أنور الزيادات – العربي الجديد
26 يناير 2025
دونالد ترامب وعبد الله الثاني، واشنطن 25 يونيو 2018 (أوليفييه دوليري بول/Getty)
عمّان – اعتبر سياسيون ومحللون أردنيون أن حديث الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخير عن تهجير أهالي غزة إلى الأردن بمثابة تهديد خطير، مشددين على ضرورة أن تدرك الحكومة الأردنية خطورة المرحلة المقبلة والاستعداد لها وعدم الركون إلى التحالفات السابقة، وطالبوا الحكومة بالاعتماد على وحدة الصف الداخلي لمواجهة الخطر الإسرائيلي والمواقف الأميركية المنحازة لدولة الاحتلال.
وقال ترامب، اليوم الأحد، إنه يتعين على الأردن ومصر استقبال المزيد من الفلسطينيين من غزة، وأشار إلى أنه تحدث بهذا الشأن مع العاهل الأردني عبد الله الثاني في مكالمة هاتفية، أمس السبت، وقال له: “أود منك أن تستقبل المزيد؛ لأنني أنظر إلى قطاع غزة بأكمله الآن وهو في حالة من الفوضى، إنها فوضى حقيقية. أود منه أن يستقبل أشخاصاً”، وأضاف: “أود أن تستقبل مصر أشخاصاً أيضاً”، مؤكداً أنه سيتحدث إلى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي اليوم الأحد بهذا الشأن.
وقال رئيس كتلة الإصلاح النيابية، صالح عبد الكريم العرموطي، لـ”العربي الجديد” إنه لا يحق لترامب تقديم طرح كهذا “فهو اعتداء على سيادة دولة عضو في الأمم المتحدة ولا يحق له التدخل في السياسة الداخلية للدولة الأردنية” معتبراً أن هذا تدخل سافر وغير مقبول وإخلال بالسلم والاستقرار العالميّين، ورأى أن: “تصريحات ترامب مقلقة، والأردن بجميع مؤسساته الرسمية والشعبية جبهة واحدة متراصة في مواجهة التهديدات. نحن على قلب رجل واحد للدفاع عن الأردن”، وشدد على أن الخيار الأردني هو أنه لن يكون وطناً بديلاً مشيراً إلى أن “الملك عبدالله الثاني أكد في مختلف المحافل أنه لا ليهودية القدس ولا للتوطين ولا للتهجير ولا للوطن البديل”.
وأضاف العرموطي “رفعنا الصوت عالياً في مواجهة ترامب في دورته الرئاسية الأولى برلماناً وحكومة وقوى شعبية لاستنكار صفقة القرن وإفشال مخططاته”، ودعا جامعة الدول العربية إلى القيام بدورها، معتبراً أن “الاستقواء على الأردن استقواء على كل الدولة العربية”. وأشار إلى أن العلاقات الاستراتيجية بين الحكومة الأردنية والولايات المتحدة كانت الأكثر استقراراً خلال العقود الماضية، والانقلاب في السياسة الأميركية “دليل على المراهقة السياسية والتحيز للصهيونية العالمية”. وقال العرموطي إن القواعد الأميركية في الأردن تشكل تهديداً مباشراً لنا في ظل السياسة الأميركية الحالية. وأكد أن “الشعب الأردني يستطيع القبض على الجمر من أجل كرامته وعزة بلده”، ودعا الحكومة لتقديم شكوى رسمية لدى مجلس الأمن، معتبراً أن طلبات ترامب مخالفة للمادة 9 من ميثاق الأمم المتحدة.
تصريحات ترامب… “أسوأ الكوابيس”
وقال المحلل السياسي ومؤسس ومدير عام مركز القدس للدراسات، عريب الرنتاوي، في حديث لـ”العربي الجديد” إن تصريحات ترامب حول تهجير سكان غزة إلى مصر والأردن “يضع الدبلوماسية الأردنية أمام أسوأ كوابيسها، فمخطط التهجير يخشاه الأردن وحذر منه مراراً وتكراراً، ليس لأنه مخطط يستهدف حقوق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه فحسب، إنما لأن هذا المخطط سيفضي إلى المساس بأمن الأردن واستقراره وهويته وكيانه أيضاً”. وأشار إلى أن ما كان قبلاً مشروعاً لليمين المتطرف في إسرائيل “أصبح الآن مشروعاً للإدارة الأميركية بزعامة ترامب”.
وأشار الرنتاوي إلى أن تصريحات ترامب ليست جديدة مذكراً بمساعي وزير الخارجية الأميركي السابق، أنتوني بلينكن، الذي طاف بحسب المتحدث “على المنطقة مع بدء الحرب على غزة مروجاً لمشروع التهجير، لكنه قوبل بصد مصري أردني وعربي وانكفأ معه هذه المشروع قليلاً”، وكان بلينكن بحسب الرنتاوي يتحدث عن هجرة مؤقتة للسكان فيما يتحدث ترامب عن هجرة لمدة طويلة الأجل أو دائمة. واعتبر أن ما يطلبه ترامب ليس “ترتيباً انتقالياً بالنسبة لمستقبل سكان غزة بل هو دائم، والتجربة تقول بالعرف الإسرائيلي إن كل مؤقت يصبح دائماً وهذا ما يخشاه الأردن ويخشاه الفلسطينيون ويقاومونه وتخشاه مصر”.
ورأى الرنتاوي أن التهجير من غزة، إذا تم، سيكون بمثابة تجربة “لتهجير أشد خطورة من الضفة الغربية، وفي هذه الحالة ستكون وجهة التهجير الأردن، ولذلك نحن أمام ملامح لصفقة القرن 2 التي يعد لها ترامب، وتوقعنا منذ مجيئه أنه سيكون أكثر حزماً مع إسرائيل في مسألة وقف إطلاق النار، ولكنه أكثر سخاءً في انتهاك حقوق الشعب الفلسطيني إرضاءً لحكومة اليمين المطرف في كيان العدو”. وأضاف: “نحن أمام فصل جديد يتعين حشد الجهود والطاقات لإحباطه وإسقاط مراميه، وهذا ليس قدراً لا راد له بل هو بحاجة لليقظة والاستنفار، ونحن قادرون على مقاومة المشروع وإحباطه بالاعتماد على جبهة داخلية صلبة ومتينة ودبلوماسية نشطة وفعالة”.
وشدد المتحدث على ضرورة إصدار بيان أردني مصري وعربي يرفض المشروع ويعلن التفافه حول حقوق الشعب الفلسطيني، وإسناد مصر والأردن، ورأى أنه كان لافتاً “أن الموقف الأميركي جاء بعد فترة وجيزة من إعلان الخارجية الأميركية تعليق المساعدات الخارجية لمدة 90 يوماً مع استثناء إسرائيل ومصر بينما أبقت الأردن، وهذا ربما يبعث برسالة ضغط من الولايات المتحدة إلى الجانب الأردني، وقد يمثل جزرة للجانب المصري لتسهيل هذه العملية”. مشيراً إلى أن “الضغط ليس مقبولاً والجزر مسموم بهذا المعنى وعلى الجميع التصدي بحزم لهذا الموقف الأميركي العدائي تجاه الشعب الفلسطيني وحيال استقرار الأردن ومصر”.
تكثيف الحراك الدبلوماسي
بدوره، قال الرئيس السابق للجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب الأردني، نضال الطعاني، في حديث لـ”العربي الجديد” إن “ترامب جاء بطروحات أوقفت الحرب في غزة، والهدف كان الأسرى الإسرائيليين لدى حماس وليس تحقيق سلام بالمنطقة والإقليم، فالسلام الذي تتطلع له الدول العربية مرتبط باقامة الدولة الفلسطينية على حدود 4 يونيو/حزيران 1967”. وأضاف أن “الحرب على جنين اليوم جاءت عكس ما يتطلع إليه الفلسطينيون والمنطقة، خاصة الأردن، وبالتالي سيكون لهذه السياسات الأميركية والإسرائيلية ارتدادات سلبية على استقرار المنطقة، خاصة في ظل محاولة إجبار الفلسطينيين على الهجرة عبر التضييق عليهم”.
ورأى الطعاني أن وقف المساعدات هو “محاولة للضغط سياسياً على الأردن، فخلال الولاية الأولى لترامب وُقّعت مساعدة طويلة الأمد، واليوم يأتي وقف المساعدات في محاولة للضغط اقتصادياً وسياسياً على الأردن، ولمواجهة ذلك على الأردن زيادة التنسيق مع الدول العربية لاتخاذ موقف قوي في مواجهة طروحات الرئيس الأميركي”. وأشار إلى أنه “بعد سقوط نظام بشار الأسد احتلت إسرائيل منابع المياه، ما قد تستغله إسرائيل للضغط على الأردن من خلال التوافق مع الولايات المتحدة وهذا سيكون له تأثير كبير على المنطقة”.
واعتبر أن “على الأردن لمواجهة هذه الضغوط تكثيف الحراك الدبلوماسي المعتمد على وحدة الصف الأردني شعبياً ورسمياً والتنسيق العربي”، مشدداً على أن الأردن يسعى إلى حل سياسي في المنطقة معتمد على حل الدولتين، واذا لم تكن هناك مساندة عربية ودولية للموقف الأردني ستكون النتائج صعبة، مذكراً بأن الأردن “كان قادراً دوماً على التواصل مع أعضاء الكونغرس ومجلس النواب من الحزبين لتوضيح مطالبه وبيان مواقفه، ومن الممكن أن يحدّ هؤلاء من الأطماع والتوجهات التي تستهدف الأردن وحل القضية الفلسطينية على حساب دول الجوار”.