د. مخلص الصيادي
التقديم للأخ مهمند الكاطع
أضع بين أيدي الأصدقاء رابطين مهمين لحلقتين نشرهما الأستاذ هوشنك أوسي، حيث تناولت الحلقة الأولى (مناهضة خطاب الكراهية ضدّ الكرد) بينما تناولت الحلقة الثانية (مناهضة خطاب الكراهية ضدَّ العرب). وأبدأ قبل كل شيء بتوجيه تحية كبيرة للأستاذ هوشنك على فتح هذا الموضوع المهم والشائك أيضاً.
قطعاً اتفق مع الأستاذ هوشنك أوسي في كثير من النقاط المطروحة في هذه الحلقة وجوهر وهدف الحلقة من حيث المبدأ.
كذلك أختلف معه في جملة من التفاصيل والجزئيات والمصطلحات والمبررات بين السطور. وبالرغم من أن الأستاذ هوشنك كان موفقاً إلى حد بعيد في ضرب أمثلة على هذا الخطاب في كلا الجانبين وقدم رؤية نقدية تصالحية اتجاه كلا الخطابين، لكن يبدو أنه لا تزال هناك نقاط ضعف في معالجة الجذور والمسببات وطرح الحلول.
لكن تبقى فكرة محاولة تحليل خطاب الكراهية لدى بعض العرب اتجاه الأكراد أو خطاب الكراهية لدى بعض الكرد اتجاه العرب، فكرة مهمة جداً، ومواجهة هذا الخطاب تفكيكاً وتحليلاً ونقداً هي ضرورة حتميّة وتحتاج أيضاً جهوداً جماعيّة ومساحات حوار مباشرة وهادئة تستحضر احترام الذات واحترام الآخر وتقبله قبل البدء بمشروع من هذا القبيل، لأنها ستجعلنا نتعرف عن كثب على الثغرات التي يمكن من خلالها تبرير هذا الخطاب والإحاطة بجزء من أسبابه كما يراها كل طرف، وكذلك رؤية كل طرف لهذا الخطاب من زاويته وكيفية الوصول لجهد جامع لمناهضته وتحريمه بما يحفظ مصالح وكرامة ومستقبل الجميع.
بالطبع ستكون هناك وجهتان مختلفتان في بداية كل حوار حول جزئيات تتعلق بتبرير الخطاب ومحاولة فهم جذوره وكيف ظهر ، ومسؤولية كل طرف عن ظهوره ومدى التسبب فيه، كذلك نسبة انتشار الخطاب لدى كل طرف على المستوى النخبوي والشعبي، كذلك لا يمكن إهمال حقيقة أنه سيتخلَّل كل محاولة من هذا النوع سواء صدرت عن الأستاذ هوشنك أوسي أو مهند أو زيد أو عمرو نوع من الاصطفاف اللاشعوري مهما كنّا مؤمنين بسمو فكرة الحياد، لأنّ هناك مسائل تنشأ في العقل الباطني لكل شخص أو جماعة بشرية تختلط فيها العواطف والشعور بالغبن والخوف والشائعات والتأثر بالبروبغندا والإيديولوجيات التي تتواجد في كل زمان ومكان، وبالتالي سيواجه كل إنسان صعوبة في التحكم بهذه المشاعر دوماً وفي كل الأوقات، حتى مع صدق المحاولة، لذلك تظهر دائماً ملاحظات ونقد حتى اتجاه من (ينتقد خطاب الكراهيّة) وقد يتضمن خطابه شيء من تلك الكراهية باللاشعور حتى لو فسرها كنقد وكشف، طبعاً قد يكون بعضها حقيقياً وصائباً ومبرراً أيضاً ومفهوماً، وقد يكون بعضها مغلوطاً ومرتبط كذلك بجملة العواطف والمشاعر والأفكار المستقرة في العقل الباطني لدى الآخر الذي يقوم بهذه المهمة المقدسة والإيجابية بمحصلتها النهائية في حال استثمارها بالصورة الصحيحة.
لكن بالمحصلة، أودّ التأكيد هنا على ما ذكرته في متن هذا المنشور، أنَّ مثل هذه الخطوات النقدية سواء اتجاه الآخر المختلف أو اتجاه الذات، برغم ما قد يعتريها من حدّة اتجاه نقد الآخر والنعومة اتجاه انتقاد الذات، تبقى مهمّة جداً جداً، وتؤسّس بشكل عمليّ لمساعي حميدة إذا أحسنّا استثمارها “كما أشرت آنفاً”، كما أنّ مثل هذه المحاولات ستؤسس لحوار عقلاني وليس طوباوي بالضرورة، وتسهم بقدر كبير في تقليص الهوّة ومساحات الاختلاف إذا توفرت العزيمة والرغبة الصادقة بالحوار الموضوعي المباشر، كذلك ستُساهم في تشجيع الخطاب النقدي الذي يجب تقبله، وتنقية الأجواء النخبوية (بشكل خاص) من خطاب الكراهيّة والأحكام القطعيّة المسبقة والانحدار لمستويات سوقيّة من تبادل السباب والاتهامات والحشد العنصري اتجاه عدوات متخيّلة لا ترى شيئاً من أسس المشتركات ولا ترى مصالحها إلا بلغة التخوين والعداء.
رابط الحلقة الأولى (مناهضة خطاب الكراهية ضد الكرد)
رابط الحلقة الثانية (مناهضة خطاب الكراهية ضدّ العرب)