2024.05.16
دمشق – تلفزيون سوريا
خطاب جديد للمعارضة التركية تجاه السوريين.. هل انتهى الاستثمار بورقة اللاجئين؟
إسطنبول – خاص
لم يألف السوريون في تركيا، على مدى السنوات الماضية، خطاباً سياسياً يمكن وصفه بـ”المعتدل” صادراً من قبل المعارضة التركية تجاه وجودهم، وبينما كان إظهار العداء للاجئين والاستثمار السياسي بملف إنساني يشكل جزءاً من استراتيجيتها قبل كل انتخابات؛ عكست التصريحات الأخيرة لمسؤولي حزب الشعب الجمهوري تحولاً واضحاً وتغيراً كبيراً في تعاطيهم مع الملف بما يتناسب مع المرحلة المقبلة.
وتعكس صورتان متناقضتان بشكل واضح هذا التحول، من خطاب تحريضي وعنصري قبل الانتخابات الرئاسية العام الفائت، من قبل رئيس الحزب السابق كمال كليتشدار أوغلو، ونشر لافتات على جانب الطرقات الرئيسية تحمل عبارة “السوريون سوف يرحلون”.
إلى خطة جديدة ورؤية غير مسبوقة لمستقبل الوجود السوري في تركيا، قدمها رئيس الحزب الحالي أوزغور أوزال، تتضمن تقديم امتيازات لأطفال السوريين الذين ولدوا في تركيا.
هذا التحول في الخطاب من طرد اللاجئين إلى احتضانهم، يندرج ضمن التغيير البراغماتي وفق مصلحة الحزب وليس نابعاً من مبادئ وإيديولوجيات، وفق محللين لموقع تلفزيون سوريا، وفي وسط ذلك يبقى السؤال: هل انتهى الاستثمار بورقة السوريين؟
خطة غير مسبوقة
على مدى السنوات الماضية كان تعاطي حزب الشعب الجمهوري المعارض مع ملف اللاجئين السوريين متقلباً وغير مستقر، حيث يوجه الخطاب حسب المصالح والتحالفات مع الأحزاب، وخاصة التي تظهر عداءها للاجئين مثل حزب “الظفر” (النصر) التي يترأسه أوميت أوزداغ.
في أيلول 2021 نشر الحزب المعارض دراسة حول مشكلات السوريين في إسطنبول وتوقعاتهم بالعودة، وكان هدفها تقديم مقترحات لكيفية التعامل معهم، وخلصت إلى أن غالبية كبيرة من اللاجئين يريدون العودة إلى بلادهم وأن يكونوا جزءاً من التحول الديمقراطي في بلادهم عندما تسود بيئة سلمية ويقام نظام ديمقراطي.
واعتبرت الدراسة أن “السوريين هم ورقة يستخدمها الحزب الحاكم ضد الاتحاد الأوروبي”، وطالبت بسحب ملف اللاجئين من حزب العدالة والتنمية، وبذل الجهد مع الأمم المتحدة لتطبيق القرار 2254 الذي يضمن الحل السياسي في سوريا.
هذه الدراسة تبعها تصريحات متكررة من قبل رئيس الحزب السابق كليتشدار أوغلو، غلب عليها الطابع الإنساني، حيث رفض الخطاب العنصري تجاه اللاجئين، وأكد في تصريحات منتصف 2022، العمل على إعادتهم بـ”محض إرادتهم في غضون عامين”.
لكن هذا الخطاب تغير، بعد خسارته الجولة الأولى من الانتخابات الرئاسية أمام الرئيس رجب طيب أردوغان، في أيار من العام الفائت، وتحالفه مع “حزب الظفر” المعادي للاجئين، حيث طالب بطردهم واعتبرهم “خطراً على الأمن القومي”.
ولم يكن خطاب القيادة الجديدة للحزب المعارض، برئاسة أوزغور أوزال، بأفضل من القيادة السابقة، فقد اتسمت تصريحاته بالتقلب والبراغماتية وفق الظروف المحيطة.
وبعدما وصف السوريين، في تصريحات سابقة، بـ”المحتلين” وأن “تركيا تتعرض للغزو”، خرج أوزال خلال الأيام الماضية، بتصريحات غير مألوفة وبرؤية غير مسبوقة لمستقبل الوجود السوري في تركيا.
وانتقد أوزال رؤساء البلديات التابعة لحزبه لاستهدافهم السوريين في خطاباتهم، وتضييق الخناق عليهم، واعتبر أن “الشعبوية لا تفيدنا في شيء، وأن هذه التصريحات لا تتوافق بشكل كبير مع الخط العام للحزب”.
ودعا إلى التفاوض مع نظام الأسد بمشاركة الاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة لتوفير فرص عمل وطعام وسكن للسوريين من أجل عودتهم إلى بلادهم، وعدم الاكتفاء بتوفير المنازل التقليدية من الطوب، إضافة إلى تقديم امتيازات إلى مليون ونصف المليون طفل سوري ولدوا في تركيا وتشمل الأولوية في القبول الجامعي، ودخولهم تركيا دون تأشيرة دخول.
عوامل التغيير
يرجع تغير خطاب المعارضة والتعاطي الجديد للحزب الجمهوري مع قضية اللاجئين إلى عدة عوامل، حددها الباحث في مركز حرمون للدراسات سمير عبد الله خلال حديثه لموقع “تلفزيون سوريا”.
العامل الأول هو الارتياح من نتائج انتخابات البلدية وتحقيق الفوز في كثير من الولايات، ما أدى إلى “شعور بالراحة لدى المعارضة، ورغبتهم بأن يكون لهم توجه جديد وسياسات جديدة”.
واعتبر عبد الله أن الخطاب الجديد لأوزغور أوزال “ليس نابعاً من مبادئ وإيديولوجية وإنما من مصلحة الحزب الذي تغيرت حالياً”، حيث استخدم سابقاً ورقة اللاجئين للحصول على أصوات انتخابية، أما بعد انتهاء الانتخابات، فإن “المرحلة الحالية تتطلب خطاباً جديداً، ومحاولة الظهور بمظهر المعتدل لأن هذا ينعكس على علاقاتهم الخارجية وليست الداخلية فقط”.
أما العامل الثاني يرجع إلى وجود قيادة جديدة برئاسة أوزال والتنافس مع رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو، حول إثبات كل واحد منهما بجدارة قيادة الحزب في الفترة القادمة، سواء في الملفات الداخلية والخارجية، خاصة وأن ورقة اللاجئين ليست شأنا داخليا فقط، وإنما مرتبطة بعلاقات مع الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي.
سمير عبد الله: المنافسة بين أوزال وإمام أوغلو في الملفات الداخلية والخارجية، فورقة اللاجئين ليست شأنا داخليا فقط، وإنما مرتبطة بعلاقات مع الاتحاد الأوروبي بشكل أساسي
وأرجع عبد الله العامل الثالث إلى رغبة المعارضة في استقرار الأوضاع الاقتصادية والتخفيف من حالة الاستقطاب التي يعيشها ملف اللاجئين، إلى جانب رغبتهم في الحفاظ على استمرار الدعم المقدم للبلديات، وخاصة إسطنبول وكلس وغيرها من البلديات الكبرى، التي فازوا بها وتضم أعداداً كبيرة من اللاجئين.
من جانبه اعتبر المحلل السياسي، محمود علوش، أن نتائج الانتخابات الرئاسية في 2023 والتي فاز بها الرئيس أردوغان على منافسه مرشح تحالف الأمة التركي المعارض كمال كليتشدار أوغلو، أظهرت أن الاستثمار بملف اللاجئين لا يرجع بالفوائد التي كانت تتطلع إليها المعارضة.
وقال علوش لموقع تلفزيون سوريا إن الرئيس الجديد لحزب الشعب الجمهوري أدرك أن “ملف اللاجئين لا يمكن أن يعالج بالسياسات الشعوبية والاستقطاب، وأن هناك حاجة للتعامل مع هذا الملف، ووضع سياسات أكثر واقعية في إدارته”.
محمود علوش: نتائج الانتخابات الرئاسية وفوز أردوغان أظهرت أن الاستثمار بملف اللاجئين لا يرجع بالفوائد التي كانت تتطلع إليها المعارضة
وأضاف: “الحزب الجمهوري أصبح يتصرف بطريقة واقعية بالابتعاد عن السياسة الشعوبية في تشكيل الخطاب تجاه اللاجئين السورين خاصة والأجانب والعرب بالعموم”.
بدوره أرجع المحلل السياسي التركي، جواد غوك، في حديثه لموقع تلفزيون سوريا، تغير خطاب المعارضة إلى إدراكها بأن “الخطاب العنصري والمتطرف لا يوجد مشترٍ له وغير نافع ولا بد من التعامل مع وجود السوريين في تركيا كأمر واقع”.
أهداف دون تأثير
وترجع أهداف الحزب المعارض بقيادته الجديدة من تغيير خطابه تجاه اللاجئين إلى أهداف سياسية واقتصادية.
على المدى القريب، يرغب أوزال من خطابه في استقرار الأوضاع وإثبات نفسه على قيادة الحزب والرغبة في التعامل مع حزب العدالة والتنمية الحاكم وبقية الأحزاب من إجل إصلاح الأوضاع الاقتصادية، حسب المحلل سمير عبد الله.
أما على المدى البعيد، وفق عبد الله، تريد قيادة الحزب إظهار قدرتها على إدارة البلد والملفات المعقدة في تركيا، ومن أهمها ملف اللاجئين والأجانب، إلى جانب كسب ثقة الدول الغربية، وإيصال رسالة إلى أن وصول الحزب الجمهوري لن يؤدي إلى أزمة لاجئين جديدة.
وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التقى بزعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال، الأسبوع الماضي، في لقاء نادر يعد الأول من نوعه منذ 8 سنوات.
وقال الصحفي المقرب من المعارضة فاتح ألتايلي: “منذ الاجتماع، أظهر زعيم حزب الشعب الجمهوري أوزغور أوزال شخصية ومظهرا مختلفا تماماً عن أوزال قبل الانتخابات”.
وأضاف “عندما ذهب أوزغور أوزال إلى مقر حزب العدالة والتنمية اعتقدت أنهم اختطفوه واستبدلوه بنسخة أُخرى، الشخص الذي دخل إلى مقر حزب العدالة والتنمية وخرج من هناك ليس الشخص نفسه”.
فاتح ألتايلي: عندما ذهب أوزغور أوزال إلى مقر حزب العدالة والتنمية اعتقدت أنهم اختطفوه واستبدلوه بنسخة أُخرى، الشخص الذي دخل إلى مقر حزب العدالة والتنمية وخرج من هناك ليس الشخص نفسه
وبينما اعتبر المحلل جواد غوك أن التصريحات هدفها جلب مساعدات مالية من الاتحاد الأوروبي إلى تركيا، أكد المحلل السياسي محمود علوش، أن حزب الشعب بحاجة إلى تمويل من أجل التعامل مع الوجود السوري في البلديات الكبيرة التي يديرها.
وأوضح علوش أن الخطاب الجديد للمعارضة قد يساعدها في الوصول إلى التمويل من المؤسسات الأجنبية التي تريد من المعارضة أن تتبنى موقفاً غير مسيس وغير شعبوي في التعامل مع ملف اللاجئين السوريين.
ورغم تراجع خطاب التحريض والعنصرية تجاه اللاجئين من قبل المعارضة، إلا أن عبد الله، اعتبر عدم تأثيرها على السوريين في تركيا، لأن “هناك استراتيجية بدأت بها العدالة والتنمية، ومستمرة ولن يؤثر بها لا تصريحات الحزب الجمهوري ولا ما يقوم به السوريون في هذا الملف”.
وقال عبد الله: “يوجد تيار قومي موجود حالياً، وخاصة حزب الحركة القومية وغيرهم من القوميين، وهم من يديرون ملف الأجانب واللاجئين، وأعتقد أن هذه السياسات الموجودة حالياً سوف تستمر على الأقل لمدة عامين أو حتى تحقيق هدفها بتخفيض عدد اللاجئين”.
وتوقع أن يكون ملف اللاجئين في المرتبة الثانية من حيث الاهتمام في تركيا خلال الفترة القادمة، لأن محور التركيز سيكون من قبل الحكومة والأحزاب الأخرى منصباً على الوضع الاقتصادي.
ورغم توقع علوش بتراجع “الاستثمار السياسي” بملف اللاجئين السورين، خلال السنوات المقبلة، إلا أنه أكد أن القضية ستبقى عرضة للاستثمار بين الفينة والأخرة وإمكانية عودته لبازار المساومات السياسية وفقاً لطبيعة التحولات السياسية.
خطاب المعارضة التركية الجديد تجاه اللاجئين السوريين توجه براغماتي عقلاني يعكس المصالح السياسية والاقتصادية للحزب في المرحلة الحالية، ويبقى السؤال حول مدى استدامة هذا التحول ومصداقيته في عيون اللاجئين والمجتمع الدولي، فما زال الوضع الاقتصادي والتحديات السياسية الداخلية والخارجية تشكل عوامل ضغط تؤثر على كيفية تعامل الأحزاب التركية مع ملف اللاجئين، ومن المحتمل أن يظل هذا الملف ورقة تستخدمها الأطراف المختلفة حسب مقتضيات الظروف والتغيرات السياسية المقبلة.