نور الهاشم – المدن
الأربعاء 2023/04/26
مخيم للاجئين السوريين في البقاع (لوسي بارسخيان)
يتجنب السجال حول ملف اللاجئين السوريين في لبنان، الدخول في جملة وقائع سياسية وتاريخية تظهر أن الحملة القائمة غير مرتبطة بتاتاً باستفاقة لبنانية حول الملف، ولا بالأعباء الملقاة على عاتق الاقتصاد اللبناني، ولا حتى بشجاعة متأخرة لمقارعة دول أجنبية كانت ترى ولا تزال في استمرار ملف اللاجئين، ورقة ضغط على النظام السوري لتغيير منهجيته في الحكم، وتراهن على تغيير سلوكه، وليس سقوطه، ضمن آليات ضغط متعددة، بينها العقوبات وملف اللاجئين.
تمثل خريطة القوى السياسية اللبنانية المنخرطة في هذا الملف، مفاجأة لكثيرين، وهي بطبيعة الحال غير مرتبطة بأي تحالف مع قوى الممانعة، ولا تتقاطع مع المحور في أي من مقارباته وأهدافه المتصلة بملف اللاجئين، لا سيما قضية تعويم النظام السوري وتشريع عبور المساعدات الأممية عبره الى المحتاجين اليها، فيستفيد، لاحقاً، من الدعم بإدخال العملة الصعبة الى مصرفه المركزي الفارغ من العملات الأجنبية، وتمكينه عبر تهدئة التمرد ضده.
كذلك، لا يمكن أن تكون القوى اللبنانية المنخرطة في الحملة على اللاجئين، مثل “القوات اللبنانية” و”الكتائب اللبنانية” والبطريركية المارونية، الى جانب “التيار الوطني الحر” حكماً، على خلاف مع إرادة الغرب الذي يدفع باتجاه إبقاء اللاجئين في الدول المحيطة بسوريا. في الواقع، لا تمتلك تلك القوى الشجاعة الكاملة لمواجهة الغرب في أي تصور يسبق عودة اللاجئين في التوقيت المناسب لإعادتهم، وهو مثار المفاجأة من حجم الحملة التي توسعت بشكل دراماتيكي حتى باتت قضية رأي عام، مسيحي على وجه الخصوص، وأثارت المخاوف من مواجهات أو توترات أمنية إثر التحركات، والتحركات المضادة، التي تمت الدعوة اليها، قبل أن تُلغى بتدخل من وزارة الداخلية اللبنانية.
استطاعت القوى اللبنانية أن توظف المخاوف المسيحية من تغييرات ديموغرافية، في السجال، كما استفادت من ثقل الأزمة المعيشية في لبنان، للتحريض على اللاجئين بما يتقاضونه من الأمم المتحدة والدول المانحة، لا سيما في تضخيم المبالغ المالية التي يجري الحديث عنها في مواقع التواصل .. لكن هذه الدعاية، عملياً، ليست سوى وسيلة لإقناع الرأي العام بضرورة الحملة التي انخرطت فيها وسائل إعلام، بينها “أم تي في”، واجتزأت وقائع تاريخية متصلة بالعمالة السورية في لبنان التي تحتم وجود عشرات آلاف العمال السوريين يمارسون أعمال الزراعة والبناء (التي لا ينخرط لبنانيون فيها بشكل كاف) منذ خمسينيات القرن الماضي، ووصلت أعدادهم قبل العام 2010 الى 800 ألف عامل صيفاً.
هذه الوقائع، تشير الى أن ثمة قطبة مخفية في الحملة، هي سياسية على وجه الدقة، في لحظة تحولات وتسويات انخرطت فيها قوى أوروبية لتسويق رئيس “تيار المردة” سليمان فرنجية، لرئاسة الجمهورية. أثيرت الحملة لثني فرنسا، الدولة المؤثرة في الاتحاد الأوروبي راهناً، عن دعم فرنجية في أي تسوية مقبلة. وضعت القوى السياسية المسيحية اللبنانية مقايضة غير معلنة: الدفع بفرنجية سيقابله التخلي عن دعم بقاء اللاجئين السوريين. ظهرت المقايضة لترهيب أوروبا من موجات جديدة من المهاجرين، تحت ضغط نبذهم لبنانياً، أو الدفع باتجاه إعادتهم الى النظام، ما يعني إفقاد الغرب ورقة ضغط على بشار الأسد.
لا يمكن قراءة الحملة إلا من هذه الزاوية، وهي بطبيعة الحال تحتاج الى سيناريوهات تطبيق وآليات تنفيذ تؤدي فيها شخصيات مغمورة وتنظيمات مجهولة، تظهر “عند الطلب”، دوراً. مرة للتظاهر، أو بإصدار بيانات مجهولة المصدر أيضاً، كما جرى في مجموعة “الحملة الوطنية لتحرير لبنان من الاحتلال الديموغرافي السوري”. وفي أي حال، يُعدّ ظهور تلك المجموعات المؤقتة، تقليداً لبنانياً لتوجيه الرسائل السياسية والأمنية، منذ الثمانينيات في أقل تقدير، ويجري توظيفها لتحقيق غايات سياسية، وتستخدمها الأطراف السياسية كلها بلا استثناء، عندما تحاذر تلك القوى الإعلان عن نفسها صراحةً في سلوكيات مثيرة للحيرة، وتشوه صورتها السياسية، وتخضعها للمساءلة الشعبية والدولية.
يتقن لبنان توظيف “أصول الفوضى” Chaos assets في توجيه الرسائل السياسية، ويتقن استخدام الأوراق الإنسانية والأمنية في التفاوض. ليس ذلك حكراً على اللبنانيين. هي آلية معتمدة في أرقى دول العالم، لكن سقفها اللبناني بات مرتفعاً الى مستوى يهدد بمقتلة من طرف واحد، بالنظر الى أن السوريين اليوم، ليسوا مسلحين كما كانت منظمة التحرير الفلسطينية في العام 1975 بعدما حازت على غطاء عربي للتسلح والتمدد بموجب “اتفاق القاهرة”. وهو ما يجعل الذرائع والمخاوف من تغيير ديموغرافي، أكبر من أن تُصدق، وأقل من أن تكون قادرة على تخفيف الاحتقان، ريثما يتدخل الغرب بتقديم تعويضات سياسية أو مالية لرؤوس الحربة السياسية ضد اللاجئين.