صوت فلسطين
الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي يمثل أحد أكثر النزاعات تعقيدًا وتشابكًا في العالم الحديث، حيث تتداخل فيه الأبعاد السياسية والدينية والتاريخية بشكل يجعل تفكيك السردية الصهيونية تحديًا كبيرًا. في المقابل، هناك فرصة لبناء مشروع فلسطيني أممي قائم على استراتيجية مقاومة فعالة ومنظمة، تستغل الإمكانيات الهائلة المتاحة للأمة الإسلامية والمسلمين في الغرب، وتقدم رؤية جديدة للقضية الفلسطينية في الساحة العالمية.
ميزانية اللوبي الصهيوني مقابل إمكانيات المسلمين الأمريكيين
يلعب اللوبي الصهيوني دورًا محوريًا في توجيه السياسة الأمريكية لصالح إسرائيل، حيث تبلغ ميزانيته نحو 100 مليون دولار سنويًا. رغم ضخامة هذا الرقم، إلا أن المقارنة مع تبرعات المسلمين الأمريكيين، التي بلغت مليار و800 مليون دولار في سنة واحدة، تكشف أن القضية ليست نقصًا في الموارد، بل في التنظيم. إذا تم توجيه هذه الأموال بشكل استراتيجي وفعال، لكان بالإمكان دعم القضية الفلسطينية بطريقة تحدث فرقًا حقيقيًا على مستوى القرارات السياسية والإعلامية.
سيطرة اللوبي الصهيوني على السياسة الأمريكية
يعتمد اللوبي الصهيوني بشكل كبير على التأثير في مراكز صنع القرار في الولايات المتحدة. العديد من الشخصيات السياسية الأمريكية، مثل الرئيس الأسبق جيمي كارتر، أقروا بأن أي عضو في الكونغرس ينتقد اللوبي الصهيوني أو سياسات إسرائيل يواجه خطر خسارة مقعده في الانتخابات المقبلة. على سبيل المثال، ذكر عضو الكونغرس توماس ماسي كيف يرتبط كل عضو في الكونغرس بشخص من اللوبي الذي يوجهه في التصويت على قضايا تمس مصالح إسرائيل. بالإضافة إلى ذلك، كشف ستيفن روزن، المدير السابق لـ “أيباك”، عن كيفية جمع توقيعات 70 عضوًا في الكونغرس في غضون لحظات لدعم قضايا إسرائيلية.
هذا النفوذ الذي يمارسه اللوبي الصهيوني يعكس قوة هائلة تسمح لإسرائيل بالهيمنة على السياسة الأمريكية، لدرجة أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قال في الثمانينات إن إسرائيل تسيطر على البيت الأبيض والكونغرس. هذا التصريح يلقي الضوء على عمق تأثير اللوبي الإسرائيلي على السياسة الأمريكية، خاصة في ظل تشابك المصالح الاقتصادية والسياسية بين البلدين.
الدعم الإنجيلي لإسرائيل ودوره في تعزيز المشروع الصهيوني
إلى جانب السيطرة السياسية، يحظى المشروع الصهيوني بدعم قوي من بعض التيارات المسيحية الإنجيلية في الولايات المتحدة. يستند هذا الدعم إلى عقيدة إنجيلية تؤمن بأن قيام دولة يهودية في فلسطين ضروري لعودة المسيح. يُعتبر الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان من أبرز الداعمين لهذه الفكرة، وقد كان لتوجهاته المسيحية الإنجيلية دور في تعزيز العلاقات الأمريكية الإسرائيلية، حيث كان يرى أن دعم إسرائيل يتماشى مع نبوءات دينية. هذا الدعم العقائدي ساعد اللوبي الصهيوني في فرض سيطرته على صناديق القرار في الولايات المتحدة.
تفكيك السردية الصهيونية: الحق التاريخي والمظلومية
السردية الصهيونية ترتكز على مفهوم “الحق التاريخي” في الأرض الفلسطينية، حيث يدعي الصهاينة أن اليهود يمتلكون هذه الأرض بناءً على وجودهم التاريخي فيها منذ آلاف السنين. ولكن إذا تمعنا في التاريخ، نجد أن شعوبًا أخرى مثل الفينيقيين والكنعانيين عاشوا على هذه الأرض قبل اليهود وبعدهم، مما يجعل الادعاء بوجود “حق حصري” لليهود غير منطقي. يُعتبر هذا التحدي نقطة محورية في تفكيك السردية الصهيونية.
إلى جانب ذلك، تستخدم إسرائيل مأساة الهولوكوست كذريعة لتبرير سياساتها القمعية ضد الفلسطينيين. ولكن، كما يشير المقال، فإن استغلال المظلومية اليهودية لتبرير الظلم الذي يتعرض له الفلسطينيون اليوم هو استغلال غير أخلاقي. الظلم الذي وقع على اليهود في أوروبا لا يمكن أن يُستخدم مبررًا لاحتلال وقمع شعب آخر. من الضروري تفكيك هذه الصلة الخاطئة بين المظلومية اليهودية والاحتلال الإسرائيلي.
الأيباك وصعود نفوذه في الولايات المتحدة
تم تأسيس “الأيباك” عام 1954، وكان هدفه الأساسي تمثيل مصالح إسرائيل في الولايات المتحدة. على مر العقود، نما نفوذه ليصبح أهم لوبي يعمل لصالح دولة أجنبية في الولايات المتحدة. في السبعينات والثمانينات، زاد نفوذ “الأيباك” بشكل كبير، لا سيما في عهد الرئيس ريغان، الذي كان يرى في إسرائيل حليفًا استراتيجيًا وفقًا لرؤية دينية مسيحية. هذا اللوبي لا يعمل فقط لصالح اليهود، بل لخدمة المصالح الإسرائيلية بالدرجة الأولى، بغض النظر عن المعارضة التي يمكن أن تأتي حتى من داخل المجتمعات اليهودية نفسها.
الفرق بين اللوبي الصهيوني و”الأيباك” يتمثل في أن الأول يمثل جزءًا من تحالفات واسعة تهدف لدعم إسرائيل لأسباب دينية، سياسية واقتصادية. بينما “الأيباك” هو اللوبي الرسمي الذي يضغط بشكل مباشر على الحكومة الأمريكية لتبني سياسات تخدم المصالح الإسرائيلية، وقد أصبح الأداة الأساسية لتنفيذ السياسات الإسرائيلية في الداخل الأمريكي.
الثبات والمقاومة: عنصر النصر الفلسطيني
رغم التفوق العسكري الإسرائيلي، إلا أن الفلسطينيين أظهروا قدرة استثنائية على الصمود والمقاومة. الثبات في مواجهة الاحتلال هو أحد أسس المقاومة الفلسطينية، ويُعتبر عنصرًا رئيسيًا في تحقيق النصر. تُظهر غزة نموذجًا واضحًا لهذا الثبات، حيث يستمر المقاومون في مواجهة آلة الحرب الإسرائيلية رغم الفارق الكبير في الإمكانيات.
يستند مفهوم الثبات إلى المبادئ الإسلامية التي ترى أن النصر لا يُقاس بالنتائج المادية فحسب، بل بالقدرة على التحمل والصمود أمام العدوان. هذه القيم تظهر جلية في الثقافة المجتمعية في غزة، حيث يتعلم الأطفال منذ الصغر أسس الثبات والمقاومة. هذا الصمود يعكس قوة معنوية كبيرة تمنح الفلسطينيين القدرة على الاستمرار في نضالهم ضد الاحتلال.
بناء مشروع فلسطيني عالمي
لا يمكن مواجهة المشروع الصهيوني دون وجود مشروع فلسطيني أممي متكامل. أحد الحلول المقترحة هو تأسيس صندوق وقف فلسطيني لتمويل الجهود المقاومة. يمكن لهذا الصندوق أن يستفيد من التجارب السابقة مثل تجربة هرتزل، الذي أسس البنك الصهيوني لدعم الحركة الصهيونية. بالإضافة إلى ذلك، يجب أن تُركز الجهود على تنظيم المجتمعات الإسلامية والمسلمة في الغرب لتفعيل دعمهم السياسي والاقتصادي للقضية الفلسطينية.
إلى جانب التمويل، يجب إنشاء لجان عمل سياسية وقانونية واقتصادية تتابع من يدعم الجرائم الصهيونية وتضغط على الشركات التي تستثمر في إسرائيل. حركات المقاطعة مثل “BDS” أثبتت فعالية كبيرة في الضغط على الشركات والدول لسحب استثماراتها من إسرائيل، وهو ما يمكن البناء عليه لتحقيق مكاسب إضافية.
أهمية الإعلام وتوعية الرأي العام
يسيطر اللوبي الصهيوني على معظم وسائل الإعلام الغربية، مما يجعل الصوت الفلسطيني غائبًا عن الساحة الإعلامية الدولية. لتجاوز هذه العقبة، يجب على الفلسطينيين وداعميهم استغلال منصات التواصل الاجتماعي لبناء سردية إعلامية جديدة تعكس الحقيقة وتواجه الروايات الصهيونية المضللة. السردية الفلسطينية يجب أن ترتكز على قيم الحرية والعدالة، وأن تُقدم بصورة تستند إلى الوقائع التاريخية والإنسانية.
الخلاصة
تفكيك السردية الصهيونية يتطلب جهودًا متكاملة على الأصعدة السياسية، الثقافية، والإعلامية. بناء مشروع فلسطيني أممي يعتمد على استغلال الإمكانيات المتاحة لدى الأمة الإسلامية بشكل منظم وفعال، مع التركيز على الثبات والمقاومة كعناصر أساسية للنصر. مواجهة اللوبي الصهيوني تحتاج إلى تنظيم استراتيجي، واستثمار مالي وسياسي، وتحرك فعال في المنصات الإعلامية. هذه الجهود المتكاملة يمكن أن تحول القضية الفلسطينية إلى قضية عالمية، تضع حدًا للظلم الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني، وتعيد الحقوق إلى أصحابها.