بسام البدارين – القدس العربي
الأربعاء , 23 أكتوبر , 2024
أردنيون في تجمّع دعم لغزّة وفلسطين قرب السفارة الإسرائيلية في عمّان 28-3-2024-فرانس برس
يشعر المراقب بالحزن والشفقة وهو يتابع طبيعة جدل ونقاش الأردنيين بعد عملية البحر الميت الأخيرة البطولية حيث مرتجفون وخائفون وقلقون من أن تدفع البلاد كلفة مثل هذه العمليات، وحيث حملة تحريضية متكررة على قوى الشارع وصلت إلى مستويات متقدمة من البؤس والافتئات.
والأهم حملة شرسة من أقلام تائهة تحاول ممارسة اللطم الوطني لأن شابا ما قرر تجاوز الحدود والتسلل منها علما بأن مثل تلك التسللات ينبغي أن تتحول إلى درس ورسائل للطرف الآخر فكرته أن يوقف العبث.
جَزَع بعض المعلقين ظَهر على الكثير من المقالات التي حاولت كالعادة اتهام جهات مجهولة بالعبث بالأمن الأردني وبالزج بالبلاد خارج نطاق قدراتها وإمكاناتها.
هذا اللطم على حواف البحر الميت لا يليق بالنشامى.
ورقصات الزار التي حاولت النيل من الإسلاميين والتحريض ضدهم يمكن طبعا ومجددا الاستغناء عنها ولا مبرر للاستمرار في الضحك ونحن نراقب كيف يصل اللطم إلى منطقة فعالة قوامها “الندم” حتى على إجراء انتخابات نزيهة.
حتى الديمقراطية لم تسلم من اللطامين إياهم.
عملية البحر الميت وقبلها عملية السائق الشهيد ماهر الجازي وكل العمليات اللاحقة يتحمل مسؤوليتها فقط وحصرا الاحتلال المجرم وعلينا كأردنيين أن نتوقف عن تصغير أكتافنا بكل ما له علاقة بإسرائيل والإسرائيليين.
نعم المقاومة جزء من عرض الأكتاف الأردنية بحجمها الطبيعي ودعمها ممكن ويخلط الأوراق ويعيد إنتاج الموقف واليوم اختلفت المعادلة فلحظة الذئب التي يعيشها اليمين الإسرائيلي المتعطش للدماء تجاوزت كل الاعتبارات ولم يعد يصلح القول بأن عمان ستعاقب تل أبيب بوقف التنسيق عندما تغضب لأن ما يجري اليوم يبكي الحجر قبل البشر ويعتدي بصورة مركزية ومباشرة على كل قيمة أردنية منذ تأسيس الإمارة ولاحقا الدولة.
من نفذ العملية بدافع فردي أردني ومن احتفى به أردنيون ومن يتحمل المسؤولية إسرائيل والنظام الدولي الذي يوفر الغطاء لجرائمها
البلاد تدفع أصلا كلفة وفاتورة جرائم إسرائيل وأطماعها والكيان أحال حياة الأردنيين ومنذ عقود إلى جحيم من حيث التنمية وعدم الاستقرار في الجوار وبقيت المؤسسات الأردنية في أفضل أحوالها الإنتاجية تلاعب الجميع في العالم لتحسين حياة المواطنين الأردنيين لكن وجود إسرائيل بحد ذاته بجوار النشامى عبارة عن مشهد سرطاني والكيان عبارة عن تورم مرضي مختل في خاصرة الأردنيين.
لذلك، نعم الأردن قدره أن يكون في الجوار والاشتباك ومشاعر القهر والغضب التي تدفع أردنيين بين الحين والآخر للاشتباك على الجسور وفي المعابر مفهومة ومبررة بكل حال ولا يمكن اعتبارها إلا بمثابة إنذار لإسرائيل ولا علاقة له بالدولة الأردنية لا من قريب ولا بعيد.
من يقتل غربي النهر هم أهل وأخوة من يقيمون شرقي النهر وأطماع التهجير وبناء الجدار الاستيطاني في الأغوار لم تترك صديقا في عمان لا لعملية سلام توفيت تماما ولا لعملية تطبيع أصبحت عبئا على الدولة.
أي محاولة للإساءة للشهداء الذين يتصرفون بشكل فردي فيقتحمون ويشتبكون هي إساءة للكل الأردني فهؤلاء شباب محبون للحياة لكن جرائم الكيان فاقت كل الخيالات ولا يمكن توقع أن يصمت الشعب الأردني ويقف متفرجا على هذا النمط من الجرائم الوحشية الهمجية خصوصا وأن قادة الكيان يصرحون ليلا ونهارا بمقولة “الأردن بعد لبنان”.
من نفذ العملية بدافع فردي أردني ومن احتفى به أردنيون ومن يتحمل المسؤولية إسرائيل والنظام الدولي الذي يوفر الغطاء لجرائمها وإذا كانت غزة التي لا تزيد مساحتها عن منطقة العبدلي في العاصمة عمان قالت وقاومت وسطرت أشرف الجولات في مقاومة المحتل فعلى العدو أن يفهم بأن في الأردن شعبا مقاتلا أيضا لن يتوانى عن الدفاع عن وطنه ودولته ومصالحه وكيانه.
المنزعجون في العاصمة من العمليات الفردية عليهم إعادة حساباتهم وقراءة المشهد بعمق قليلا فالكيان في المعادلة الأردنية عليه أن يرتدع ولن يردعه، مع الاحترام للجميع، وزير أو مسؤول يطلق كلاسيكيات اللهجة الدبلوماسية بل كتلة بشرية حرجة من الأردنيين تقف موحدة خلف المقاومة ومعها وتقول للعدو بأن الشعب في المملكة يعلم ما الذي يجري ويستطيع بدوره المقاومة وبكل الطرق.
ذلك لا ينطوي – لا سمح الله – على تشكيك بحسابات الدولة الأردنية، لكن في القراءة الأعمق يمكن القول بأن إسرائيل هي التي تجازف بـ”أمن الأردن” ثم بأمنها من خلال تهديد البلاد بالتهجير والجدار وإذا لم ينعم الأردن بالأمن لن تنعم به إسرائيل يوما.
على دولة الكيان أن تفهم ما الذي سيحصل معها لو استمرت في الحرص على إيذاء وإضعاف الأردن.
بالمناسبة لا بد من تذكير قارعي طبول الحرب والشيطنة ضد المقاومة أن عمليات التسلل عبر الأغوار موسمية وتحدث على مدار العام وطوال عقود وهي ليست جديدة في الواقع، والحديث عن حدود طويلة جدا يعبث بها الإسرائيلي عمليا قبل غيره عندما يدمر ويقتل في غزة أو الضفة الغربية.
المزاودة على الدولة وموقفها في الأردن ليست حلا من أي صنف لكن المزاودة على شعب قرر أن يدعم المقاومة أيضا سلوك عبثي خصوصا عندما يصدر عن رسميين.
* مدير مكتب «القدس العربي» في عمان