19نيسان2024
منير شفيق
رابطة أدباء الشام – قضايا
منذ تأسست المقاومة المسلحة الفلسطينية المعاصرة من خلال حركة فتح 1965، بل منذ تسلمت الفصائل الفلسطينية بقيادة فتح م.ت.ف، وهنالك مقولة مسمومة تلاحق المقاومة في أثناء، أو بعد، كل حرب تشنّ ضدها، وضد الشعب الفلسطيني.
تقول تلك المقولة: هل يساوي ما قامت به المقاومة، الثمن المدفوع، أكان كبيراً أم صغيراً؟
طبعاً، لا يصح أن يأتي الجواب: نعم يصح. لأن دماء الضحايا فوق كل ثمن، بالرغم من أنه ثمن، لا بد من أن يُدفع في المقاومة ضد الاحتلال الغاشم. وهذه مسألة واجهت كل الشعوب التي ناضلت ضد غزو أو احتلال، ومن بينها الشعوب الأوروبية التي قاومت الاحتلال النازي، وكذلك فييتنام والجزائر، ومن قبل استقلال أمريكا من الاستعمار البريطاني.
ولكن مع ذلك ثمة أصوات شاذة، أخذت تردّد تلك المقولة مستخدمة، وبلا وجه حق، مجزرة القتل الجماعي لمدة ستة أشهر، ولم تزل مستمرة، كحجة ضد المقاومة. وهي الإبادة الإنسانية التي يدينها القانون الدولي. وتسقط، أمام كل القِيَم والأخلاق والضمائر الإنسانية، لخروجها عن قوانين الحرب، والقوانين الإنسانية الدولية.
هذه الأصوات سوف تتصاعد مرة أخرى، وذلك بعد انتصار المقاومة، بإذن الله، والمؤكد من خلال تجربة الستة أشهر الماضية. وذلك للتقليل، أو التبخيس، من أهمية الانتصار التاريخي للمقاومة والشعب في غزة. وهو انتصار لكل الشعب الفلسطيني، وللعرب والمسلمين والإنسانية، وأحرار العالم.
وذلك إلى جانب، خوف هؤلاء، من التأكيد على صحة استراتيجية المقاومة المسلحة في مواجهة الاحتلال، واستمرار مسيرة تحرير فلسطين من النهر إلى البحر. فالانتصار يزيد التأكيد على صحة استراتيجية المقاومة المسلحة في مواجهة الاحتلال الذي وقع في حزيران 1967، وفي مواجهة اغتصاب الكيان الصهيوني لثمانين بالمائة من فلسطين، وإقامة “دولته” عليها عام 1948/1949.
هذا أولاً، أما ثانياً فيُراد التهويل على الفلسطينيين عموماً، وعلى كل من يتجرأ على مقاومة الاحتلال، أن يرتدع من الخسائر التي يمكن أن تحدث، إذا ما استمرت المسيرة، إلى التحرير الكامل. علماً أن هذه المجزرة لن تتكرر أبداً. لأن مرتكبها سيلقى، أسوأ مآل.
إن تجارب كل شعوب العالم، بلا استثناء، تؤكد أن إثارة موضوع الخسائر في المقاومة أو حروب التحرير تحمّل مسؤوليته بالكامل على الطرف الذي احتل البلاد. ولا يجوز من قريب أو بعيد، تحميل المسؤولية للمقاومة العادلة المشروعة، والتي لا بد منها، لتحرير الوطن.
ومن ثم فإن حجة من يثيرون هذه الإشكالية، خصوصاً، في الساحة الفلسطينية، ساقطة، ولا يجب الالتفات لها، إلاّ بالرد الحاسم في تبيان خطئها السياسي والأخلاقي، كما ضعفها وتهافتها وتغطيتها للجريمة والمجرم.
فالذين يستعدون لاستخدام هذه المجزرة، ليهاجموا المقاومة أو لومها أو نقدها، عليهم أن يلتزموا الصمت أفضل، وإلاّ سقطوا في تهمة تسويغ تسليم العالم إلى وحوش، دونها وحوش الغابة.
ولهذا يصرخ العالم اليوم وبصوت واحد: كفى كفى.