مدونة برهان غليون
20 / 10 / 2024
1- أثارت كلمة عزاء للشعب الفلسطيني باستشهاد احد رموزه وقادته في معركة الشرف والدفاع عن الحق زوبعة في فنجان بعض اصدقائنا المعارضين السوريين. وهي لم تكن في الواقع، في أحد وجوهها، إلا اعتذارا مقنعا عما بدر من بعض شبابنا من كلمات لا تليق بنضال الفلسطينيين ولا تراعي معاناتهم في وقت يذبحون فيه امام اعين العالم المتفرج بأكمله. وكانت، بمعنى آخر، تعبيرا عن الاعتراف بالتضحيات الهائلة التي قدمها هذا الشعب، وببطولة جميع أبنائه الصامدين في غزة بشكل خاص في مواجه وحش حديدي سلطه تحالف شيطاني على الجميع. وهي، في النهاية، قضية اخلاق وأدب وتعامل إنساني قبل ان تكون قضية سياسة، ودفاع عن انسانيتنا وخشية من هدرها على مذبح الشماتة والانتقام. فاذا فقدنا القيم والمباديء والروح الانسانية فقدنا انفسنا ولن يعود هناك بعد ذلك معنى لا لثورة ولا بكرامة ولا لحقوق وحريات.
كانت أيضا دفاعا عن السوريين ضد خطر انطوائهم على أحزانهم وانزلاقهم الى مواقف انعزالية تفصلهم عن محيطهم وتدفع بهم الى الارتماء، كما يريد اعداؤهم، في حضن القوى الراعية لاسرائيل والداعمة لنظم الطغيان قبل ثورة آذار وبعدها. وكان من بين الدوافع اليها الخوف من انزلاق بعضنا، بضغط مشاعر الشماتة والانتقام اللاشعورية، الى تبني سردية الكيان الاسرائيلي الذي يريد ان يقلب الصورة رأسا على عقب، فيجعل من مقاومة الشعب المضطهد هي المشكلة وليس الاحتلال، ويمرر بذلك حرب الابادة ضد شعب كامل بذريعة الرد على عملية الاقصى “الارهابية”، تماما كما برر نظام الأسد ومعه العديد من العواصم الغربية الصمت على حرب الابادة السورية بذريعة تغول داعش والفصائل الاسلامية لتخفي بذلك جوهر الثورة التحرري في مواجهة احد اشرس النظم الاستبدادية والارهابية.
والقبول بمثل هذا الخطاب المعلن او المضمر من قبل بعضنا، وفي هذه اللحظة، يمكن ان يتحول الى تواطؤ مقصود او غير مقصود مع سياسات الحرب الاستيطانية الاسرائيلية والامريكية وتحميل الفلسطينيين وزر ما حصل ويحصل من مآسي ودمار بذريعة عملية ارهابية خطط لها شخص ونفذتها حركة سياسية متطرفة والهمتها فكرة اسلامية فاسدة بالطبيعة، وتبرئة الاحتلال بصورة مباشرة او غير مباشرة من مسؤولياته عما يجري من عنف وقتل ودمار. وهذا يكرر ما جرى ويجري الى الآن في سورية. فهنا ايضا يردد النظام وحماته وبعض المذعورين من اعضاء المعارضة ان مسؤولية ضحايا الحرب الابادية التي شنتها قواته وقوات حلفائه تقع على الشعب وعلى الفصائل المقاتلة “الإرهابية” المرتبطة بالصهونية وامريكا والغرب. وان لو لم تقم ثورة ولا كانت هناك مقاومة فلسطينية لما وصلت الأوضاع الى ما هي عليه. فعلى منوال نظام الأسد وحلفائه تلقي حكومة الاحتلال الاسرائيلي المسؤولية في كل ما يحصل من دمار وابادة شاركت فيها قوات امريكية واوروبية وبالأسلحة الأكثر دمارا على الفصائل الفلسطينية وتختبيء وراء هذا الخطاب لتبرر كل سياسات القتل المنظم والانتقام الجماعي وجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية ونظام الابارتهايد المستمر منذ 75 سنة. وهي ايضا ترفض الاعتراف بالفلسطينيين كشعب ولا ترى فيهم سوى ارهابيين حتى بعد ان قبلت قيادتهم في منظمة التحرير الفلسطينية تسوية رديئة في اوسلو كرست حرمانهم من حقوقهم الاساسية في وطنهم. ولم تتوقف عن بناء المستعمرات في الضفة وتحويل غزة الى “غولاغ” ومنفى لمليوني إنسان ورفض اي تسوية سياسية، ولا ترى مخرجا للصراع سوى بالاغتيالات والقتل الجماعي والتهجير.
ولا يهدف هذا الطرح الا الى طمس جوهر المسألة وتغييب الأسئلة الأساسية التي لا حل من دون الاجابة عنها وهي: لماذا نشأت هذه الحركة ومن دفع الفلسطينيين إلى المقاومة تحت لوائها؟ وقبل ذلك من المسؤول عن وصول القضية الفلسطينية الى الموقع الميت والانتحاري الذي غذى التطرف والراديكالية الاسلامية وغير الاسلامية؟ وهو المنطق الذي يضع المسألة في طريق مسدود ويلغي اي امكانية للخروج من الصراع نحو حل مقبول يحقق العدالة ويضمن السلام والامن للجميع.
إن انكار المشكلة الحقيقية وعدم النظر فيها إلا من زاوية العنف من دون التفكير بأسبابه يجعل من المستحيل ان يكون هناك خيار آخر غير مواجهة العنف بعنف أكبر وأشد، وهذا ما عاشته المسألة الفلسطينية وعانت منه ولا تزال مسائل التحول السياسي في البلاد العربية حيث ترفض النظم الأوليغارشية القائمة النظر الى حركات المعارضة السياسية المطالبة بالديمقراطية إلا على انها حركات ارهابية مدعومة من الخارج وعميلة وأي تفاوض أمامها هو استسلام امام العنف والارهاب يهدد الدولة والنظام العام.
2- فكما هو واضح، لا يقود هذا الطرح الذي يستبعد منذ البدء اي حوار او تسوية سياسية لمسائل الصراع إلا إلى طريق العنف. . ولأن الأمر يتعلق بمسألة وجودية، أي بمصير الشعوب ومستقبلها، سواء في فلسطين او في سورية، ولا يمكن ان يتوقف الا بالقضاء النهائي على الخصم، فلا مهرب من خوض حروب الابادة التي لا يتوقف عنفها عند حدود القوى المنظمة والجيوش وانما ينزع إلى تدمير العمران وتهجير الشعوب التي” تنتج العنف والارهابيين”. فليس تجنب الحرب والدمار هو ما تسعى اليه هذه النظم الاستعمارية الجديدة وانما الاستعداد والإعداد الدائم لحروب لا تنتهي. هذا ما برهن عليه حكم الاسد وهذا ما تبرهن عليه حروب نتنياهو في فلسطين اليوم. وهذا ما ينبغي التركيز عليه، من دون ان يعني ذلك تجاهل أخطاء المقاومين ولا التقليل من شان الخسائر الفادحة التي قادت إليها قرارات مرتجلة او خاطئة. المهم ان لا نضيع البوصلة ونحدد المشكلة الرئيسية ونطمس من دون قصد مسؤولية المجرمين الفعليين او نغطي عليها بتحميل الضحايا مسؤولية قتلهم بانفسهم بعد دفع بعض شبابهم الى العنف والتمرد والانتحار.
3- لا ينفي ذلك ان عددا من المعنيين ومنهم السنوار قد أخطأوا بحق السوريين باعلان تأييدهم لنظام الاسد الأجرامي. لكنهم لم يرتكبوا كما فعل قادة حزب الله، الذين تباهوا بغطرسة استثنائية بمشاركتهم في القضاء على الثورة السورية، وارتكبوا جرائم حرب مباشرة في حق ابنائنا وبناتنا لا دفاعا عن قضية عادلة او بذريعتها وانما ارتهانا لإرادة الولي الفقيه الايرانية الطامحة الى بناء إمبرطورية إقليمية على حساب استقلال شعوب المشرق وحريتها وكرامتها. ولم يكن في ذلك الا اداة في يد الحرس الثوري لاختراق هذه الشعوب واخضاعها.
أخطأت حماس في التعبير عن تأييدها للنظام بعد ان وقفت مع السوريين وإغلقت مكاتبها في دمشق، لكنها لم تنحرف عن هدفها، وزجت بكل قوتها في مقاتلة المحتل الإسرائيلي لارض فلسطين وللجولان. وهذا يحسب لها. وللشعب الفلسطيني وحده الحق بمحاسبتها فيما يتعلق باخطائها وبخيارها السياسي والاستراتيجي، ونحن لسنا أوصياء عليه. وبكل الاحوال ليس خطاب السنوار السيء الحظ وبعض رفاقه من أجهض ثورتنا، إنما الغرفتين العسكريتين “الموم” و”الموك” اللتين توليتا منذ 2013 القيادة وتوزيع المال والسلاح على الفصائل، فأعطت كل منهما من تشاء وحرمت من تشاء، وقبولنا بذلك وتسليمنا بالتبعية للغير. هكذا تراجعت مواقع الثورة ومساحات سيطرتها إلى منطقة محدودة بعد ان كانت الفصائل الاهلية قد حررت الجزء الأكبر من الارض السورية بالرغم من زج الايرانيين ميليشياتهم الطائفية وتدخل القوات الروسية الذي لم يكن من دون موافقة أمريكية. فليس لسياسة امريكا في منطقتنا بوصلة اخرى غير المصالح الاسرائيلية.
4- وفي جميع الاحوال لا ينبغي ان نفرح لفرح الإسرائيليين ونشمت لشماتتهم. وليست مصالحنا متطابقة مع مصالح اسرائيل ولا متقاطعة معها. من يعتقد ذلك يضيع البوصلة ويضل الطريق ويفاقم من أزمتنا وانقساماتنا وضياعنا. لا يمكن لمصالحنا الوطنية ان تلتقي مع حرب الابادة الجماعية لاخوتنا في فلسطين ولا يمكن لمرتكبي جرائم هذه الحرب ان يكونوا حلفاء ذاتيين او موضوعيين لنا في أي وقت وحال. فهم يرون فينا فرائس تماما كما يرونها في الفلسطينيين. ولا ينبغي ان تغرنا ابتساماتهم او صراعهم مع طهران لوراثة مكانها وبسط سيطرتهم علينا. اسرائيل ليست ولا ينبغي ان تكون البديل لايران في سورية. البديل الوحيد لتسلط ايران وعميلها الاسد هو الشعب السوري وحده. ولهذا ناضلنا وضحينا ولا نزال.
5- ثم ان نضالنا لم ينته ولن ينتهي قريبا، ومعركتنا طويلة وطريقنا مليء بالأشواك والمطبات والمعارك ونحن بحاجة إلى أن ننسق كفاحنا مع كفاح اخوتنا في كل بلاد الشام التي هي كتلة جيوسياسية واحدة لا يمكن ارساء السلام فيها إلا باحترام وتأمين حقوق جميع ابنائها وشعوبها. فلا يعني الانتصار الساحق لإسرائيل، كما تريده الولايات المتحدة وحلفاؤها، سوى انفلات الشهية الاسرائيلية لمزيد من الغطرسة والتجبر والتوسع والدوس على حقوقنا ومصالحنا.
ولا بديل ممكن لنا لمواجهة خطط اسرائيل التوسعية وتسلطها على مصائر شعوب المنطقة إلا باعادة التنسيق بين كفاحنا على جميع الجبهات. لهذا ليس من مصلحتنا ولا مصلحة احد في المشرق العربي ان نصنع أعداء من اخوة لنا فلسطينيين ولبنانيين وخليجيين بدل ان نقاتل معهم ويقاتلوا معنا ضد عدوهم وعدونا، سواء اكان اسرائيل الرافضة لاي حل سياسي في فلسطين والجولان او ايران التي جيّشت ميليشياتها الطائفية لتدمر كياننا وتفكيك مجتمعاتنا وابتلاعها.
٦- ومن يراقب بدقة ما يجري في منطقتنا يدرك انه لم يترك للشعوب العربية في المشرق الذي تم تمزيقه وبلقنته قصدا، لإخضاعه والتحكم بمصير شعوبه وإقامة اسرائيل مستعمرة استيطانية اجنبية وتعزيزها بكل الوسائل القتالية والتدميرية، سوى احد خيارين لا ثالث لهما:
الأول الحل الانتحاري الذي بدأ مع الفدائيين الفلسطينيين منذ الخمسينات من القرن الماضي ولن ينتهى بحرب الابادة في غزة، مرورا بخسارة جميع الحروب التي خاضتها الدول العربية مجتمعة ومنفردة مع اسرائيل.
والثاني هو قبول السلام المجاني، وهو ليس السلام مقابل السلام الذي اعقب التخلي من دون ثمن عما كان موضع اتفاقات كمب ديفيد: الأرض مقابل السلام، وإنما اصبحت المعادلة اليوم: التسليم بقيادة اسرائيل للمنطقة او باسبقية اجندتها التوسعية التي لا نعرف اين تقف مع بروز الصهيونية التوراتية المتطرفة.
فليس هناك دولة عربية قادرة على هزيمة او حتى التفكير في مواجهة الولايات المتحدة التي وضعت كل ترسانتها في خدمة احط حروب اسرائيل، وهي حرب الابادة الدائرة منذ اكثر من عام في غزة. وليس لدى اي منها ولن يكون خيار اخر للحفاظ على سلامها وأمنها الا التطبيع المجاني مع إسرائيل الدولة القوية والنووية الوحيدة والطامحة إلى السيطرة الكلية على المنطقة. وقد جاء دعم واشنطن غير المحدود وغير المشروط لها وإطلاق يدها في الحرب التوسعية ليزيد من طموحاتها وتمكين حكومات اليمين المتطرف من إخضاع الدول العربية ووضعها تحت التهديد الدائم لفرض الاذعان عليها والعمل على أجندتها. ومن الطبيعي ان يفتح هذا الوضع، كما ذكرت في مقال سابق، شهيتها للتوسع والسيطرة من دون حساب، وربما التدخل في تعيين الحاكمين في هذه الدولة او تلك وفرض الجزية عليهم ايضا.
واذا رفضنا الخيارين: الاستسلام والانتحار، وينبغي أن نرفضهما، لا بد ان نبلور خيارا ثالثا لم نوجده بعد، ليس بالضرورة من اجل هزيمة اسرائيل وحلفائها الأمريكيين في الميدان العسكري وهو مستحيل ولكن لنعزز قدرتنا على المناورة السياسية الاقليمية والدولية ونحد من جموح اسرائيل العنصرية ونستقطب تعاون وتفهم الدول الاوروبية ودول الجنوب العالمي الأكثر تعاطفا مع قضايانا الى جانبنا.
ومن المؤكد اننا اذا بقينا مشتتين، نشتم بعضنا بعضا ونندب حظنا، ونشكك واحدنا بالآخر، ونفقد احترام شعوبنا بعضها لبعض ونشمت بخسارة اشقائنا، ونغض النظر عن خساراتنا ونبتلعها، لن نتقدم خطوة في تجاوز محنتنا وسنبقى ممزقين ونزداد تمزقا.
لهذا اعتقد انه ليس لنا مصلحة في تعميق الشروخ في ما بيننا نحن في هذه المنطقة المتنازع عليها في ما نسميه بلاد الشام، وما كان ينبغي ان يكون دولة واحدة في عشرينات القرن الماضي. فسورية الطبيعية كما ذكرت سابقا وحدة جيوسياسية متكاملة ولا يمكن ان يحل فيها السلام ما لم يتم احترام حقوق جميع شعوبها وافرادها. وهذا يتطلب منا ويفرض علينا ان نقدم التفكير السياسي والحسابات الاستراتيجية على العواطف والمشاعر والحزازات والجروح القديمة او المتجددة، حتى نستطيع ان نعمل معا وحتى لا تصبح حياتنا اجترارا لخلافاتنا ونزاعاتنا وخساراتنا واحباطنا. وارى ان من الضروري بعد ان فقدنا الماضي وخسرنا الحاضر ان لا نضيع المستقبل. ونحن لن نستطيع ان نبنيه الا معا، وبالتفاهم والتعاون والتضامن، كدول متجاورة اذا لم نشأ ان نعترف بهوية قومية واحدة او قرابة ثقافية وتاريخية قائمة. وإعطاء الاسبقية لحساباتنا السياسية والاستراتيجية لا تعني بالضرورة الدوس على مشاعرنا وعواطفنا ولكن ضبطها وعدم الانسياق وراءها وتعميق اسباب الصراع والنزاع وتغذية الاحتقانات النفسية والجروح العاطفية.
إن الاستسلام لمشاعر الكراهية واحياء العداوات التاريخية او الطائفية او الجهوية او الاثنية لن يفيد إلا في تعطيل تفكيرنا، ويسيء الينا قبل ان ان يسيء إلى من نخطىء بتحويله الى خصم لنا وهو ليس كذلك. فهذا يوجهنا توجها خاطئا ويبدد جهودنا جميعا بدلا من ان نعمل على تجميع قوانا والتعاون على معالجة مشكلات ضعفنا وعجزنا. لا بأس في أن نتذكر الأخطاء، بل ينبغي ان نتذكرها ونتداول فيها حتى نتجاوزها، لكن لا أن نستمر في تحريك الخنجر في الجرح حتى يتفاقهم الألم ولا يمكن شفاؤه. وبعبارة أخرى، حتى بين الأخوة تحصل خلافات وينبغي ألا نتوقف عندها او نجمد التاريخ بسببها. فنحن امام تحد واحد وخطير تحتاج مواجهته الى تضامننا جميعا وتوحيد جهودنا وطاقاتنا، ليس من اجل تحقيق السلام الذي يكاد يصبح حلما فحسب ولكن من اجل البناء والتنمية وتامين شروط الحياة الكريمة لابنائنا.
باختصار، ينبغي الا نفقد البوصلة وان نضع دائما في كل حركة وكلمة وخطاب في مقدمة تفكيرنا واهدافنا تأمين شروط تغيير أحوالنا، والبحث عن كل ما يساعدنا على هذا التغيير، وما يعزز جبهتنا الداخلية وتحالفاتنا الخارجية. والتحالفات العربية مهما كانت حدودها تبقى هي مصدر الدعم الرئيسي المتاح لنا.
لنترك الشكوك والاتهامات الباطلة والتفشش بالآخرين ورمي المسؤولية عليهم ونركز على ممارستنا الفردية والجماعية التي نادرا ما نخضعها للمراجعة والنقد والاصلاح. وهذا لا يتحقق من دون تنمية الروح الايجابية والتعاونية والتوقف عن تضخيم ما يولده الإحباط من روح التهديم والهدم المتبادل والتشكيك بالنوايا وتحطيم الثقة بالآخر والإساءة له لمجرد اختلافه في الرأي معنا. ينبغي علينا بالعكس من ذلك النظر الى الاختلاف في الرأي كمصدر للتجدد وإغناء روح المبادرة وابراز الخيارات العديدة الممكنة التي تحررنا من الانغلاق على السائد وتفتح أفاقا وحلولا جديدة ومتجددة. وهذا يستدعي ان نفتح إذهاننا للآخر ونقبل التحاور معهم، والسعي الى تفهم طروحات ومنطق كل واحد منا قبل تكبيله بالتهم واختلاق القصص والأقاويل الباطلة.
لا يحتاج المرء من اجل التعبير عن رأيه الى تجريم رأي الآخر أو تقويضه، ولا يزيد هذا التجريم والتشويه من قيم الرأي المقابل بل ربما يقلل من شأنه وصدقيته. ولم أكن مضطرا لتأكيد حقي الطبيعي في التعبير عن رأيي إلى اتهام أحد في وطنيته او عقيدته أو سلامة عقله، ولا إلى نفي حق الآخرين المختلفين في تقييمهم وتقديرهم للموقف في التعبير عن رأيهم، ولم أنكر عليهم موقفهم. وأبسط مباديء الديمقراطية التي هي جوهر ثورتنا الدامية الاعتراف بحرية الرأي والتعامل مع الاختلاف بروح ايجابية والنقاش بموضوعية وبحجج منطقية من دون اتهام او تشهير او شتائم لا تليق بشعب ضحى بمليون شهيد من اجل ان يستعيد حقه في الكلام والتعبير عن الرأي والاحتكام للشعب، ليس في الانتخابات السياسية فحسب ولكن في تداول الأفكار والطروحات والمواقف أيضا. فحرية الفكر كانت وينبغي ان تكون مقدمة لجميع الحريات السياسية. وعذرا لكل من ساءه ما ذكرت أو وجد في موقفي خروجا عن المألوف أو المعقول او المطلوب أو المامول.