منقول من صفحة الأستاذ / محمد الفاتح
منذ أيام أعلنت سوريا اعتماد شعار جديد للدولة، أزالت فيه النسر وأتت بطائر العقاب.
قد يبدو هذا التغيير شكليًا عند النظرة الأولى، لكنه في حقيقته إعلان ضمني عن تحول أعمق في المعنى والاتجاه؛ فالعقاب ليس مجرد طائر جارح، بل رمز له جذور في الوعي الإسلامي، إذ كانت إحدى رايات النبي محمد ﷺ تُعرف بـ”راية العقاب”، وارتبطت في الذاكرة الجمعية بالقوة والنصر والسيادة.
أما النسر – على ما فيه من ضخامة – فهو طائر لا يصطاد بنفسه غالبًا، بل يعتمد على التربص والانتظار، ويتغذى في أحيان كثيرة على ما تركه غيره.
وهو طائر أصلع الرأس، لا يُعرف في الموروث العربي كرمز للفروسية أو الشجاعة، ولهذا نادرًا ما امتدح في أدبيات العرب أو سُمِّي به الأبناء، بخلاف أسماء مثل صقر وشاهين وعقاب التي تدل على الفخر والإقدام.
أما العقاب، فهو طائر حرّ، لا يأكل إلا ما يصيده بنفسه، لا يعيش في السرب، ولا يعرف الاتكال.
نظرُه حاد، يبصر فريسته من مسافات بعيدة، وينقضّ عليها بسرعة ودقة. لا يبني عشه إلا في أعالي الجبال، وكأنه كُتب له أن يعلو دائمًا.
ومن صفاته النادرة أيضًا: وفاؤه لشريكه، إذ يعيش معه مدى الحياة.
كما يتميّز العقاب بقدرة فريدة في عالم الطيور: قدرته على تجديد نفسه؛ حين تضعف مخالبه ومنقاره وريشه، ينعزل في قمة نائية، ويُجري على نفسه عملية مؤلمة لتكسير المنقار ونزع المخالب والريش، منتظرًا نموها من جديد ليعود إلى التحليق، أقوى مما كان.
وكأن في طبعه دروسًا في الصبر والألم والانبعاث من جديد.
هذا هو الطائر الذي اختارته سوريا اليوم شعارًا لها، بعد عقود طويلة من استخدام شعار النسر.
التحول من النسر إلى العقاب ليس مجرد مسألة فنية، بل يحمل في طياته رمزية عميقة: عودة إلى الأصل، إلى راية النبي ﷺ، إلى رمز الفعل لا الانتظار، والصيد لا الاتكال، والكرامة لا الانكسار.
سوريا تقول – وإن بصمت – إن مرحلة الانتظار قد انتهت، وإنها لا تريد أن تحلّق فوق الأطلال، بل أن تنهض من جديد، كما يفعل العقاب بعد عزلته الطويلة.
لا نمتدح حاكمًا ولا جهة، ولكن نبشّر بالخير، لعلّ الله يجعل من هذا الرمز بداية لمعنى جديد، أكثر نقاءً وعزًّا.