بقلم : محمد علي صايغ
في أول يوم من زيارة ترامب للملكة العربية السعودية يعلن الرئيس الأمريكي رفع العقوبات عن سورية .. هذا القرار أدخل الأمل والفرح إلى قلوب السوريين

.. وانعكس ذلك في خروج السوريين الى الشوارع في الساحل ودمشق وبعض المحافظات الأخرى ليعبروا عن ابتهاجهم بهذا القرار .. هذا الفرح يفتح نافذة ضوء بعد سنوات من إغلاق أمريكا والدول الأخرى أمام الحركة الاقتصادية السورية بعد أن دمر النظام السابق كل المرافق والمؤسسات وحول الدولة إلى دولة فاشلة ، لتأتي تلك العقوبات لتزيد المعاناة والمأساة فوق معاناتهم ..
قرار ترامب سيكون له مفاعيله على الانتعاش في كافة المجالات بما فيها الإعمار والاستثمارات ودوران العجلة الاقتصادية في البلاد ، لتحقيق ما يأمله الناس في تنمية اقتصادية تنعكس على حياتهم وتجاوز الفاقة والعوز الذي رافقهم طيلة العقد الماضي من حكم الأسد القمعي الذي أغرق البلاد في مستنقع ظن الناس أن لا سبيل للخروج منه ..
ومع أن قرار ترامب وبالسرعة التي تم فيها كان مفاجئاً ، إلا أنه يجب عدم الاندفاع وراء هذا التصريح كثيراً ، ذلك لأن الرئيس ترامب كثيراً ما يتخذ قرارات – وفق عقلية الكوبوي الأمريكي – تكون إنفعالية ، أو وفق مزاج شخصي .. أذ تبقى الولايات المتحدة الأمريكية دولة مؤسسات ، وفيها تحكم كبير للدولة العميقة .. إذ لا يمكن للرئيس ترامب رفع العقوبات عن سورية بهذه السهولة وبقرار فردي ولو كان رئيس الجمهورية .. فأمريكا ليست دولة مثل دولنا ، الرئيس فيها يأمر ويقرر ولا يمكن لأحد مراجعة قراراته ..
قرار العقوبات على سورية لم يتخذ بقرار من الرئيس الأمريكي السابق .. القرار اتخذ في الكونغرس الأمريكي بمجلسية النواب والشيوخ .. ورفع العقوبات بحاجة لموافقة المجلسين بقرار يتم تنفيذه بعد موافقة المجلسين عليه .. وقرار الرئيس ترامب يبقى قرار غير نافذ إلا بموافقة المجلسين معاً .. يمكن للرئيس ترامب تخفيف أو غض النظر على بعض القطاعات ، ولكن ذلك – كما أعتقد وأرجو أن يكون اعتقادي خاطئاً – يبقى مؤقتاً .. كما أنه من غير المتصور أن يتم رفع العقوبات بشكل شامل عن سورية ، فالسياسة الأمريكية من السهل عليها إيقاع العقوبات على أي دولة ، لكن رفعها يتطلب إجراءات كثيرة ومعقدة ، إضافة إلى أنه من منظور سياسي فإن رفع العقوبات يكون جزىياً ونسبياً يتوسع مرحلة بعد أخرى في دخول الأموال والاستثمارات مع إبقاء قرار العقوبات كعصا فوق رأس الإدارة الجديدة تستطيع أمريكا الضرب بها في أي لحظة لا تتجاوب الإدارة السورية الجديدة مع شروط الإدارة الأمريكية التي قد لا تتوقف خدمة للمصالح الأمريكية ، كنهج يقوم على فرض مزيد من الإذعان على الدول الواقعة تحت رحمة عقوباتها ..
هذا الحديث الذي يبدو صادماً ، ليس الغرض منه إدخال اليأس إلى عقول وقلوب الشعب السوري ، ولكنه من أجل أن يتم تحكيم العقل بدل الارتداد إلى حالة إحباط قد تكون قاضية على ٱمال السوريين بالخلاص من واقعهم المأساوي ووجعهم .. ودائما يجب أن نطرح الاسئلة أمام حدث سريع من هذا النوع .. ما المقابل الذي ستقدمه سوريا لأمريكا ، وما هي الاتفاقات والمعاهدات التي سيتم توقيعها مع الحكومة السورية ، أو ما هي المكاسب الاستراتيجية التي ستكسبها الإدارة الأمريكية مقابل رفع العقوبات .. طبعاً هذا إذا لم ندخل في الشروط المتعلقة بالكيان الصهيوني بما يخص السلام والأرض والتطبيع .. إذ ليس في السياسة مواقف مجانية أو نتيجة تعاطف مع المأساة السورية أو بدافع أخلاقي لإنقاذ الشعب السوري ( رفع العقوبات جزء من تفاوض سياسي سيحمل نتائجه ترامب إلى الكونغرس من أجل الموافقة إذا كانت صفقة التفاوض دسمة ومجزية للمصالح الأمريكية ) فالتفاوض بالتأكيد تم التمهيد له قبل إعلان ترامب رفع العقوبات إلى أن وصل إلى ملامح واضحة إلى إتفاقات جاهزة للتوقيع شجعت الرئيس ترامب على إعلان رفع العقوبات عن سورية ..
وإذا تجاوزنا هذا الحس التشكيكي ، وقلنا أن السياسة لا تقوم إلا على أساس تبادل المصالح ( ونرجو أن يكون هذا التبادل متكافئاً نسبياً ) ، فإنه بالرغم من التشكيك فإن فرح السوريين ظهر طاغياً على المشهد الشعبي وخروج المحافظات وخاصة الساحل ودمشق للابتهاج والفرح .. والشعب السوري من حقه أن يفرح ، ومن حقه أن يتمسك بالأمل أي أمل يخرجه من مأساته ، وأن يكون هذا الفرح الذي جمع السوريين في الساحات العامة وفي جميع البيوت خطوة في تماسكهم والتحامهم في الدفاع عن وطنيتهم ، وتجاوز كل الخلافات أو الصراعات الطائفية والإثنية والمناطقية ، وأن يضعوا أيديهم وعقولهم من أجل خدمة سورية الواحدة الموحدة وإعمارها والنهوض بها من جديد ، والشعب السوري بما يملكه من طاقات ومؤهلات قادر على صنع المعجزات بتماسكه وتكاتفه ، ولقد أثبت شعبنا وباعتراف العالم في البلدان التي هجروا إليها بأنهم يملكون كل الإمكانات والكفاءات التي تؤهلهم لصنع فجر جديد ، فالنهوض والتقدم يصنعه البشر الفاعلون ، والتاريخ لا يرحم الشعوب المتخاذلة أو الشعوب التي تقتات على النزاعات داخلها وعلى الحروب الأهلية الجاهلية التي تهدم ولا تبني وطناً ولا مواطناً حراً كريماً .