بقلم : محسن حزام
٩/٨/٢٠٢٣
سورية الحضارة والنبض العروبي تتعرض لامتحان لم يسبق له مثيل في تاريخها الحديث ، كان عنوانه الأبرز سنوات عجاف من القهر والذل والتدمير الممنهج أدخلها في أتونه النظام عن سابق إصرار، هي ذاهبة اليوم إلى الانهيار الكامل بكافة مؤسساتها ، التي لازالت تعتاش على قهر أبنائها والتلاعب بمصيرهم، في ظل فساد استشرى بكل مفاصل الدولة من الرأس حتى النخاع ،وبسبب افتقاد هذا النظام لأهلية الإدارة والاستمرار سوى للطبقة المتحكمة بالسلطة التي لازالت ترتكز على ناظم تم وضعه سنة ١٩٧٠ شرعنه حاكم سورية الأوحد معتمد على مبدأ // جوع شعبك يتبعك ويخضع لك على الدوام //
شعار عمل عليه حافظ الأسد طيلة سنوات حكمه على رأس السلطة حتى قبض عام ٢٠٠٠، واستمر ولده الرئيس الجديد الذي تقلد المنصب على نفس القاعدة بل زاد عليه مهام جديدة خدمة لأغراض خارجية وتوازنات إقليمية ودولية تحافظ على بقائه في كرسي زائل، هذه المهام:
١/ مهمة تدمير سورية ورهنها إلى أجندات الخارج، التي تتلاعب بمصير الوطن وشعبه خدمة لمخططات يتم العمل عليها في معاقل الصهيونية العالمية، هدفها تدمير بنى المجتمعات العربية عن طريق إدخالها في حروب وكالة على المستوى الوطني والدولي، هيمنت على ثورات الربيع العربي وحرفت بوصلتها في زلقها الى آتون حروب اهلية تدخلت في مسارها القوى الإقليمية والدولية أوصلت سورية الوطن إلى ترسيم مناطق نفوذ قسمت الجغرافيا إلى مناطق تحكمها ادارات أمر واقع تنتظر السقوط الحر للدولة حتى تجسد خارطة التقسيم الفعلي لسورية.
٢/ تدمير ممكنات الشعب بكافة الوسائل عن طريق تسليم زمام الأمور بصلاحيات مطلقة للمتدخل الإيراني( الصديق الاستراتيجي على المستوى المذهبي والعسكري ) بالعمل على مشروع تغيير ديمغرافي متدرج عبر العديد من الوسائل( شراء العقارات بالإغراء المادي ، حريق الأسواق التجارية والأثرية، والغابات والأحراج ،توسيع الطوق حول الحسينيات والمراقد ، وكذلك اغداق المعونات المادية والاغاثية لعدد كبير من الأسر التي وصلت إلى حد المجاعة بسبب “سياسات النظام وقرارات حكوماته الفاسدة” عن طريق جمعيات “خيرية” بهدف تأمين حاضنة تتقبل وجود هذا التغول الإيراني المعمد بتوسيع قاعدة التشيع ،والحصول على مرسوم التجنيس الخاص لعائلات الإيرانيين الذي يسكنون المناطق التي تم السيطرة عليها )
٣/ وتأتي خاتمة الأثافي طمس ومحو الهوية الوطنية السورية والتفريط بالسيادة الوطنية وبيع أراضي الوطن بعقود موثقة لما يسمى بالأصدقاء “الروسي والإيراني داعمي الإرهاب والفساد” .
هذه المقدمات أوصلت سورية إلى ما آلت إليه من انهيار متسارع تم تسميته عند رجال الاقتصاد والسياسة ” الهبوط الحر ” لليرة السورية ولكافة ركائز الدولة والمجتمع.
في ظل نظام امتهن الأسلوب الممنهج للتدمير الذاتي عبر تحكم أدواته العسكرية والأمنية الفرقة الرابعة نموذجا ( التي يدير أعمالها ماهر الأسد ) التي تمارس مهام إدارة الجمارك بتواجدها بكل المنافذ الحدودية والمعابر والحواجز الطيارة والثابتة في كافة الطرق المؤدية للمحافظات السورية ( لفرعي الأمن العسكري وامن الدولة) ، لتحصيل اتاوات “رسوم” يتم فرضها على كل شاحنة عابرة أو سيارة خاصة، مقابل السماح بتمرير أي شيء ولو كان ممتلكات خاصة ،وكذلك فرضت على الصناعيين والتجار وحتى على أصحاب المحال أرقام خيالية يتوجب دفعها ” تدفع أو تذهب إلى المجهول ” ، مما أدى إلى هجرة جديدة معاكسة هربا من شروط القهر والقمع الذي يتحكم بها الحذاء العسكري ،مخلفين ورائهم انهيار في البنية الاقتصادية والتعاملات التجارية التي افتقدت لمقومات الاستمرار. سورية بهذه الوضعية ذاهبة الى الانهيار عاجلا او آجلا وآيلة للسقوط الحر.
الآن في ظل هذا الوضع ليست هناك حلول ممكن أن تنقذ هذا التدهور الغير مسبوق للعملة السورية مقابل الدولار (الذي يتم التلاعب بسعر الصرف من قبل جهات خفية لها مصلحة بتدمير كل شيء في هذا الوطن) ،ولا الحد من تفحش أسعار المواد الغذائية والتحويلية وكافة متطلبات الحياة على المستوى الصحي والتعليمي والخدمي، لأن كل مداخيل الدولة تنهب وتسرق ،وخزينة المصرف المركزي فارغة ،وكل الكلام الذي يساق عن طريق الإعلام والمؤسسات التشريعية والتنفيذية هو كلام للاستهلاك وأشغال الناس الذين يتضورن جوعا ، لكن أبناء شعبنا بدأوا العمل عن طريق حلول مناطقية على هيئة إدارات ذاتية تسد فراغ الدولة على المستوى الخدمي والتعليمي وكذلك سد الفجوات الأمنية . وهذه مؤشرات في غاية الخطورة تخلي مسؤولية الدولة الغير موجودة في التداول أصلا، وجانبها الآخر يصب في مشاريع تعمل عليها إدارات الأمر الواقع ومخططات خارجية تعيد “سايكس بيكو” من جديد .
السؤال الهام اليوم عندما يصل المواطن السوري إلى حد المجاعة الحقيقية ،كيف سيكون ردة فعله ؟وهل ردة الفعل تستطيع أن تعبر عن نفسها أمام هذا التغول الأمني الذي شكل حالة رهاب حقيقية عند قطاعات كبيرة من شعبنا ام ستذوب مرة الثلج في مكانها ،فعلا كان هناك ارتدادات لتعبيرات فردية ظهرت ملامحها في عقر دار النظام ومؤيديه عبر مطالبات اغاثية تسد امعائهم الخاوية وتؤخر الموت السريري الذي ينتظرهم ،صرخات في الهواء لا يعيرها نظام الاستبداد وحكومته اي اهتمام “فاقد الشيء لا يعطيه ” ولازالت شبيحة حزب الله وفيلق العباس مستمرة في نهب جيوب المواطنين وسرقة ممتلكاتهم، ودفعهم بالإكراه للهروب من الوطن الذي أصبح معتقلا لأبنائه .
خرجت الأمور عن السيطرة وأصبحت سورية لعبة في يد القوى المتدخلة والمحتلة التي تنهب خيراتها واقتصادها الوطني ،يضاف لها نظام لا يمتلك أية حلول تنقذ الوضع الاقتصادي وحال المواطنين الذي أصبح تحت خط الفقر ،ويعاند في تعطيل أي مسار سياسي يساعد في إيقاف الانهيار المتسارع، وكذلك في منع إيصال المساعدات الإنسانية لشعبه في تسيس مسألة المعابر وسيادة الدولة السورية المنتهكة من قبل العدو الصهيوني ، يساعده في ذلك على طول الخط الفيتو الروسي، ايضا النظام ضرب عرض الحائط قرارات المجموعة العربية في الأردن التي تسابقت في عودته إلى كرسي الجامعة العربية والتي اوقفت خطة التعافي المبكر المرتبطة بتنفيذ الالتزامات التي وافق عليها وزير خارجيته ( إيقاف تصنيع وتوزيع الكبنتاغون، الحد من تغول الإيراني في سورية وأبعاده عن المناطق الحدودية، والالتزام بالحل السياسي المستند إلى القرار ٢٢٥٤ ) .
لازالت هناك إمكانية متاحة أمام المعارضة الوطنية الديمقراطية في السعي للم شملها عبر خلق رافعة وطنية تحشد كل الإمكانات مستفيدة من مشروع المجموعة العربية والتواصل معها لإيقاف التطبيع مع النظام ومحاصرته كمؤسسة لفرض شروط إنقاذ ما تبقى من سورية في إعادة ملفها إلى ساحة الفعل وتجييش الرأي العام حول هذه الاستحقاقات.
لكن إذا تحققت توقعات المحللين الاستراتيجيين وتم فعلا السقوط الحر للدولة، وتشرعن التقسيم ، ماذا يبقى من سورية سوى اسمها .اترك للأيام القادمة الإجابة لأنني لا استطيع تحملها على وطننا وأبناء شعبنا.