خارج السرب، مع تصريحات هنا وهناك تُلمح إلى عدم رضاهم عما يجري، يزيد من الشُقة والفجوة مع الشارع الداعم للحكومة، هذه الحكومة التي قامت بعمل تاريخي تمثل في اقتلاع عصابة عمرها ستون عاما، مدعومة من قوى إقليمية ودولية.
لقد سبق أن حل تنظيم الإخوان المسلمين في سوريا نفسه حين وضع الرئيس المصري جمال عبدالناصر جملة شروط لوحدته مع سوريا، فكان من ضمنها حل الأحزاب السياسية، فرضخ الإخوان السوريون لهذا الشرط استجابة ومحبة للوحدة وأشواقها، في حين كان عبدالناصر يسحق إخوان مصر، ويعلق على أعواد مشانقه مؤسسي التنظيم الدولي الذي كان يقود فرع إخوان سوريا.
وحين سألت المراقب العام السابق للإخوان الأستاذ عصام العطار- رحمه الله- عن تلك الفترة، قال لي: (لقد استجبنا لنداء الوحدة، والتي هي أمل الإخوان والشعوب، متعالين على جراح إعدامات إخواننا في مصر من أجل الوحدة).
والسؤال الآن: هل تلك المرحلة التاريخية أوجب من هذه المرحلة التي تمر بها سوريا اليوم، وهل دعوة عبدالناصر هي أولى بالإجابة والسمع والطاعة من حاجة الرئيس السوري أحمد الشرع، لتثبيت حكم ثمنه مليون شهيد و14 مليون مشرد، وهو يعيش ظروفا داخلية وإقليمية ودولية استثنائية، ومن الذي أولى بتثبيت الحكم، أبناء سوريا وتنظيماتها، أم دول إقليمية ودولية هبت لدعم الدولة الوليدة؟!
كان أول المنشقين عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين، الدكتور حسن الترابي- رحمه الله- أواخر الستينيات فأسس الجبهة الإسلامية القومية، مما جعله يحلق في عالم السياسة مع إخوانه الذين التحقوا معه، ليتبعه المعجب به وهو الشيخ راشد الغنوشي – فرج الله كربته- حين أسس جبهة النهضة، وتخلى عن الإخوان المسلمين تنظيما، ونفس الأمر حدث مع تنظيم الإخوان المسلمين في الأردن حين لجؤوا إلى أسلوب جديد ابتدعوه، فأسسوا جبهة العمل الإسلامي الخاصة بالعمل السياسي والمشاركة في الانتخابات والسلطة.
وعلى الضفة الغربية، كانت حماس تتخلى عن الإخوان المسلمين لتشق طريقها بنفسها، حتى إن الإخوان المسلمين في سوريا، سعوا قبل سنوات لتأسيس حزب “وعد”، لكن ولد ميتا؛ لأنهم ظلوا مشدودين للتاريخ والماضي، أكثر مما هم مشدودون للحاضر والمستقبل.
كل هذا يؤكد على أن تنظيما بأدوات تفكير قديمة لا يمكن أن يشق طريقه في عالم السياسة والدعوة، خصوصا أنه غدا يسبح في مواجهة بيئة إقليمية ودولية متخمة بالعواصف والقواصف التي تريد اقتلاعه.
لقد سبق أن حل الإخوان المسلمون في العراق أنفسهم أيضا، أيام الشيخ الفاضل محمد محمود الصواف- رحمه الله-، فهاجر إلى السعودية، ولا زلت أتذكر وهو يروي لنا تلك المرحلة، ونفس الأمر تحت ظروف مختلفة حصل أن حل الإخوان المسلمون أنفسهم في قطر، وفي المغرب العربي وجدنا كيف تغير اسم الإخوان المسلمين عدة مرات حتى وصل حزبهم الجديد إلى منصب رئيس الوزراء.
أما في تركيا فلم تنطلق الحركة الإسلامية بزعامة الراحل نجم الدين أربكان لفضاء سياسي كبير وواسع وثابت، إلا بعد أن خرج عبدالله غول ورجب طيب أردوغان وإخوانهما ليؤسسوا حزب العدالة والتنمية، ويصلوا بذلك إلى السلطة في غضون سنوات، وظلوا فيها عبر صناديق اقتراع شعبي منذ 2002 وحتى الآن.
لقد بدا لنا بشكل واضح ومن خلال التجربة الإخوانية التي حلت نفسها في هذه الدول، أن معظم من حل نفسه، ومارس العمل السياسي والدعوي بتسميات جديدة كان أفضل حالا ممن أصر على التمسك بسياسة ديناصورية، محكوم عليها بنظر بعض الجيولوجيين بالاندثار، ما دام الديناصور قد عجز عن التأقلم مع الظروف الطبيعية الجديدة، وهو حال تنظيم يرفض أن يتأقلم مع ظروف داخلية وإقليمية ودولية تجاوزته.
ما أبوح به اليوم يهمس به الكثير من شباب الإخوان المسلمين في الجلسات الخاصة، كل ما في الأمر أن لدي الشجاعة في أن أطرح هذا كما طرحت عام 2015 مطالبا بفك الارتباط بين جبهة النصرة، وتنظيم القاعدة العالمي، ونشرت في ذلك مقالا بصحيفة عربية، لأنني كنت أدرك حجم الدية والكلفة التي سيدفعها إن لم تتحول إلى تنظيم محلي سوري، همه وشغله وهدفه مواجهة عاديات نظام مجرم مدعوم من قوى إقليمية ودولية، ثم الارتقاء بشعبنا الذي عانى ما عاناه لعقود.
أما رفع الشعارات الكبيرة، لتدفع ثمنها وديتها بشكل يفوق القدرات والإمكانات وحتى المستطاعات، فهذا ليس من المنطق في شيء، وهو تماما ما يفعله الإخوان، إذ يعاملهم العالم كله وكأنهم أخطبوط وإمبراطورية عالمية، وخلافة إسلامية على امتداد القارات الست، بينما حقيقتهم وواقعهم يُرثى له، فالمساكين متمسكون بقصور خيالية وهمية سرابية.