محمد علي الصايغ
(مقالة منشورة في الملحق الثقافي لنشرة الموقف الديمقراطي شهر نيسان 2001.)
مقدمات لإصلاح السياسية
الحوار شقيق الديالكتيك، ينتج حقائق جديدة ليست لأي من المتحاورين، بل لهم جميعا، لأنها قائمه فيهم جميعا، ومدخل ضروري الى السياسة، بل لعله المدخل الوحيد، والسياسة في احد اهم معانيها هي نفي العنف، او نفي ” الحرب” خارج المدينه، اي خارج الدولة، بما هي تعبير سياسي عن وحدة المجتمع، وفي مستوى متقدم هي نفي الحرب كليا ونهائيا، السياسة هي نفي الحرب، لانها، اي السياسة، المعنى الذي تنعقد عليه وحدة المجتمع والدولة ووحدة الحكم والشعب ووحدة السلطة والمعارضة ، وحدة ” الساحة والقصر”، ووحدة المعارضه ايضا. ولعله من نافل القول ان نؤكد ان الوحدة المعنية وحدة جدلية، تناقضية، هي هوية التعدد والاختلاف والتعارض، السياسة هي المعنى الذي تنعقد عليه وحدة المجال السياسي والمجتمعي لانها تعبيرا عما هو عام ومشترك بين جميع المواطنين وبين جميع الفئات الاجتماعيه والتعبير العياني عن منطق الواقع فالسياسة والمنطق مقولتان تتقدمان معا وتتراجعان معا والسمه الابرز للمجتمعات المتقدمه اي المندمجه قوميا واجتماعيا هي وحده مجالها السياسي الذي تتجابه فيه وتتقاطع تيارات واتجاهات مختلفه ومتخالفه وفي مثل هذا المجال السياسي الموحد تقوم الوحده الجدليه بين السلطه والمعارضه هذه الوحده التي لا تعرفها ولا تعترف بها النظم الاستبداديه، ويستهجنها سياسيوها ومعظم مثقفيها ايضا هي التي تفضي الى الاستقرار السياسي الفعلي والى التداول السلمي للسلطه والاستقرار السياسي والتداول السلمي للسلطه من اهم المداخل السياسيه للتقدم.
لعله من المستحيل ان يتم تداول سلمي للسلطه ما لم تكن هناك وحده جدليه بين السلطه والمعارضه والا كيف يمكن ان يتحول الشيء الى نقيضه من دون تدمير الوحده او تفكيكها، ان مصير السلطه الاستبداديه ان تدمر وحده المجال السياسي المجتمعي والروابط المجتمعيه ثم تدمر نفسها فليس بوسع السلطه السياسيه ان تنفي المعارضه من دون ان تنفي ذاتها ومن دون ان تنفي صفتها سلطه سياسيه، وكذلك المعارضه.
وليس بوسع الدوله ان تنفي المجتمع من دون ان تنفي ذاتها وصفتها دوله ايضا الدوله الاستبداديه هي اي شيء سوى الدوله السياسيه والسلطه المستبده هي اي شيء سوى السلطه السياسيه لانها بالقدر نفسه استلاب ناجز للمجتمع والشعب.
لقد اوصل الاستبداد شعوبنا ومجتمعاتنا الى مفترق اما الاصلاح الديمقراطي واما الكارثه اما الديمقراطية واما التوحش والهمجية اما نجاه جميع واما غرق الجميع اما السياسه واما الحرب.
وقد آن لجميع الذين يحبون الحياه ويؤمنون بالكرامه الانسانيه ان يعارضوا الحرب بالسياسه فجميع البنى والتشكيلات الاجتماعيه والسياسيه الى يومنا وساعتنا هي نتاج الحرب وكذلك الشقاء الذي يتخبط فيه اربعه اخماس البشريه. فالحرب ليس امتدادا للسياسه بوسائل اخرى كما زعم كلاوزوفيتس بل هي نكوس الى البدائيه والتوحش، يقسم العالم والمجتمعات كلا على حده الى غالب ومغلوب والى ساده وعبيد تابعين وقد كانت العبوديه والتبعيه ولا تزالان من اسوا بنات الحرب ففي حاله الخضوع للطغيان اي في الحاله الجماهيريه / القطيعيه، يتماهى المغلوب مع الغالب وتغدو علاقات القوه محور العلاقات الاجتماعيه والسياسيه ولما كان المغلوب يفتقر لعناصر القوه الفعليه فانه يصطنع عناصر قوه وهميه ليست من القوه والخسه والنزاله والكيد للاخر والاحتيال عليه، الجماهير / القطيعيه بنت الطغيان وابرز مظهر من مظاهره وهي في الواقع شكل جديد من اشكال العبوديه التي انتجها منطق الحرب ولعل البشريه كلها باتت في حاجه ماسه الى حرب اخيره على الحرب، كما يقول اريك فروم، والذي سيعلن هذه الحرب ويخوضها حتى نهايتها هو العقل ليس بوصفه الذكاء والحيل والحنكه والدهاء فقط وليس ما يتجلى في العلوم الوضعيه وفي التقنيه فحسب بل بوصفه ماهيه الانسان وجوهره ومبدا كليته الذي سيعلن هذه الحرب ويخوضها حتى نهايتها والروح الانساني المتعين في جميع بني ادم المستخلف في الارض والذي يتجلى في العمل الخلاق وفي الانتاج الاجتماعي وفي الابداع وفي جميع مجالات المعرفه ولا سيما في الادب والفن والدين والفلسفه وفي جميع مجالات العمل وبهذا تتعين المهمه التاريخيه الملقاه على عاتق المثقفين وكتلة الانتلجنتسيا، وعلى الشعوب الذي التي تجرعت مراره الحرب وذل التبعيه، وتتعين من ثم، وظيفة الثقافة والتربية والسياسة.