رائد وحش
المصدر: صوت الكترا
يناير 14, 2024
متابعة مرافعات الفريق القانوني لإسرائيل، التي دامت لأكثر من ثلاث ساعات، أمام محكمة العدل الدولية، مهمة صعبة للغاية، حتى بالنسبة لأولئك الذين اعتادوا على خطاب “إسرائيل” الملفّق، وأكاذيبها الصارخة، ونكرانها المستمر للحقائق الثابتة.
وبعد الأداء القوي الذي قدمه الفريق القانوني لجنوب إفريقيا، يبدو ممثلو “إسرائيل” بليدين ومعتدين بأنفسهم. فسوء الأداء في تبريرهم للجرائم، وفي إصرارهم على كون الجاني ضحيةً، جعل كلًّا منا يشعر بأنه أمام مسرحية هزلية.
إذ ما أردنا اختصار الحجج الرئيسية للفريق الإسرائيلي فهي تقتصر على فكرتين: “الآخرون بدأوا كل ذلك”، و”نحن لم نفعل أي شيء”.
ورغم تمحور الأفكار حول العاملَين السابقَين فقط، فإن ذلك لم يُقلّل من زمن المرافعات الإسرائيلية، بل ما حدث هو العكس تمامًا، إذ تجاوزت المرافعات الساعات المحددة ببضع دقائق، لاقتناع القضاة، والجمهور العام أيضًا، بأن “إسرائيل” هي ضحية هذه الحرب، وليس أكثر من مليوني شخص في غزة.
أولًا، نقاط الضعف في المحتوى:
1- تلفيق نوايا وأفعال الإبادة الجماعية:
بُرّرت تصريحات قادة الاحتلال الإسرائيلي، المتعلقة بالدعوة للإبادة الجماعية، والتي تكررت في مناسبات عدة على مدار الحرب؛ بأنها ناشئة بطريقة عاطفية عن صدمة اللحظة. هذه ليست حجة إطلاقًا، لأن السياسيين يستخدمون التأثير العاطفي لإثارة غضب الجيش والسكان ضد المجموعة التي يُنظر إليها على أنها العدو، والتي يريد تحريضهم على قتلهم.
2- انقلاب الجاني ضحيةً:
مع أن “إسرائيل” متهمة بالتخطيط للإبادة الجماعية، إلا أنها راحت تدعي أنها ضحية نوايا حماس للإبادة الجماعية.
3- ادعاءات حول أشياء يمكن إثبات عدم صحتها:
تم قصف ما تسميه “إسرائيل” بالمناطق الآمنة عدة مرات. وأكدت عدة تحقيقات مستقلة أن “إسرائيل” تعمدت قصف تلك المناطق بعد أن لجأ لها المهجَّرون.
تسيطر “إسرائيل” على معبر رفح الحدودي، على الرغم من أنه يقع على الأراضي المصرية.
تؤكد جميع منظمات الإغاثة أنه لا يصل ما يكفي من الماء والغذاء إلى غزة، بينما يدعي الفريق الإسرائيلي عكس ذلك في مرافعاتهم.
4- الاستشهاد بالدعاية الحكومية ونقص جودة الأدلة المقدمة وحيادها:
لم يستشهد الفريق الإسرائيلي بأي دليل لم يأت من دولة الاحتلال أو من الولايات المتحدة الأمريكية. واعتمد المتحدثون حصرًا على “مصادرهم” الخاصة، لا سيما الأدلة الواردة من جيش الاحتلال الإسرائيلي. جميع المنظمات الدولية (مثل: الصليب الأحمر، وأطباء بلا حدود، ومختلف المنظمات الفرعية التابعة للأمم المتحدة) تقول خلاف ذلك. ولم يكن لدى “إسرائيل” أي مادة أخرى غير تلك التي صنعوها بأنفسهم. كما أن الصور الجوية التي جرى عرضها ليس لها أي معنى، فهي تبدو وكأنها صور عشوائية لا تسمح للمشاهد بمعرفة متى وأين تم التقاطها، ومن هم الأشخاص الموجودون فيها.
أشار الفريق القانوني الإسرائيلي مرارًا وتكرارًا إلى الوثائق التي قدموها إلى المحكمة. ويمكن الافتراض أن الفريق قدم أفضل اللقطات الممكنة في المحاكمة. ولأن المادة التي عرضوها معيبة، كونها تتميز بالرداءة وليس لها أي معنى، لا يمكننا أن نتخيل مدى سوء الصور و”الأدلة” الموجودة في الملف الإسرائيلي والتي لم تُعرض.
5- تغيير للواقع:
“إسرائيل” لا “تنسق” عمليات تسليم المساعدات، كما أخبرتنا المرافعات، لكنها سمحت بدخولها بعد أن أصبحت الضغوط الدولية أكبر من اللازم.
6- اللاإنسانية:
تأتي ادعاءات “إسرائيل” بأنها تتعمد حماية المدنيين الفلسطينيين كطعنات في القلب، خصوصًا بالنسبة لأهل قطاع غزة، الذين دخلوا الآن شهرهم الرابع في المأساة وفي إنكار جيش الاحتلال لانتهاكاته الساحقة لحقوق الإنسان.
ثانيًا، نقاط الضعف في الأداء:
1- اللغة العاطفية غير اللائقة عند الحديث عن بيانات:
لم تكن هناك جملة تقريبًا لم تكن فيها أي كلمات من قبيل: “البغيض” و”الشائن” و”المذهلة”. يهدف استخدام هذا الشكل من اللغة إلى صرف الانتباه عن نقص المحتوى الواقعي.
2- التكرار في جميع المرافعات:
شهدت مرافعات الفريق القانوني الإسرائيلي تكرارًا كبيرًا لأفكار وعبارات، من قبل كل متحدث، الأمر الذي يدل على عدم وجود أفكار كافية لطرحها، من قبيل: الحق في الدفاع عن النفس، والبراءة الكاملة.
وإذا ما قارنا ذلك بما فعله الفريق القانوني لجنوب إفريقيا فإننا نجد أنه لم يكرر، وقدم تنوعًا كبيرًا في المضمون والأداء.
3- محاميان بريطانيين:
وجود محاميان بريطانيان هما: مالكوم شو وكريستوفر ستيكر؛ أمر يدعم الفرضية القائلة بأن “إسرائيل” هي المشروع الاستعماري الأوروبي الأخير، ولهذا يتعيّن على البريطانيين إخراجها من الأزمة، والأمر الأكثر إثارة هو أن محاميةً إيرلنديةً، هي بلين غراليغ، كانت جزءًا من فريق جنوب إفريقيا، وذلك يحمل الكثير من المعاني، فوجودها يشير إلى إيرلندا الدولة المناصرة للحق الفلسطيني، وأيضًا بوصفها بلدًا عاش وعانى من الاستعمار الاستيطاني.
4- التناقضات:
قال أعضاء من الفريق الإسرائيلي إن الضحايا المدنيين لا يمكن تجنبهم بشكل كامل في الحروب، ثم قالوا إن جميع الضحايا المدنيين ماتوا بسبب حماس.
علاوة على ذلك، زعم الفريق الإسرائيلي أن استعمال مصطلح “الإبادة الجماعية” في الحرب على غزة هو تقليل من قيمة المصطلح. وفي الوقت نفسه، ادعى الفريق أن “إسرائيل” نفسها هي ضحية لإبادة جماعية يوم 7 أكتوبر، وبذلك فإن هذا الفريق يفعل ما يتهم جنوب أفريقيا بفعله: يُقلل من قيمة مصطلح الإبادة الجماعية.
5- حجج لا معنى لها
المحامية الوحيدة في الفريق الإسرائيلي، جاليت راجوان، طرحت سؤالًا عجيبًا: لماذا يجب على “إسرائيل” أن تتعاون مع المنظمات الدولية إذا كانت لديها نوايا للإبادة الجماعية؟
خداع الجمهور هو وسيلة شائعة لصرف الانتباه عن الجريمة، و”إسرائيل” فعلت ذلك مرارًا على الساحة الدولية، فكثيرًا ما تُبدي التعاون واحترام القانون الدولي في الوقت الذي تمارس فيه جرائم الفصل العنصري والاضطهاد.
6- سلوك غير مهني
لم تكن أوراق المحامي البريطاني مالكوم شو مرتبة بشكل صحيح، ففقد المسار عدة مرات وقطع خطابه. وبعد ذلك ألقى باللوم على شخص مجهول في إحداث هذه الفوضى.
كما تمت مقاطعة المحامية الإسرائيلية راجوان لأنها تحدثت بسرعة كبيرة، وطُلب منها التحدث بشكل أبطأ كي يفهمها المترجمون.
ثالثًا، خلاصات:
رغم الساعات الثلاث، وتعدد المتحدثين، بقي الاتهام الموجه لـ”إسرائيل” بالإبادة الجماعية دون رد حاسم من قبل فريقها.
لم تستطع أي من نقاط الدفاع الإسرائيلي المطروحة؛ الرد على هجوم 7 أكتوبر، أو الاختلاط المزعوم بين المقاتلين والمدنيين، أو الادعاء بالاختلاط الكبير بين المدنيين والمقاتلين في غزة، أو حتى سرقة المساعدات من قِبل المقاتلين؛ لم تستطيع أي منها سحب الشرعية من تهمة الإبادة الجماعية الدامغة، القائمة على تجويع السكان وقصف الأحياء السكنية والتهجير القسري.
النقاط الوحيدة التي تم طرحها للدفاع بُنيت على مواد لجيش الاحتلال الإسرائيلي، كما هو موضح سابقًا، وأما المواد القادمة من مصادر أكثر موضوعية فمفقودة تمامًا.
ثمة الكثير من التكهنات حول موافقة “إسرائيل” على المثول أمام المحكمة. وأحد أبرز الاحتمالات هو أنه توجد أخطاء إجرائية، لأن التدابير الأولية التي اتخذتها جنوب أفريقيا ربما غير صحيحة بالنسبة لدولة الاحتلال. وإذا قررت المحكمة ذلك فلن يتم إصدار أي حكم.
لو أننا شاهدنا هذه المرافعات في مسلسل كوميدي لخرج ضحكنا من القلب، إلا أن رؤيتها في هذا السياق تكسر قلوبنا مثل أي يوم آخر منذ بدء هذه الحرب.