تحرير: محمود مجادلة- عرب ٤٨
22/04/2024
مستوطنون يغلقون مقر الأونروا في القدس المحتلة على وقع (Getty Images)
المراجعة المستقلة والمرتقبة التي أجرتها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة، كاثرين كولونا، بتوجيه من الأمم المتحدة وبمشاركة 3 معاهد أبحاث؛ تخلص إلى أن إسرائيل لم تقدّم بعد أية أدلة تدعم اتّهامها عددا كبيرا من أفراد طاقم الأنروا بالارتباط بـ”منظّمات إرهابية”.
خلصت مراجعة مستقلة لأداء وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا) إلى أنه “لا بديل” عن الوكالة، مشددة على أن إسرائيل لم تقدم أدلة على مزاعم ارتباط موظفي الوكالة بحركة حماس أو انتمائهم إلى منظّمات إرهابية؛ فيما علقت وزارة الخارجية الإسرائيلية على التقرير بزعم أنه يفتقر إلى “فحص حقيقي وشامل.
وأكدت المراجعة التي ترأست لجنتها وزيرة الخارجية الفرنسية السابقة، كاترين كولونا، بتكليف من الأمم المتحدة وبمشاركة ثلاثة معاهد أبحاث، أن “الأونروا كانت تزود إسرائيل بشكل منتظم بقوائم بأسماء موظفيها للتدقيق، وبالمقابل لم تبلغ الحكومة الإسرائيلية الأونروا بأي مخاوف تتعلق بأي من موظفيها”.
وتوضح المراجعة أن إسرائيل لم تثبت بعد أي من ادعاءاتها الأوسع حول “تورط” موظفي الأونروا في الارتباط مع حركتي حماس أو “الجهاد الإسلامي”. وأشارت المراجعة إلى أنه في آذار/ مارس الماضي “أصدرت إسرائيل ادعاءات علنية مفادها أن عددًا كبيرًا من موظفي الأونروا هم أعضاء في منظمات إرهابية، ومع ذلك، لم تقدم إسرائيل بعد أدلة داعمة على ذلك”.
وشددت المراجعة على أن “السلطات الإسرائيلية لم تقدم حتى الآن أي أدلة داعمة ولم ترد على رسائل من الأونروا في آذار/ مارس، ومرة أخرى في نيسان/ أبريل، تطلب فيها الأسماء والأدلة الداعمة التي من شأنها تمكين الأونروا من فتح تحقيق”. وتوضح مراجعة كولونا أن الأونروا “لا غنى عنها” على صعيد التنمية الإنسانية والاقتصادية للفلسطينيين.
“دور أساسي يشكل طوق نجاة إنساني”
وشدّدت اللجنة في تقريرها الواقع في خمسين صفحة والذي كان مرتقبا بشدة، على أن دور “الأونروا يبقى أساسيا في تقديم المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة والخدمات الاجتماعية الأساسية، بما في ذلك الصحة والتعليم، للاجئين الفلسطينيين في غزة والأردن ولبنان وسورية والضفة الغربية”.
وخلصت اللجنة المستقلة في تقريرها إلى أن المشاكل المشار إليها بشأن “الحيادية”، “تتعلّق بحالات عبّر فيها موظفون علنا عن آرائهم السياسية، وبكتب مدرسية ذات محتوى إشكالي مصدرها البلد المضيف، وتستخدم في بعض من مدارس الأونروا، وبنقابيين مسيّسين يطلقون تهديدات ضد إدارة الأونروا ويعرقلون عمليات” إنسانية.
وجاء في التقرير أن “الأونروا تعتبر طوق نجاة إنسانيا” للفلسطينيين. وأضاف “لكن على الرغم من هذا الإطار القوي، لا تزال مشاكل تتّصل بالحيادية قائمة” في الوكالة؛ في حين شدد التقرير على أن إسرائيل لم تقدّم بعد “أدلة” تدعم مزاعمها بارتباط موظفين في الوكالة بـ”منظّمات إرهابية”.
وتعاني الأونروا من أزمة عميقة منذ اتهمت إسرائيل حوالي عشرة من موظفي الوكالة الإغاثية العاملين في قطاع غزة والبالغ عددهم 13 ألفًا، بالتورّط في الهجوم الذي شنّته حركة حماس في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. ودفع الاتهام الإسرائيلي دولًا مانحة عديدة، في مقدّمها الولايات المتحدة، لأن تقطع فجأة تمويلها للأونروا. لكن بعضا من هذه الدول استأنف لاحقا تمويل الوكالة.
ومثّل وقف تمويل الوكالة تهديدًا للجهود التي تبذلها الوكالة والرامية لإيصال المساعدات الضرورية لغزة حيث تحذّر الأمم المتحدة من مجاعة وشيكة. وإثر الاتّهامات الإسرائيلية، أطلقت الأمم المتحدة تحقيقًا داخليًا ومستقلًا، علمًا بأنّ سلطات الاحتلال الإسرائيلية لم تزوّد الأونروا بأيّ أدلة تدعم اتهاماتها.
“استهداف الوكالة يهدف إلى تعميق الأزمة الإنسانية في غزة”
وقالت اللجنة في تقريرها إنه “بناء على قائمة تعود لآذار/ مارس 2024 تتضمن أرقام هويات فلسطينيين، قالت إسرائيل علنا إن عددا كبيرا من موظفي الأونروا هم أعضاء في منظمات إرهابية. لكن إسرائيل لم تقدّم دليلا على ذلك”.
وفي الأسبوع الماضي، شدّد المفوض العام للوكالة، فيليب لازاريني، أمام مجلس الأمن الدولي، على أنّ الأونروا التي أنشأتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في 1949 “هي العمود الفقري للعمليات الإنسانية” في غزة، مندّدا بحملة “خبيثة” لوضع حد لعملياتها.
وحذّر من أن “تفكيك الأونروا ستكون له تداعيات طويلة الأمد”، مع ما يترتب على ذلك من “تعميق الأزمة الإنسانية في غزة وتسريع ظهور المجاعة”. وتتهدّد المجاعة بالفعل شمال القطاع الفلسطيني حيث قتل أكثر من 34 ألف شخص، معظمهم من المدنيين، منذ بدء الهجوم الإسرائيلي، وفقا لوزارة الصحة التابعة لحماس.
إسرائيل تستنكر التحقيق الأممي: “أونروا غزة جزء من المشكلة”
وفي بيان صدر عن وزارة الخارجية الإسرائيلية، جاء أن “حركة حماس اخترقت ‘أونروا غزة‘ بطريقة واسعة لدرجة أنه لم يعد من الممكن تحديد أين تنتهي أونروا وأين تبدأ حماس”، وادعت الخارجية الإسرائيلية أن “أكثر من 2,135 من موظفي أونروا هم ناشطون في المنظمات الإرهابية حماس والجهاد الإسلامي، وخمس إدارات مدارس أونروا هم ناشطون في حماس”.
واعتبرت أن “المشكلة في أونروا غزة ليست بضعة تفاحات فاسدة – إنها شجرة فاسدة ومسمومة جذورها هي حركة حماس”. وقال الخارجية الإسرائيلية إن “تقرير كولونا يتجاهل خطورة المشكلة ويقدم حلولاً تجميلية لا تتعامل مع النطاق الهائل لاختراق حماس إدارة الأنروا في غزة”.
وادعت أنه “ليس هكذا يبدو الفحص الحقيقي والشامل. وهذا يبدو وكأنه رغبة في تجاوز المشكلة وعدم تسميتها باسمها”، ودعت خارجية الاحتلال “الدول المانحة إلى الامتناع عن تحويل الأموال إلى وكالة الأونروا في غزة، حيث ستذهب هذه التبرعات إلى منظمة حماس الإرهابية، وهو ما يتعارض مع تشريعات الدول المانحة نفسها”.
وأضافت “تدعو إسرائيل الدول المانحة إلى تحويل أموالها إلى منظمات إنسانية أخرى في غزة. إن أونروا غزة جزء من المشكلة وليس جزءا من الحل. هناك حلول أخرى. لا يمكن للأونروا أن تكون جزءا من الحل في غزة لا الآن ولا في المستقبل”؛ علما بأن سلطات الاحتلال تتّهم الوكالة الأممية البالغ عدد موظفيها أكثر من 30 ألف شخص في المنطقة (غزة والضفة الغربية ولبنان والأردن وسورية) بأنّها توظّف “أكثر من 400 إرهابي” في غزة، من بينهم 12 موظّفًا تزعم أنّهم متورّطون بشكل مباشر في هجوم “طوفان الأقصى”.
توصيات لتحسين عمل الوكالة
وضمّنت اللجنة تقريرها العديد من “التوصيات” التي أعلنت عنها كولونا أمام الصحافيين في مقرّ الأمم المتحدة في نيويورك. وقالت الوزيرة الفرنسية السابقة إنّ “ما يحتاج إلى تحسين سيتمّ تحسينه، وأنا واثقة من أنّ تنفيذ هذه التدابير سيساعد الأونروا على أن تكون وفية لتفويضها”.
وأضافت أنّها تحضّ “بقوة المجتمع الدولي على الوقوف إلى جانب الوكالة حتى تتمكن من القيام بمهمتها ومواجهة التحديات التي تنشأ”. وتعليقًا على هذا التقرير، قال المتحدّث باسم الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إنّ “الأمين العام قَبِل التوصيات الواردة في تقرير السيدة كولونا”، مشيرًا إلى “خطة عمل” سيتمّ تنفيذها بهذا الشأن.
وردًّا على أسئلة الصحافيين، تطرّقت كولونا مواربةً إلى محتويات معيّنة في كتب مدرسية معتمدة في مدارس تابعة للأونروا وتُعتبر معادية للصهيونية. وقالت إنّه وفقاً لتقريرها فإنّ “الأونروا لم تتلقّ دليلاً من إسرائيل” على تورّط مزعوم لبعض الموظفين الفلسطينيين مع حماس في قطاع غزة و”لا يعني ذلك أنّه لا يوجد دليل” على مثل هكذا روابط محتملة.