من كتابة سبق
السبت 08 / مارس / 2025
في تحرُّك قد يُعيد تشكيل معادلة المواجهة بين واشنطن وطهران، وجّه الرئيس الأميركي دونالد ترامب؛ رسالة مباشرة إلى المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي؛ مقترحاً إعادة فتح باب المفاوضات النووية، لكن بنبرة حادّة تجمع بين الترغيب والترهيب، في وقتٍ حساسٍ، حيث تواجه إيران تحديات غير مسبوقة، بينما يسعى ترامب إلى إرساء معادلة جديدة في التعامل مع الملف النووي الإيراني، مستنداً إلى تغييرات إستراتيجية كبرى شهدتها المنطقة خلال الأشهر الماضية.
تصعيد وتحذير
وأكّد ترامب؛ في تصريحاته من المكتب البيضاوي، أن إيران باتت على عتبة امتلاك قدرات نووية متقدّمة، مشيراً إلى أن بلاده “لن تسمح لها بامتلاك سلاح نووي”. وكشف عن إرسال الرسالة، الأربعاء الماضي، دون الإفصاح عن مضمونها الكامل أو آلية نقلها، مما أثار تكهنات بشأن القنوات التي استُخدمت في توصيلها، سواء عبر سويسرا؛ الوسيط التقليدي، أو عبر أطرافٍ أخرى مثل روسيا، وفقاً لصحيفة “نيويورك تايمز” الأميركية.
في مقابلة مع قناة “فوكس بيزنس”، صباح أمس، شدَّدَ ترامب على أن أمام إيران خيارَيْن فقط: “إما اتفاق دبلوماسي، أو مواجهة عسكرية”، معرباً عن تفضيله الحل الدبلوماسي، لكنه لم يستبعد استخدام القوة إذا دعت الحاجة.
تغيرات جيوسياسية
هذا التحرُّك أتى وسط تحولاتٍ كبرى في المشهد الجيوسياسي، فقد اتهمت وزارة العدل الأميركية الحرس الثوري الإيراني بالتخطيط لاغتيال ترامب؛ ما زاد من توتر العلاقات بين البلدين. في الوقت ذاته، تلقت الدفاعات الجوية الإيرانية ضربة موجعة بعد هجومٍ إسرائيلي دمَّر معظم منظوماتها، مما جعل المنشآت النووية الإيرانية مكشوفة أمام أيّ ضربة محتملة.
وتراجعت قدرة إيران على الردع الإقليمي، حيث تعرَّض وكلاؤها إلى ضرباتٍ أنهكت بنيتهم العسكرية، مما قلل من قدرتهم على تنفيذ عمليات انتقامية لمصلحة طهران. وهذه العوامل جعلت إيران في وضع تفاوضي أكثر ضعفاً مقارنة بالسنوات السابقة.
أقصى ضغط
وتمثل رسالة ترامب امتداداً لنهجه في استخدام الضغط الأقصى كوسيلةٍ لانتزاع تنازلاتٍ من إيران، فمنذ انسحابه من الاتفاق النووي في 2018، اعتمد على العقوبات الاقتصادية الخانقة، التي أضعفت الاقتصاد الإيراني وأثرت في موارده المالية. لكن رغم ذلك، لم ينجح في إجبار طهران على العودة إلى طاولة المفاوضات.
ومع المتغيرات الأخيرة، يبدو أن ترامب يُعيد تجربة الضغط، لكن هذه المرة مع تحذيراتٍ عسكرية أكثر صراحة، مستغلاً نقاط الضعف الجديدة لدى إيران، غير أن السؤال يظل قائماً: هل ستستجيب طهران لهذه الدعوة، أم أنها ستراهن على عامل الوقت بانتظار متغيرات سياسية دولية قد تخدم موقفها؟

كيف يسعى ترامب لمحاصرة طهران ببغداد؟
من كتابة عباس الخشالي
السبت 08 / مارس / 2025
مروحيات مقاتلة أمريكية في العراق © piemags/IAMGO
منذ انتخاب دونالد ترامب رئيسا للمرة الثانية ودخوله البيت الأبيض تترقب الحكومة في بغداد وكذلك قوى سياسية فاعلة قريبة من إيران الخطوات التي يخطط لها ترامب تجاه العراق، خصوصا تلك التي تطال ملفات شائكة تخص علاقة بعض الميليشيات المحسوبة على طهران ، وكذلك ملف الطاقة وتهريب الأموال إلى إيران التي تخضع لعقوبات أمريكية. ويفرض ترامب عقوبات قاسية لحماية حركة الدولار والبترول في المنطقة والعالم سيتضرر منها العراق بشكل كبير ومباشر، إذا فشلت بغداد في مكافحة عمليات التهريب وغسيل العملة. إذ طلب بعد أسبوع من وصوله إلى البيت الأبيض مراقبة حركة الدولار داخل العراق والنظام المالي فيه، فالعراق أصبح منفذا لتهرب إيران من العقوبات الاقتصادية الأمريكية.
يوم الثلاثاء (25 شباط/ فبراير 2025) اتصل وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو هاتفيا برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، ونقل المكتب الإعلامي لرئيس الحكومة محمد شياع السوداني، أنّه تم خلال الاتصال البحث في مجمل العلاقات الثنائية بين العراق والولايات المتحدة. وجرى “مناقشة مجالات التنسيق بين العراق والإدارة الأمريكية الجديدة، وأطر التعاون في سياق الاتفاقات الثنائية”، وتم “الاتفاق على تكثيف التواصل وتعميق التعاون، كما ناقش الطرفان الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق وأهمية الحفاظ على استقرار العراق وسيادته”، وفقاً للبيان العراقي.
أما بيان الخارجية الأمريكية والذي نشرت نسخة منه سفارة واشنطن في بغداد فوصف دور إيران بشكل مختلف، فنقل ما يلي: “أجرى وزير الخارجية ماركو روبيو محادثة هاتفية مع رئيس وزراء العراق محمد شياع السوداني. وقد ناقش الطرفان الشراكة الاستراتيجية بين الولايات المتحدة والعراق وأهمية الحفاظ على استقرار العراق وسيادته. كما بحث الجانبان سبل الحد من النفوذ الإيراني الخبيث ومواصلة الجهود المشتركة لمنع عودة ظهور داعش وزعزعة المنطقة بأكملها…..”.
لهجة إدارة ترامب تجاه العراق
سياسة إدارة ترامب كسرت كل الثوابت المعروفة في العلاقات الخارجية ولا تمتلك ايديولوجية محددة معروفة وإنما تعتمد على سلوك شخصي لصاحب القرار وهو الرئيس الأمريكي. كما يرى مراقبون أنه في الأنظمة الديمقراطية لا يحتكر القرار شخص واحد بل تتعد مصادر القرار. ويرى المحلل السياسي العراقي الأستاذ عباس عبود في لقاء مع DW عربية أن “الملف العراقي حاله كحال الملف الأفغاني والأوكراني صرفت عليه الإدارات الأمريكية من جمهورية إلى ديمقراطية مئات المليارات. ولأن ترامب يؤمن بمنطق الربح والخسارة فإن تصرفه تجاه العراق يمكن أن يفاجأ الجميع”.
فيما كشف مطلعون أن الاتصال الهاتفي من المسؤول الأمريكي لم يكن اتصال مجاملة بعد وصول إدارة ترامب إلى البيت الأبيض، بل أن هناك مطالب أمريكية واضحة تجاه العلاقة بين بغداد وطهران، وأن على العراق الالتزام بتعهدات كان قد قدمها إلى الإدارة الأمريكية السابقة، ولهجة البيان الأمريكي “بسبل الحد من النفوذ الإيراني الخبيث” واضحة أن إدارة ترامب تراقب علاقة بغداد بطهران.
فكتب المحلل السياسي العراقي المقيم في واشنطن نزار حيدر في منشور له على موقع فيسبوك “أن إدارة الرئيس السابق كانت متساهلة معها لأسباب عدة منها انشغالها بالحروب التي كانت مشتعلة في المنطقة، أما الرئيس ترامب فليس من طبيعته التساهل في القرارات التي يتخذها كما أنه يستعجل التزام الآخرين بوعودهم التي يقطعونها على أنفسهم”.
بحث عراقي عن علاقة متوازنة
وزير الخارجية العراقي فؤاد حسين قال في لقاء تلفزيوني الخميس (27 شباط/ فبراير 2025) إن الولايات المتحدة طلبت من العراق المساهمة في سياسة الضغوط القصوى على إيران، لكن بغداد رفضت ذلك حرصا على الحفاظ على علاقات متوازنة. وشدد حسين على “أن الولايات المتحدة عرضت على الحكومة العراقية مسائل تتعلق بزيادة الضغط على إيران، إلا أن بغداد تسعى لحماية التوازن في علاقاتها بين واشنطن وطهران”. وتحدث عن تفاصيل الخطوات التي طلبتها إدارة الرئيس ترامب وهي “وقف استيراد الغاز من إيران”. وكان ترامب قرر الغاء الإعفاء الممنوح للعراق في استيراد الغاز الإيراني وفق سياسة الضغوط القصوى على طهران بسبب ملفها النووي ما سيكون له تبعات كبيرة على انتاج الكهرباء في البلاد.
ويرى المحلل السياسي عباس عبود أن “سياسة العلاقات المتوازنة التي تتباهى بها حكومات العراق ما بعد 2003 غير واقعية” ، وأن المنطقة مليئة بالمحاور ولا يمكن للعراق أن ينأى بنفسه عن المحاور فسياسة “سكّن تسلم” غير حكيمة. لأن عدم الانضمام إلى محاور يعني غياب السياسة الخارجية. ويشير إلى أن العراق جغرافيا وسياسيا ليس السويد أو سويسرا أو حتى سلطنة عمان، بل العراق ساحة للصراع بين حلفاء إيران وحلفاء الولايات المتحدة.
ما هي أدوات ترامب لمعاقبة من يدعم إيران؟
رغم الحكومات المتتالية في بغداد يبقى الملف الأمني شائكا، بالخصوص حصر السلاح بيد الدولة، فكتب نزار حيدر أن الوزير روبيو “ذكَّر السوداني بـ (وجوب)التزامه بتعهده في ملفين اثنين على الأقل، ألا وهما؛ فك ارتباطه بالجارة الشرقية في كل ما يخص العقوبات، وعلى رأسها موضوع البترول والغاز والدولار، وملف حصر السلاح بيد الدولة رافضاً أي جدول زمني جديد للتنفيذ والالتزام” ويرى أن ذلك يعني أنه ليس “أمام السوداني وقت للتفكير للالتزام وإنما يلزمه أن يتخذ قرارات ثورية عاجلة ستصب في نهاية المطاف لصالح العراق وتحقق مصالحه الوطنية العليا وتحمي أمنه القومي، لأنها ستجنبه الآثار المباشرة وغير المباشرة الناتجة عن سياسة (أقصى العقوبات) التي يتخذها الرئيس ترامب ضد الجمهورية الإسلامية في إيران”.
فيما يعتقد الكاتب العراقي أن “العراق إذا لم يتلزم بتعهداته في هذه الملفات الخطيرة وغيرها فإن كل الخيارات مطروحة على الطاولة أمام الرئيس ترامب، وهو قادر على فعل الكثير ليرضخ السوداني كما يرضخ الآن حلفاء واشنطن في العالم الواحد تلو الآخر”، بحسب نزار حيدر.
غير أن ترامب رجل أعمال لا يؤمن بالحروب ، وينظر للأفعال لا إلى الأقوال، بحسب المحلل السياسي عباس عبود ويمكن له أن يستعمل ملف التحكم بكمية الدولار في العراق، أو يوجه عقوبات اقتصادية عليه أو يعاقب شركات أو ساسة. وربما “يعاقب بشكل ساخر كما فعل مع الرئيس الأوكراني”. لكنه يضيف: “ترامب قد يستعمل نفس الأسلوب الذي انتهجه خلال إدارته الأولى باغتيال قادة كما فعل مع قاسم سليماني وأبي مهدي المهندس بالقرب من مطار بغداد”. خصوصا وأن العراق لغاية اليوم لا يمكنه تأمين أمنه القومي أو استقلاليته الاقتصادية ويحمي نفسه كدولة.
ومن بين هذه الشخصيات السياسية أعضاء في الإطار التنسيقي، وليس سرا أن الإطار التنسيقي المكون من قوى وشخصيات سياسية على علاقة قوية مع إيران، لأسباب منها يعود لعلاقة تاريخية قديمة منذ أيام معارضة نظام صدام حسين، وتوطدت بشكل أكثر مع ظهور داعش ومساعدة إيران العراق في إيقاف زحف داعش على محافظات عراقية من بينها بغداد. لكن رغم العلاقات القوية مع طهران فإن هناك رغبة في داخل الإطار التنسيقي لبناء علاقات مع دول الجوار العربية، كالسعودية والإمارات ومصر والأردن. لكن رغم وجود الرغبة في تعزيز العلاقات فإن هناك غياب للثقة، لبناء أمن قومي مشترك مع الدول العربية. ويقول المحلل السياسي عباس عبود “أن الأمن القومي الإيراني لا علاقة له بالأمن القومي العراقي من حيث الأبعاد الجيوسياسية في المنطقة، لكن الإطار التنسيقي يطمئن لإيران أكثر، بسبب غياب الثقة مع الدول العربية، لكن لو وجدوا الثقة مع الدول العربية لتخلوا عن إيران وبحثوا عن مساحة للأمن القومي العربي المشترك”.
أمر ترامب باستهداف الجنرال قاسم سليماني في بغداد قرب المطار بعد وصوله فقتل معه أبرز قادة الحشد الشعبي أبو مهدي المهندس.© picture-alliance/AP Photo/E. Noroozi
يشار إلى أن واشنطن طالبت بحصر السلاح بيد الدولة، وأن هناك شخصيات تورطت في هجمات سابقة على المنشآت الأجنبية والسفارة الأمريكية في بغداد، وقد “تتعرض للتصفية المباشرة إذا فشل القائد العام في ضبطه والسيطرة عليه وتفكيك تنظيماته المسلحة التي تنشط خارج السياقات الدستورية والقانونية، بحسب المحلل السياسي العراقي المقيم في واشنطن نزار حيدر.
من يتحمل مسؤولية الأمن القومي العراقي؟
منذ عام 2003 وسقوط نظام صدام حسين، بقيت سياسة واشنطن متخبطة تجاه العراق، بين الحفاظ على قواعد عسكرية في العراق أو الخروج منه. ولم تفعّل بشكل حقيقي اتفاقية الشراكة الاستراتيجية بين البلدين والتي تضم جوانب كثيرة من الأمن إلى الطاقة والتعليم.
وينتقد مراقبون السياسة المتخبطة لواشنطن تجاه بغداد. وهو أمر يدعو للغرابة، خصوصا منذ إدارة أوباما التي انسحبت من العراق، لكن واشنطن “تتحمل مسؤولية أخلاقية للتجربة التي أسستها في العراق بعد إسقاط نظام صدام. بل حتى المجتمع السياسي الأمريكي يحاسب البيت الأبيض على التخبط مع العراق”، بحسب عباس عبود، والذي يستبعدأن تتكرر تجربة أفغانستان في العراق، ويختم بالقول: “واشنطن أسست نظاما سياسيا في العراق وعليها إكمال ما بدأته ودعم التجربة الديمقراطية لا خلق الفوضى وإضعافه أو إضعاف النظام الديمقراطي”.