من كتابة سبق
الأحد 16 / 2 / 2025
وزير الخارجية الأمريكي “ماركو ربيو”
وسط التحولات السياسية والتوترات الدولية التي تعصف بموازين الشرق الأوسط، تتصاعد المخاوف بشأن مستقبل قطاع غزة، وفي زيارة غير مسبوقة للمنطقة، يظهر وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو ليدفع بخطة الرئيس دونالد ترامب التي تُركز على تهجير نحو 2.2 مليون فلسطيني وإعادة تأهيل القطاع ضمن نموذج اقتصادي جديد، في محاولة لإعادة رسم خريطة النفوذ السياسي في المنطقة. يُنظر إلى هذه الخطوة على أنها تحدٍ صريح للقوانين الدولية وحقوق الإنسان، وتفتح باب الجدل حول مستقبل الفلسطينيين في ظل الرفض العربي والدولي العارم.
انتهاك الشرعية
وتنطلق الخطة من فكرة الاستيلاء على قطاع غزة بعد أكثر من 15 شهرًا من الدمار الناتج عن عمليات القصف الإسرائيلي المتواصلة، وتسعى إدارة ترامب إلى تحويل القطاع إلى “ريفييرا الشرق الأوسط”، حيث يتم استغلال البنى التحتية المهدمة لإقامة مشروعات استثمارية فاخرة وتحويل الساحل إلى وجهة سياحية عالمية. تتضمن الخطة نقل سكان القطاع الحاليين إلى مناطق خارج غزة، مما يثير تساؤلات حول شرعية هذه الإجراءات وأثرها البالغ على الهوية الوطنية للشعب الفلسطيني. يرى خبراء السياسة أن هذه المبادرة قد تصل إلى مستويات التطهير العرقي، إذ تحمل في طياتها انتهاكًا واضحًا للحقوق الإنسانية والقانون الدولي.
ويُعد هذا المقترح بمثابة خطوة جذرية قد تغير قواعد اللعبة في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، إذ تضع الولايات المتحدة نفسها في قلب النزاع بتوجيه سياسة تتعارض مع المطالب الدولية بالعدالة والحرية. يُظهر المقترح تفكيرًا استراتيجيًا يهدف إلى إعادة ترتيب الأولويات في الشرق الأوسط عبر استغلال الفراغ الناتج عن الصراعات الطويلة، لكنه في الوقت ذاته يُثير قلق المجتمع الدولي حول مستقبل اللاجئين الفلسطينيين وسلامة البنية السكانية للقطاع.
خلق بيئة تفاوضية
ويندرج دفع وزير الخارجية الأمريكي، ماركو روبيو، لهذه الخطة في إطار أولى زياراته للشرق الأوسط، حيث يسعى لتفعيل استراتيجيات جديدة تُعيد توزيع الأدوار الإقليمية. خلال محادثاته مع المسؤولين الإسرائيليين في تل أبيب ، شدد روبيو على ضرورة بدء مفاوضات جادة تفتح الباب أمام المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، والذي من شأنه إعادة النظر في مصير الرهائن وتحديد مسارات الانسحاب الإسرائيلي. تتجلى أهمية دوره في محاولة خلق بيئة تفاوضية تُسهم في تحقيق توازن دبلوماسي قد يُحدث تغييرًا نوعيًا في مسار الصراع.
ويُظهر روبيو تفهمًا عميقًا للتحديات التي تواجهها المنطقة، حيث يدعو إلى تقديم بدائل عملية تتماشى مع المعايير الدولية، مع الاستفادة من الدعم العسكري واللوجستي الأمريكي. ويعكس تحركه استراتيجية حذرة تجمع بين الضغط السياسي وتقديم مقترحات بديلة، في محاولة لإقناع الدول المعنية بتبني نهج يُسهم في إنهاء الأزمة دون الإخلال بحقوق الفلسطينيين. ويمثل هذا الدور تحوّلاً في السياسة الأمريكية، حيث يتحول من مجرد مراقب إلى فاعل أساس في إعادة رسم خريطة الصراع.
رفض قاطع
ويواجه مقترح ترامب رفضًا قاطعًا من قِبل الدول العربية والمجتمع الدولي، الذين يعدونه محاولة لتغيير الوضع الراهن بطرق لا تمت للحريات والمبادئ بصلة. فقد أعربت مصر والأردن والمملكة العربية السعودية والإمارات عن رفضها فكرة تهجير سكان غزة، مؤكدين أن هذه الخطوة تنتهك القانون الدولي وتُعد خرقًا صارخًا لحقوق الإنسان. كما يدعو العديد من المنظمات الحقوقية إلى رفض أي خطة تسعى لتشريد الفلسطينيين، معتبرة أن الاستقرار في المنطقة لا يمكن أن يتحقق على حساب الهوية الوطنية.
وتتصاعد المخاوف في الأوساط العربية من أن تنفيذ هذه الخطة قد يؤدي إلى زعزعة استقرار المنطقة بأسرها، إذ إن تداعيات تهجير جماعي لسكان غزة قد تفتح الباب أمام موجات جديدة من النزاعات الداخلية والإقليمية. وتبرز الدعوات إلى ضرورة إيجاد حلول بديلة تحترم الحق الفلسطيني في العودة والحفاظ على الهوية الوطنية، في مقابل استراتيجية قد تُثري النفوذ الأمريكي دون مراعاة للحقوق الأساسية للشعوب.
آفاق مستقبلية
وتمثل زيارة روبيو للشرق الأوسط خطوة محورية في محاولة إعادة ترتيب الأوراق السياسية وإيجاد حلول وسطى تنهي دائرة العنف المستمرة. ففي ظل الضغوط الدولية والمحلية المتزايدة، يسعى المسؤولون الأمريكيون إلى بناء جسر جديد للتفاوض مع الأطراف المختلفة، بهدف إيجاد بدائل عملية تُعيد البناء والتأهيل لقطاع غزة دون المساس بحقوق السكان الأصليين. ومن المتوقع أن تُعقد مفاوضات جديدة في الدوحة خلال الأيام القادمة، تُركز على المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار وعلى إعادة تنظيم المفاوضات لإيجاد حلول مستدامة.
وفي ظل هذا المشهد المتشابك من التوترات والصراعات، يبقى التساؤل الأبرز معلقًا في الأفق: هل ستتمكن الولايات المتحدة والدول العربية من تجاوز الخلافات الداخلية والخروج بخطة تضمن حقوق الفلسطينيين وتعيد رسم معالم السلام في المنطقة؟